الامتحانات الرسمية: تسريب مسابقات ومراقبون يساعدون في الغش
في اليوم الثاني للامتحانات الرسمية لشهادة الثانوية العامة، استعانت وزارة التربية ببعض الموظفين الذين لديهم خبرة في إدارة الامتحانات، وتم تنظيم الوقت واختصاره، وجرت الامتحانات في موعدها من دون تأخير. وانطلقت الامتحانات عند الساعة الثامنة والنصف صباحاً في مواد التاريخ والتربية والجغرافيا (مادة اختيارية) لفروع الانسانيات علوم الحياة والعلوم العامة، ومادتين اختياريتين لفرع اقتصاد واجتماع. وكالمعتاد، جرى تسريب المواد قبل موعدها، وقبل وضعها من لجان الامتحانات، تحت حجة “التوقعات”، التي يقوم بها بعض الأساتذة على وسائل التواصل الاجتماعي.
مراقبون يساعدون في الغش
تميز اليوم الثاني من الامتحانات بانتظام العمل في الوزارة نفسها، وفي حصول تشدد في مراكز الامتحانات أكثر من يوم السبت. ففي اليوم الأول للامتحانات حصلت أمور تستدعي تحقيقات من التفتيش التربوي جراء الفوضى وعمليات الغش، وتكررت اليوم ولو بشكل أقل وطأة. ووفق مصادر “المدن” وصلت الأمور في مراكز صور حد تدخل المراقبين لإعطاء إرشادات للطلاب في كيفية النقل عن زملائهم من دون انكشاف أمرهم على كاميرات المراقبة. ففي مادة الفلسفة لعلوم الحياة طلبت المراقبة من إحدى الطالبات تلاوة المسابقة بينما تكتب كي يتسنى لباقي طلاب الغرفة الكتابة من بعدها بشكل لا يظهر أي فوضى بكاميرات المراقبة. وهذا الأمر تكرر اليوم في مادة التاريخ في قضاء صور أيضاً.
تسريب المسابقات قبل موعد وصولها إلى الطلاب حصل اليوم أيضاً، لكن ليس وسط فضيحة تربوية كما حصل يوم السبت. فقد سبق وصدر تعميم عن رئيس اللجان الفاحصة حول كيفية تنسيق توزيع المادتين الاختياريتين لفرع الاجتماع التي يختارها الطالب. لكن مادة التاريخ وزعت في مركز عند الساعة الثامنة والنصف وفي مراكز أخرى عند الساعة التاسعة والنصف. ومادة الجغرافيا التي يفترض أن توزع عند الساعة التاسعة والنصف وزعت في مراكز عند الساعة الثامنة والنصف. وبالتالي انتشرت المسابقات على وسائل التواصل قبل أن توزع على الطلاب بأكثر من ساعة.
التحقيق مع لجنة الكيمياء
بما يتعلق بالتحقيقات حول الفضيحة التي حصل يوم السبت في سوء توزيع المسابقات، بدأت وزارة التربية تحقيقاً في الموضوع. فما حصل يوم السبت كان بمثابة اختبار على الطلاب. أي عوضاً عن إجراء مناورة حيّة قبل الامتحانات لاختبار الجهوزية، بعد تغيير توصيف مواد الامتحانات، وبعد تغيير فريق عمل دائرة الامتحانات كله، كان الاختبار في اليوم الأول على الطلاب مباشرة، وحصل ما حصل. وعوضاً عن الطلب من التفتيش التربوي انجاز هذه المهمة، لا سيما أن الأمر فضيحة تربوية كبيرة، كلف مدير عام التربية موظفين في الوزارة إجراء التحقيق. وبطبيعة الحال، تستطيع الوزارة تكليف من تشاء بالتحقيق الذي تجريه، لكن هذا لا يعني أن التفتيش لن يتدخل في مهمة من صلب صلاحياته، وقد باشر الأخير تحقيقاته الخاصة.
