البضائع السوريّة “المهرّبة” تغزو الأسواق اللبنانيّة: سلع “داخلة” وسلع “طالعة”!
أصبح التلاعب بالأسعار وجنونها قضية يومية تهيمن على حياة المواطنين، في ظل الأزمات الاقتصادية المتتالية، والتحولات الجذرية التي تشهدها الأسواق بين ليلة وضحاها، مما يجعل من الصعب على العائلات اللبنانية تخطيط ميزانياتها وتلبية احتياجاتها الأساسية.
ومع تصاعد معدلات التضخم، أصبحت لائحة طويلة من السلع اليومية الالزامية مكلفة والاسعار خيالية، وفي اغلبية الأوقات هستيرية.
الوضع يحتدم!
الى جانب ذلك، تعيش الكثير من الاسر اللبنانية احوالا صعبة تتمثل في الفقر والحاجة المتزايدة، وهذا التفاقم ناتج من عدة عوامل، مثل ارتفاع أسعار المواد الاولية واهتزاز الوضع الأمني في مناطق الشريط الحدودي. وتتنامى أوجه الحرمان بشكل متسارع، ويجد الكثيرون عوائق جمّة في تأمين اغراضهم الأساسية كالطعام والطبابة، لا سيما بعد ان أضحت “كشفية” الطبيب حوالى 150 دولارا. ويرتبط جزء كبير من هذه المشقة بتعاظم أسعار المواد الأساسية، التي أصبحت غير متاحة للعديد من الأسر بسبب تدهور القدرة الشرائية لديهم.
اشتداد معاناة أهالي الجنوب!
وفي الوقت عينه، قهقرت الحرب الدائرة في المناطق الحدودية الظروف المعيشية، مما ادى إلى تشريد عشرات آلاف الاسر الجنوبية وتدمير البنى التحتية، وهناك احياء سُويَت بالأرض، هذا ويتعرض السكان في هذه البلدات لخطر الجوع، مما يزيد من ضيقهم بشكل كبير
وفي هذا الإطار، كشف أحد المخاتير في بلدة الجبين لـ “الديار” عن “ان الوضع يتدحرج نحو الأسوأ في المناطق المستهدفة من قبل اسرائيل، ويعاني الاهل من نقص شديد في السلع الحيوية، وصعوبة في تأمين ابسط مقومات الحياة، في ظل فقدان فرص العمل وارتفاع معدلات البطالة، ويتعذر على شريحة واسعة توفير مصدر دخل ثابت لتلبية الاحتياجات الأساسية”. واشار الى “ان محاصيل المواطنين الزراعية احرقتها قذائف الاحتلال الفوسفورية، ناهيكم بتلاشي قيمة الرواتب التي صارت غير كافية لشراء الامور الضرورية”.
استغلال وضرائب
على المقلب الاخر، تستغل حكومة تصريف الاعمال مواطنيها الأصليين، عبر اللجوء الى فرض مزيدا من الرسوم عليهم دون تقديم خدمات أساسية جيدة، وهذا يجعل الحياة أكثر شدة على المدقعين، الذين يضطرون الى تحمل أعباء مالية إضافية تجعل من العسر عليهم تحقيق العيش الكريم.
وفي شأن متصل، قامت “الديار” بجولة على العديد من المتاجر و “السوبرماركات” في لبنان، وتبين ان أسعار المواد الغذائية الأساسية التالية تبدلت في الأسبوع الواحد لأكثر من مرّة: كيلو حليب البودرة ارتفع من 1,350,000 الى 1,600,000 ل.ل. عبوة زيت صغيرة ارتفع سعرها من 270,000 الى 320,000 ل.ل. اما سعر كرتونة البيض فقد ارتفع من 300000 الى 320000 ل.ل. كيس حبوب 400 غرام (عدس وحمص) ارتفع من 120000 الى 230000 ل.ل. اما اللحوم فقد أصبح كيلو اللحم الأحمر بـ 1,091,000 بزيادة تصل الى 30000 ل.ل. وكيلو الفروج 392000 بزيادة حوالى 15000 ل.ل.
انين وشكوى!
وفي هذا السياق، تحدث العديد من المستهلكين عن تجربتهم مع تفاوت الأسعار بشكل يومي، وقال وليد وهو رب أسرة لـ “الديار”: “في كل مرة أذهب فيها للتسوق، ألاحظ ارتفاعا في أسعار السلع الأساسية، حتى بات من الصعب جدا مواكبة هذه التبدلات المفاجئة، وأحيانا أشعر بأنني بحاجة إلى ميزانية جديدة للتبضّع من السوبرماركت”.
من جهتها، اعتبرت ليلى، وهي أم لثلاثة أطفال، “ان التسوق من أجل الطعام أصبح مهمة مرهقة، اذ يجب عليّ مراجعة الحسابات بعناية واختيار أقل الأسعار الممكنة، وأضطر في كثير من الأحيان إلى التخلي عن بعض المواد التي كانت ضرورية لأطفالي، فقط لأن ثمنها أصبح لا يُطاق”.
“بطلت موفّية بالدولار”
في موازاة ذلك، لا بد من الإشارة الى ان القرار الوزاري الحازم بدولرة الأسعار لم يكن صائبا، لان التجار وجدوا طرقا للالتفاف حوله بتحويل الأسعار مجددا إلى الليرة اللبنانية، وفق أسعار صرف غير رسمية أو ثابتة، بحيث ان هذا الخداع أدى إلى استمرار معاناة المواطنين الذين يجدون أنفسهم أمام فواتير مرتفعة تتغير بشكل غير متوقع من يوم الى اخر.
سلع “داخلة” وسلع “طالعة”
وفي هذا المجال، قال شربل وهو تاجر وصاحب محل (one dollar) لـ “الديار” ان “هناك العديد من السلع التي تدخل إلى لبنان، دون أن تخضع لأي نوع من الرقابة من قبل وزارة الصناعة أو التجارة أو الاقتصاد؛ وتتضمن بعض المنتجات الغذائية والأدوات المنزلية والعناية الشخصية، التي تصل عبر قنوات غير رسمية أو عن طريق تجار لا يلتزمون بالإجراءات القانونية اللازمة”. واكد “ان هذا الوضع يساهم في زيادة الفوضى في السوق، ويسمح بمزيد من الاستغلال، حيث يمكن لهؤلاء فرض أي أسعار يرونها مناسبة دون خوف من الملاحقة او التغريم”.
وكشف عن “ان محلات البيع بالدولار الواحد تغزوها السلع المهربة من سوريا، بعد ان اصبحت تعتمد بشكل كبير على التهريب لتمويل اقتصادها، مما أدى إلى تدفق منتجاتها إلى لبنان بأسعار منخفضة نسبيا، وهذا يؤثر بشكل سلبي في الاقتصاد اللبناني من عدة نواحٍ:
– أولاً: زيادة الغش في السوق اللبناني بسبب وصول سلع هجينة المكونات والتركيبات والمواد الاولية، وتزاحم تلك المحلية والمستوردة بشكل قانوني، مما يؤدي إلى عدم استقرار الأسعار.
– ثانيا: مع ارتفاع عدد اللاجئين السوريين في لبنان، يتحمل الاقتصاد اللبناني ضغوطا متعددة الابعاد، حيث تزداد الحاجة إلى الموارد والخدمات، مما يضع عبئا إضافيا على البنية التحتية اللبنانية والأسواق الداخلية بشكل عام”.
الجهات المسؤولة غائبة!
وأشار الى “ان من واجب وزارة الاقتصاد والتجارة والجمارك اللبنانية مراقبة دخول السلع المهربة أو الصناعات الأجنبية التي تدخل إلى لبنان، لكن ضعف الرقابة وغياب التنسيق الفعّال بين هذه الجهات يؤديان إلى تفشي ظاهرة التهريب بوتيرة هي الأسرع منذ أكثر من 3 سنوات”.
ندى عبد الرزاق – الديار