بريطانيا تجمّد مشروع الأبراج جنوباً
على هامش المساعي الغربية لإعداد ترتيبات أمنية في المنطقة الجنوبية في حال توقف الحرب، قدّم العدو سلسلة مطالب للجانب الأميركي والفرنسي والبريطاني، تقوم على فكرة أنه يجب تنظيف منطقة جنوب اللبطاني من الوجود العسكري للمقاومة. وطرح العدو أفكاراً كثيرة تتعلق بسحب الأسلحة والمقاتلين، لكنه طالب بإطار جديد للترتيبات الأمنية، بما يحقق له مطلبه في “التثبت من عدم قدرة حزب الله على بناء قدرات تهدد أمن إسرائيل، وأنه شرط إلزامي لأجل إقناع عشرات الآلاف من المستوطنين بالعودة إلى مستعمرات الشمال”.
من بين هذه الأفكار، طرح العدو على الجانب البريطاني، العودة إلى جوهر المشروع الذي قُدّم في الأيام الأولى من حرب تموز عام 2006، لجهة فرض إجراءات على طول حدود لبنان مع فلسطين وسوريا، بالإضافة إلى إجراءات في البحر والمطار أيضاً. وقد حمل وزير الخارجية البريطاني المستقيل ديفيد كاميرون العناوين العامة، ثم تولّى فريق بريطاني يمثّل الجيش والاستخبارات مناقشة التفاصيل مع الجيش اللبناني ومديرية الاستخبارات فيه. وأهم ما بات موثّقاً في أوراق رسمية، فيه طلب الحكومة البريطانية إنجاز وضع جديد على الأرض، وأن لندن تريد تقديم الدعم الميداني المباشر، لأجل أن يقيم الجيش اللبناني تحصينات خاصة، ومراكز حماية لعشرات المواقع المنتشرة قبالة الحدود، شرط عدم تحريكها من مكانها، أي إبقاء المواقع حيث هي الآن، والتي تبعد فعلياً عن الحدود بمسافات تراوح بين 1 كلم و2 كلم كحد أدنى، أي إنها ليست موجودة على النقاط الحدودية الملاصقة للحدود، كما هو حال عدد كبير من مواقع جيش الاحتلال التي لا تبعد عن الخط الأزرق أكثر من ثلاثين إلى خمسين متراً. وقال البريطانيون، إنهم خصصوا موازنة كبيرة لتحصين هذه المواقع بما يمنع تعرضها لأي اعتداء، على أن يتم بناء منظومة مراقبة أمنية داخلها، على شكل كاميرات أكثر تطوراً من الكاميرات الموجودة الآن على أبراج منتشرة على طول الحدود مع سوريا.
وعلى هامش النقاش غير المعلن بين قيادة الجيش وجهات رسمية وسياسية حول المقترح البريطاني، شرح قائد الجيش العماد جوزيف عون، أن المقترح مهم بالنسبة إلى الجيش، وهو يوفر فرصة للحصول على دعم لوجستي ومادي وتقني يفيده من الناحيتين العسكرية والأمنية. ولدى سؤاله عن كيفية عمل كاميرات المراقبة، قال إنها مخصصة لحماية لبنان، أي إنها موجهة نحو الحدود مع فلسطين ونحو العمق في فلسطين وليست موجّهة إلى شمال الخط الأزرق.
عند هذه النقطة، اتُّفق على أن يقوم قائد الجيش بإبلاغ الجانب البريطاني بنظرة الجيش إلى دور هذه الأجهزة، ولكن الذي حصل، هو أن البريطانيين عبّروا عن خيبة أملهم، وقالوا صراحة للجيش: نحن نريد هذه الأبراج، لأجل تلبية متطلبات أمنية إسرائيلية، وأن الجيش الإسرائيلي لا يقبل أن تكون الكاميرات موجّهة نحو مناطقه، بل هو يريدها موجّهة لمراقبة أي حراك في الجنوب اللبناني، وهذا شرط أساسي عند إسرائيل للقبول بوقف إطلاق النار مع لبنان. مع الإشارة هنا، إلى أن مستشارين بريطانيين وأميركيين يعملون مع الجيش في لبنان، لإدارة الأبراج الحدودية أو المُسيّرات.
عندها بادر عون إلى إبلاغ الجانب البريطاني، بأن هذا الطلب يمثل خطوة سياسية بالغة الدقة، والقرار في هذه المسألة يعود إلى السلطة السياسية. وبالتالي، فإن على الجانب البريطاني التوجه مباشرة إلى السلطة السياسية ممثّلة الآن بالحكومة، أو انتظار الانتخابات الرئاسية ومناقشة الأمر مع رئيس الجمهورية الجديد.
عند هذا الحد، بادر البريطانيون إلى التواصل مع الجانب الإسرائيلي وإبلاغه جواب الجيش اللبناني. فكان رد تل أبيب أنها لا تقبل بأي إجراء من شأنه مراقبة ما تقوم به، وأنها لن تتوقف عن اتخاذ الإجراءات التي تناسب أمنها، بما في ذلك استمرار الطلعات الجوية لسلاحها الحربي أو المُسيّر لضمان مراقبة ما يقوم به حزب الله في الجنوب، كونها تعرف أنها سيعمل على إعادة تنظيم وجوده العسكري واللوجستي في كل المنطقة، خصوصاً أن المعركة أظهرت أن لديه بنية ضخمة، ما جعل بريطانيا تعود إلى الجيش اللبناني لإبلاغه بأن مشروعها لتعزيز مواقع الجيش الحدودية قد تم تجميده حتى إشعار آخر.
وفي السياق نفسه، كان الأميركيون يبحثون مع الجانب الفرنسي ومع دول أوروبية لديها تواجد عسكري ضمن قوات الطوارئ الدولية، في سبل تعزيز عديد ودور هذه القوات في المرحلة المقبلة، ويبدو أن الجانب الأميركي أكثر واقعية لناحية معرفته، بأن موازين القوى لا يمكنها أن تفرض تنازلات بهذا الحجم على حزب الله، وبالتالي فإن الأميركيين يفضّلون البحث في برنامج ترتيبات يكون مقبولاً من الجانب اللبناني، ومفهوماً من الجانب الإسرائيلي. لكن العنصر الإضافي في الأفكار الأميركية، هو إعادة الحديث عن “إغراءات” تُقدم للبنان، من بينها ما يخص الجنوب على وجه الخصوص، في مجال الدعم الاقتصادي، على أمل أن يؤدي ذلك إلى تخفيف حدة مواقف حلفاء حزب الله داخل السلطة اللبنانية.
الأخبار