آراء وتساؤلات في «عودة الغائب» بهاء… في ظروف غاية في التعقيد داخلياً وإقليمياً!
ما هو رأي سعد الحريري وتيار “المستقبل”؟
بعد زيارته الأولى مؤخراً إلى لبنان، للتعازي بوفاة زوج عمته بهية المرحوم مصطفى الحريري، يعود اليوم السيد بهاء الحريري إلى لبنان، وهذه المرة بهدف سياسي هو “لإستكمال مسيرة الرئيس الشهيد رفيق الحريري”، كما صرَّح بذلك، وذلك عبر إجراء الإتصالات والتواصل مع بعض الفاعليات والشخصيات لأول مرة في لبنان، بعد لقاءات قبرص السابقة، وبعد محاولات سياسية عدة “عن بُعد”، خاضها عبر منابر أسَّسها من بعض الشخصيات، التي خرج بعضها من عباءة “تيار المستقبل”، مُنيت كلها بالفشل الذريع، خاصة في الإنتخابات النيابية الأخيرة عام 2022، التي كانت تُعتبر فرصة مؤاتية له بسبب إستنكاف تيار ” المستقبل ” برئاسة الرئيس سعد الحريري عن خوضها، ما أفسح المجال لبعض المستقلين و”التغييريين” للنفاذ من هذه “الفرصة”، للوصول إلى المجلس النيابي، في رسالة وجهَّها أيضاً أهل بيروت يومها بإسقاط كل مرشح “تقليدي” – إذا صح التعبير – ممن يعتبرون من “أهل البيت” المستقبلي، سواء بالمقاطعة أو التصويت، في مؤشر على أن سعد الحريري وتيَّاره، لم يزل الأقوى – نسبياً – والرقم الصعب على مستوى الساحة السنية يصعب تجاوزه.
نبدأ لنقول، بأن من حق السيد بهاء الحريري كغيره من اللبنانيين، أن يكون له نشاطه السياسي وطموحه الشخصي، وهذا حق لا جدال فيه إطلاقاً، ولا يُفترض أن يثير أي تساؤل، إلا من ناحية أن بهاء الحريري ليس كغيره من اللبنانيين العاديين، فهو إبن الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وشقيق الرئيس سعد الحريري الذي تحمَّل عبء المسيرة في ساعاتها العصيبة, وأصعب الظروف الداخلية والإقليمية مدة 17 عاماً، قبل أن يعلِّق عمله السياسي مؤقتاً في العام 2022، كان خلالها السيد بهاء الحريري – سواء بقرار شخصي أو عائلي أو سياسي إقليمي – خارج لبنان، بعيداً عن أعين اللبنانيين، وبالتالي عن قلوبهم كما يقول المثل الشعبي، حتى في ذكرى والده الشهيد التي كانت وما زالت تقام كل عام، لم يكن يظهر للعيان لا شخصياً ولا تنظيمياً، بإستثناء سنة واحدة ظهر أنصاره فيها حول الضريح، بطريقة كادت أن تؤدي إلى صدامات، مع أنصار شقيقه في “تيار المستقبل”.
في العام 2017، وبعد ” إستقالة ” الرئيس سعد الحريري الملتبسة يومها من الرياض، تحدثت تقارير عن محاولة لإستبدال الرئيس الحريري بشقيقه بهاء، على رأس التيار السياسي، ما أثار يومها بلبلة وحديث عن رفض العائلة والتيار لهذا الأمر، ما أحبط المحاولة قبل أن يتدخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وينجح بإعادة الأمور إلى نصابها، ليلجأ بعدها السيد بهاء الحريري، لمحاولة دخول المعترك السياسي، عبر المحاولات السالفة الذكر، وهو ما بدا وكأنه ردة فعل ضد رفض العائلة والتيار، لتوليه المسؤولية خلفاً لشقيقه، أكثر منها رغبة منه في “تصحيح” المسيرة كما كان يُعلن، خاصة مع إندلاع ثورة 17 تشرين عام 2019، عندما حاول ركوب موجتها بالحديث عن الإصلاح والتغيير، فيما اليوم يتحدث عن “إستكمال مسيرة الرئيس الشهيد”، من دون أي أشارة للرئيس سعد الحريري وتيَّاره، ما يوحي وكأن المسيرة توقفت في العام 2005، مع إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، مع ما يحمله هذا الكلام، من تجاهل لجهود 17 عاماً، من العمل المضني والمعاناة والمخاطر التي تحمَّلها الرئيس سعد الحريري، والتي كانت مزيجاً من الإنتصارات والإنكسارات، والصراعات والتسويات والدم والدموع، مصحوبة بأخطاء في الممارسة السياسية، بعضها نتاج إجتهاد شخصي، وبعضها الغالب أملته ظروف إقليمية فائقة الصعوبة والتعقيد.
ما بين العام 2017 والعام 2024، سبع سنوات كان فيها السيد بهاء الحريري يُبرِّر غيابه عن بيروت، وعمله السياسي عن بُعد، بالعامل الأمني والخطر الذي يُهدِّد حياته، من دون أن يذكر علانية غريمه الذي يتربص به، وهل هو داخلي أم خارجي، ما يطرح السؤال اليوم بعد عودته، وهو سؤال المفروض – بحسب ما سبق – أن الإجابة عليه بالإيجاب، تكمن في عودته فعلاً، وهو هل زال هذا الخطر، وهل عاد السيد بهاء الحريري بضوء أخضر من هذا “الغريم” ولماذا؟
هذا في الشكل، أما في المضمون، فإن عودة السيد بهاء، تأتي في ظروف غاية في التعقيد داخلياً وإقليمياً، في ظل الحرب القائمة في غزة ولبنان وتداعياتها على المنطقة، ففي الداخل اللبناني هناك الفراغ الرئاسي، الذي بدأ منذ حوالي العامين، ولما يجد له المعنيون حلاً حتى اليوم، الأمر الذي أوجد إنقساماً خطيراً في البلد، وفاقم من مشاكله الكثيرة أصلاً على كل المستويات، ما ينذر بخطر كبير، وهناك الحرب في الجنوب الناجمة عن القرار الأحادي ل”حزب الله” بفتح جبهة “المساندة والمشاغلة” دعماً لغزة، التي جاءت لتصب الزيت، على نار الخلافات بين اللبنانيين، فضلاً عن أنها ظهَّرت على الساحة اللبنانية والسنية خصوصاً، دور ل “الجماعة الإسلامية” بما هي جزء لا يتجزأ من حركة “الأخوان المسلمين”، المرفوضة على نطاق واسع عربياً، خاصة في السعودية والإمارات ومصر، والتي تنتمي إليها أيضاً “حركة حماس”، بما أوحى وكأنها ذراع “حماس” العسكرية في لبنان، ما يعيد اللبنانيين بالذاكرة والمخاوف، إلى فترة السبعينيات والحرب الأهلية اللبنانية، والتحالف اللبناني – الفلسطيني بوجوه وشعارات جديدة هذه المرة، ودائماً بإسم المقاومة وفلسطين، ما دفع ببعض المراقبين، للربط ما بين هذا الأمر وعودة بهاء الحريري، بزعم محاولة إقامة نوع من التوازن على الساحة السنية – ولو أن هذا الأمر غير مقنع تماماً، نظراً لغياب القاعدة الشعبية لبهاء الحريري، إلا إذا كان لمجرد تعبئة الفراغ بشكل مؤقت، ولعب في الوقت الضائع – في ظل غياب الرئيس سعد الحريري عن الساحة.
وينطلق هؤلاء المراقبون، من فكرة أنه في لبنان لا شيئ يأتي صدفة وبأنه للأسف كل الأمور والتحركات السياسية، تُدار بضوء أخضر من الخارج، ما يطرح علامات إستفهام حول عودة بهاء الحريري، هل هي فعلاً قرار شخصي نابع من شخصية عنيدة ومثابرة، أم أنها بدفع عربي معين أو رهان خارجي إقليمي أو دولي، وهل هي مشروع “زكزكة” جديدة للواقع السني في البلد، بغرض كشف إتجاهاته وخياراته الحالية، وموقع سعد الحريري، إن كان لا يزال الغائب – الحاضر فيه، أم هي تمهيد و “تهيئة” لمشروع حل آتٍ في اليوم التالي للحرب، خاصة مع تطور لافت، تمثَّل بإلغاء قرار الجامعة العربية إعتبار “حزب الله” تنظيماً إرهابياً، وهو ما يُعد رسالة إيجابية عربية وسعودية، تحديداً بإتجاه إيران في الإقليم، و”حزب الله” في الداخل اللبناني، وفي مواجهة هذه الإحتمالات، ما هو رأي الرئيس سعد الحريري وتيار “المستقبل”، الذي لا يزال حتى اليوم كما يبدو على الأقل – وبإعتراف الجميع في الداخل – يمثِّل الرقم السني الصعب في المعادلة الوطنية؟ أسئلة كثيرة، قد نجد أو لا نجد إجابات عليها، في المدى القريب، وذلك بحسب ما ستسفر عنها المشاورات، وعليه، علينا الإنتظار ومراقبة تحرك السيد بهاء الحريري ليأخذ وقته وفرصته، ومتابعة ردود الفعل على هذا التحرك، ومدى التجاوب الشعبي أولاً، ومن ثم الأطراف الأخرى داخلياً وإقليمياً معه، كذلك ردة فعل “تيار المستقبل” والرئيس سعد الحريري – بعيداً عن ردود الفعل الإنفعالية، التي تصدر عن بعض المناصرين – وكذلك الفعاليات والشخصيات السنية الرسمية منها والسياسية والشعبية، ليُبنى على الشيء مقتضاه، ولو أن التجارب السابقة لم تكن مشجعة، بسبب عوامل بديهية، وأولها بأن البناء الجديد، يجب أن يكون أولاً، على أرض جاهزة وصلبة وصالحة للبناء عليها، وثانيها أن يبدأ من القاعدة وعلى أسس متينة، كي يعلو ويرتفع، أما محاولة “شراء ” أو البناء على أراضي الغير، فدونه عقبات وعوائق كثيرة، أهمها رضى أصحاب الأرض وساكنيها، هذا في المعادلات العادية، فما بالك بالمعادلات السياسية واللبنانية المعقدة بشكل خاص، وبالأخص عندما تدخل العوامل الشخصية والعائلية في الموضوع؟
ياسين شبلي- جنوبية