“السابع من أكتوبر” قنبلة انفجرت في يد صاحبها: نصر الله أفدى السنوار… مَن يفدي نصر الله؟

ماذا يمكن أن يفعل نصر الله حيال واقع لا يستطيع الانتصار فيه ولا يتحمل الهزيمة فيه

يعرف “حزب الله” في سره أن الحرب التي أطلقها من الجنوب قبل تسعة أشهر، لم توحد ساحات الممانعة بل فرّقتها وحولتها ساحات متقطعة، كل ساحةٍ لها من يتصدى لها أو يحد من فاعليتها، وأن الجبهة التي يحاول فتحها في الجولان لحمل اسرائيل على السير باتفاق الهدنة، لن تجر بشار الأسد الى الحرب ما دام ممسوكاً من روسيا والعرب، ولن تحول سوريا الى لبنان آخر، بعدما فشل في تطويع الأردن وتجنيده تحت سلطة “الاخوان المسلمين”.

ففي حرب غزة، لم تكن اسرائيل وحدها في الميدان، بل رافقتها البوارج الحربية الأميركية من البحر والمضادات الصاروخية المتطورة من الجو، وفي حرب البحر الأحمر تولى الأميركيون والبريطانيون أمر الحوثيين في اليمن وأمر “الحشد الشعبي” في العراق، في حين تولى الأميركيون وبعض العرب أمر الايرانيين عندما أمطروا الدولة العبرية بمئات الصواريخ والمسيرات، وتولى العملاء وأجهزة الاستخبارات الاسرائيلية والأميركية والروسية أمر المستشارين الايرانيين في دمشق.

وانطلاقاً من هذا المشهد، يحاول “حزب الله” بتحفيز من ايران، ربط مصير الحرب بمصير غزة، بحيث يتلطى خلف الهدنة في القطاع للحصول على هدنة في الجنوب المدمر والمنهك، وذلك في محاولة للحؤول دون أي هجوم بري اسرائيلي يمكن أن يأخذ منه بالقوة ما أخذه من “حماس” بالقوة عينها، أي منطقة آمنة لا مخالب لها ولا ميليشيات، بل قوات نظامية شرعية مدعومة على الأرجح بقوات دولية وقرارات أممية معدلة لا يمكن القفز فوقها ولا الالتفاف عليها كما حدث بعد “حرب تموز”.

وعلى الرغم من صورة المنتصر التي يحاول حسن نصر الله تسويقها لدى بيئته أولاً ومحوره ثانياً عبر عمليات نوعية على المحورين اللبناني والسوري، يقر أركان الحرب في “حزب الله” و”الحرس الثوري” الايراني، بأن عملية “السابع من أكتوبر”، كانت بمثابة قنبلة انفجرت في يد صاحبها، أو على الأقل مغامرة غير مدروسة وضعت كل أوراق ايران على الطاولة وعرّضتها اما للحرق واما للخرق، وأن دخول الحرب من بوابة الجنوب كان عملية حسابية متسرعة لم تأخذ في الاعتبار ما تخبئه اسرائيل عسكرياً وما تضمره حكومتها عقائدياً وسياسياً.

وأقر هؤلاء أيضاً بأن الرهان على وقف لاطلاق النار في غزة لتبرير وقف اطلاق النار في الجنوب، لم يكن على قدر الحسابات، اذ سرعان ما أدركوا أن اسرائيل باتت أكثر تفرغاً وأكثر اصراراً على فتح جبهة الجنوب مدعومة هذه المرة من الآلة العسكرية الأميركية ومن شبه اجماع عربي على ضرورة نزع فتائل الحروب في الشرق الأوسط واعادة ايران الى رشدها من جهة وجرها الى خيارات السلام حرة أو مكبلة من جهة ثانية.

وأكثر من ذلك، يدرك “حزب الله” هذه المرة أنه لم يعد في نظر العالمين العربي والدولي، مجرد ميليشيا عقائدية محدودة في المكان والزمان، متخوفاً من تراكم اقتناع عالمي شبه شامل بأن مسألة القضاء على الخطر الايراني يتطلب أولاً القضاء على “حزب الله” الذي تحول الى حارس النظام في طهران وحامي هلاله الفارسي انطلاقاً من بيروت.