ووفق مصادر “المدن” جرى التحقيق مع لجنة مادة الكيمياء حول ما قيل عن تأخير، وسط محاولات لتحميل مسؤولية الفوضى في القرارات التي أدت إلى الفضيحة للجنة الكيمياء. علماً أنه سبق وأكد وزير التربية في تصريح أن خطأ حصل في المادة استدعى إعادة كتابتها من جديد ما أدى إلى تأخير طباعة المسابقات. لكن وفق معلومات “المدن”، التي تمت مقارنتها مع مصادر عدة داخل لجان المواد وخارجها، لم يحصل أي تغيير لمسابقة الكيمياء، والخطأ البسيط في مسابقة الكيمياء لفرع العلوم العامة إنكليزي، كان في التعبير، ولم يجر تغييره، بل طبعت المسابقة كما هي. فهل تبحث الوزارة عن “كبش فداء” للتغطية على سوء إدارة رئيس اللجان الفاحصة ومدير دائرة الامتحانات.
التأخير حصل في وضع مسابقات كل المواد، حتى لو أن التأخير في مادة الكيمياء كان أكثر من غيرها بسبب كبر حجمها. لكن لا دخل للتأخير بما حصل في سوء إدارة الامتحانات وطباعة وتوضيب وتوزيع المسابقات على مراكز الامتحانات. ووفق المصادر، التأخير حصل في لجان المواد بسبب التوصيف الجديد وبسبب التدقيق في كل سؤال للتأكد من أن تكون الأسئلة متوافقة مع ما تعلمه طلاب الثانويات المقفلة جنوباً. وحصل تأخير آخر من عمال المكننة، الذين لم يكن عددهم كافياً. ثم حصل تأخير في ترجمة الأسئلة ولاحقاً في “تكييفها”، أي جعلها بمتناول الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة أو الصعوبات التعلمية. وهذا أمر يحصل وكان يستدعي اتخاذ قرارات فورية.
فوضى إدارية
وتضيف المصادر أن التغييرات التي حصلت في توصيف المواد كانت تستدعي تغيير طريقة العمل وزيادة عديد فريق التكييف الذي تكلفه دائرة الامتحانات، والتأخير في هذا المجال لا تتحمل مسؤوليته لجان المواد بل الوزارة. وبالفعل سلم فريق “التكييف” مسابقة الكيمياء عند الساعة الخامسة والربع صباحاً. وقد كان عدد صفحات المسابقة 12 ورقة. لكن هذا التأخير في المادة لا يعني أن الأمور في طباعة باقي المسابقات كانت تسير على ما يرام. بل كان هناك تأخير في الطباعة لا سيما بعدما كبر حجم المسابقات، التي استدعى إرفاقها يدوياً ببعضها البعض.
وتشرح المصادر أنه حصل سوء في طباعة الأوراق، التي وصلت غير كاملة أيضاً في بعض المراكز للطلاب. ونقل أساتذة لـ”المدن” شكاوى من طلابهم أن مراكز الامتحانات راحت تصور الأوراق الناقصة للطلاب. حتى أن البعض في برج البراجنة تحديداً شكا من أن المراقبين لم يراعوا هذا التأخير في التصوير، وقد أجرى الطلاب الامتحان بساعة وربع عوضاً عن ساعة ونصف.
وتضيف المصادر أن الفوضى في الإدارة سرت في كيفية تسليم المسابقات المنجزة للمنطقة التربوية المعنية. ولم يتم تنسيق كيفية توزيع المسابقات تباعاً على المناطق البعيدة ثم القريبة. وبالتالي وصلت المسابقات قبل الساعة التاسعة إلى بيروت وصيدا (وبدأ الطلاب الامتحان الساعة التاسعة) فيما وصلت المسابقات إلى البقاع عن الساعة العاشرة والنصف. وفي الأثناء كانت المسابقات توزع على وسائل التواصل الاجتماعي مع الحلول الخاصة بها.
السؤال الذي يطرح هو: من يتحمل المسؤولية؟ والجواب عليه يكون بتحقيق شفاف يضع النقاط على الحروف. فحيال التأخير في الطباعة (بسبب تأخير في إنجاز المسابقات أو من دونه) كان يفترض برئيس اللجان الفاحصة اتخاذ قرار فوري بتأخير الامتحانات في كل لبنان حتى وصول كل المسابقات إلى جميع المراكز. وهذا لم يحصل. ولو أتخذ هذا القرار الطارئ لكان تجنب لبنان تلك الفضيحة.
وليد حسين المدن