بهاء الحريري… ودور وموقع وتاريخ المُسلمين السُنّة ” في لبنان!
بقلم علي الشاهين:
على المستوى الشخصي لديَّ قناعة راسخة بعدم الانطلاق من الجانب الطائفي أو من الزاوية المذهبية في المقاربات أو الكتابة أو التحليل، إنّما في هذه العُجالة، وبعدما أشعلت زيارة بهاء الحريري ناراً ضروساً في هشيم الـ”سوشيال ميديا”، حيث ما شاء الله سارع “جهابذة المُحلّلين والمعلقين” إلى تناول دور وموقع وتاريخ المُسلمين السُنّة في هذا البلد..
وهنا، نورد نقاطاً محورية وأساسية حول السُنّة، الذين يعتبرون من المكوّنات الأساسية للمجتمع اللبناني، ولهم دورٌ مؤسّسي ووطني كبيرٌ على مدى عقود مضت، إنّما للأسف اضمحل تأثير وفعالية هذا المكون، وذلك لأسباب عديد لا مجال لتناولها الآن.
أما أبرز السمات التي يتّسم بها مسؤولو وقادة ونُخب السُنّة في هذا البلد وباختصار شديد هي التالية:
1- بعد “ميثاق 1943″، وحتى “اتفاق الدوحة”، مروراً بـ”اتفاق الطائف” ومختلف المحطات، يلحظ المراقب أمرين عند السُنّة وهما: (أ) كانوا حرصاء جداً على مفهوم الدولة والمؤسّسة والدستور.. (ب) لم يضعوا “رؤية سياسية ـ استراتيجية” ينطلقون منها ضمناً في عملهم السياسي تجاه أنفسهم وبيئتهم وشركائهم في الوطن (مع الإشارة طبعاً إلى الثوابت السياسية والوطنية لدار الفتوى 1984).
2- للأسف، مُعظم السُنّة الذين اعتلوا مناصب سياسية وإدارية (من المصاف الأوّل وما دون) وفي كافة المجالات، لم يمتلكوا قدرات ولغة العصر وأبعاد الواقعية السياسية في تعاملهم مع الملفات الداخلية والإقليمية (اللهم إلا استثناءات قليلة جداً).
3- معظم القادة كان سقف عملهم السياسي والخدماتي والتنظيمي مناطقياً بحتاً أو انتخابياً أو حسابات مصلحية ضيّقة.
4- شباب وشابات السُنّة الجماعيون لم يسعوا إلى دراسة العلوم السياسية، وإلى حد ما ابتعدوا عن الإعلام..
5- “ربطاً بالسمة الرابعة” يلحظ المراقب شبه “تصحّر” في مجال دراسة العلوم السياسية لدى السُنّة، وهو ما ينعكس كثيراً على صناعة وعي سياسي لدى شباب هذه البيئة.
6- شبه ابتعاد كل المؤسّسات السنية والقادة عن الوعي المعلوماتي، وبالتالي عدم امتلاك مراكز دراسات ومعلومات، وهو ما ينعكس سلباً على عملية اتخاذ القرارات ورسم السياسات أو حتى في فهم الواقع السياسي المحلي والإقليمي والدولي، بينما الآخرون أنشأوا مراكز دراسات نوعية وناجحة.
7- …هنا الطامّة الكبرى، حيث يرى البعض كأنّ هناك قراراً خفياً عند جهات خفية بعدم إتاحة المجال لوصول قائد ناجح إلى الساحة السنيّة، وهذا الأمر بالذات مُتشابك ومُعقّد الأبعاد والأهداف والجهات..
8- العامل النفسي والأدبي والعقلي عند الفرد السني يشير – على مختلف المستويات – إلى أنّهم “أُمْ الصبي” حيث طُبِّقَ ومورِسَ هذا المفهوم بطريقة خاطئة وبعيداً عن “لغة العصر” وما يستلزمه الواقع الميداني..
8- تأسيساً على ما جاء أعلاه، ورغم ما عمل وانطلق منه دولة الرئيس الشهيد المرحوم رفيق الحريري طوال عقدين من الزمن، والتي أطلق الإعلام على مرحلته بالسنية السياسية يلحظ أنّه بعد استشهاده دخل المسلمون السُنّة مرحلة الاستضعاف والتهميش، والخوف والتوجّس والتقوقع حاليا. بل لبنان والمنطقة دخلا مرحلة انتقالية حسّاسة وتاريخية تحرّكها تسويات إقليمية ودولية ليس العرب لهم فيها فعالية (مصر والسعودية) بل هي لدول الجوار وعواصم القرار، وهذا ما ينعكس بالتأكيد على موقع السُنّة في النظام السياسي المُقبِل في لبنان، وقد نُشِرَتْ الكثير من المعطيات والمعلومات والآراء حول هذه النقطة تحديداً، بل إنّ بعض المتابعين يتوقّع “الإقصاء السياسي” للسُنّة في المرحلة المقبلة، أو ما يشبه الإقصاء وهو التحجيم والتجويف، وذلك يتحدّد حسب عوامل عديدة وأبرزها صلابة وحكمة وجديّة وجرأة المعنيين على الساحة السنية، وهذه العملية تتطلّب “رُكباً” ورؤية وإخلاصاً لدى هؤلاء المعنيين.
إذن، وبكل موضوعية ومسؤولية هناك شبه تعطّش واستعداد نفسي لدى معظم الناس على الساحة السنية لضرورة وجود خبراء وغيورين يتمتعون بالكفاءة والتفكير الاستراتيجي والعلمي والرؤيوية ويقومون بإعداد ورشة عمل تعتمد العصف الذهني لتحديد البوصلة لكل مَنْ يعمل في المجال السياسة والشأن العام وصناعة الرأي العام على الساحة السنية، وبحيث تكون هذه البوصلة مكوّنة من ذرّات الفكر النيّر وصفاء الذهن والنيّة، وذلك في سبيل المصلحة العليا للسُنّة، والتي بالتأكيد تصب في مجرى المصلحة العليا للوطن، كياناً وهويّة ودوراً وموقعاً.
ونختم بسؤال عقلاني وبريء، هل بهاء الحريري قادم إلى لبنان من رحم هذه المخاوف والتطلعات أو من منطلقات خاصة بحتة؟!