وما يعزز هذا المنحى العسكري-السياسي، صحوة غربية جدية في مواجهة التقدم العسكري الروسي في أوكرانيا من جهة، والتحرشات الصينية قبالة تايوان من جهة ثانية، والتحالف الروسي-الكوري الشمالي قبالة القوات الأميركية في كوريا الجنوبية واليابان من جهة ثالثة، اضافة الى التحالف الروسي-الصيني الذي بدأ يتخذ أشكالاً عسكرية مشتركة.

ويكشف مصدر ديبلوماسي غربي، أن حرب غزة شكلت فرصة ثمينة لقيام هذه التحالفات، وأسهمت في إضعاف أوكرانيا وتعزيز موقع الرئيس فلاديمير بوتين في أوروبا وقسم كبير من العالم، مشيراً الى أن الولايات المتحدة التي تستعد لانتخابات رئاسية حاسمة، تستعجل الهدنة في غزة، للانصراف الى المحور الشرقي، مؤكدة في أروقة حلف الأطلسي أنها لن تسمح بانتصار بوتين أو بانفلاش الصين وكوريا الشمالية أو بانتاج قنبلة نووية ايرانية حتى لو اضطرت الى استخدام السلاح في شكل مباشر.

ويقول المصدر: ان الولايات المتحدة التي تستعد لاستقبال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو قريباً، لن تمانع في اعطائه الضوء الأخضر لفتح جبهة الجنوب اذا لم يلبّ “حزب الله” بالحسنى شروط وقف اطلاق النار في الجنوب، أي الانسحاب الى خط الليطاني، واقامة منطقة منزوعة السلاح يرعاها الجيش اللبناني، وتطبيق الاجراءات والقرارات الدولية، وبينها القرار ١٦٨٠، الخاصة بترسيم الحدود البرية بين لبنان والدولة العبرية من مكان ولبنان والدولة السورية من مكان آخر.

وسط هذه الأجواء، ماذا يمكن أن يفعل نصر الله حيال واقع لا يستطيع الانتصار فيه ولا يتحمل الهزيمة فيه، وحيال بيئة مستنزفة بشرياً ومادياً ومعنوياً، ومجتمع بات ينظر اليه على أنه أكثر جذباً لمزيد من الاحتلالات منه الى مزيد من الردعيات؟

الواقع أن الجواب جاء قبل أيام على لسان نصر الله نفسه عندما قال ان وقف القتال في غزة يوقف القتال في الجنوب “من دون أي نقاش” وكأنه أراد أن يقول لمن يعنيه الأمر ان ما جرى على الحدود الشمالية لن يتكرر، وان أهل الجليل يمكن أن يعيشوا في مستوطناتهم بسلام، محاولاً بذلك أن ينهي الحرب وفق هذه المغريات.

لكن شيئاً وحيداً، يرفض نصر الله الاقرار به، ولو في العلن على الأقل، وهو أن ما فعله في “الثامن من أكتوبر” لم يكن أمراً عادياً يمكن تجاوزه من دون مساءلة، وأن ما يملكه من سلاح متطور لا يمكن التغاضي عنه من دون شروط، وأن ايران التي ينشرها على حدود اسرائيل لا يمكن التفرج عليها بالمناظير، فهل يكابر ويدخل لبنان في فم الذئب أم يحاول التنازل في الجنوب في مقابل تخفيف العقوبات عن ايران، والاحتفاظ بدور لحركة “حماس” في غزة في اليوم التالي، اضافة الى مكاسب في الداخل تبدأ بانتخاب رئيس على قياسه وتنتهي بنفوذ مطلق لا يشاركه فيه أحد؟

لننتظر، يقول ديبلوماسي غربي، مؤكداً أن المرحلة الراهنة تتطلب من ايران و”حزب الله” الكثير من الحكمة والقليل القليل من العضلات، وأن محاولة فتح جبهة الجولان انطلاقاً من لبنان، وشحن قنابل أميركية زنة ٥٠٠ رطل الى اسرائيل، اضافة الى شحن طائرات من طراز “اف ١٦” الى أوكرانيا، ليست بالطبع أخباراً جيدة.

انطوني جعجع- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة