تململ فاتيكاني مستمرّ من أداء البطريرك: لا مبادرة فاتيكانيّة وتكتّمٌ على “معطّلي” الرّئاسة!
وفق معلومات “أساس” كانت دوائر الفاتيكان، قبل وصول الكاردينال بارولين إلى لبنان الواقف على حافة الحرب، قد استطلعت المناخات العسكرية والأمنيّة لزيارة تمرّ حتماً بمطار بيروت ومنطقة الضاحية بوصفها من ضمن بنك أهداف العدوّ الإسرائيلي في حال ازدياد وتيرة التصعيد العسكري.
اطمأنّت الفاتيكان للمعطى الأمنيّ للزيارة، لكنّ قلقها كبير جداً على لبنان ككلّ وعلى مسيحيّيه، ويفترض أن يعود بارولين إلى حاضرة الفاتيكان بغلّة من المعطيات استقاها من زوّاره ولقاءاته كفيلة بإنضاج دور محتمل أكبر للفاتيكان في المرحلة المقبلة في حال بقاء الأزمة على ما هي عليه، خصوصاً لجهة عدم انتخاب رئيس للجمهورية بعد انتهاء حرب غزة.
ساعات قليلة فَصَلت بين وصول الرجل الثاني في حاضرة الفاتيكان إلى مطار بيروت يوم الأحد وتصدّر مطار رفيق الحريري الدولي واجهة الأحداث بوصفه “مخزناً” لأسلحة الحزب.
لم تتعاطَ عواصم الدول المعنيّة بأزمة لبنان بجدّية مع تقرير “تلغراف”، بما في ذلك بريطانيا نفسها، وقامت الحكومة بالتنسيق مع الحزب بما عليها لدحض “أكاذيب” الصحيفة البريطانية من خلال جولة في مخازن وأقسام المطار ذكّرت بجولة عام 2018 التي قام بها وزير الخارجية آنذاك جبران باسيل للسفراء الأجانب في لبنان وقادته إلى نادي الغولف وملعب العهد الرياضي بالقرب من مطار بيروت بعدما ادّعت إسرائيل وجود قاعدة للصواريخ والأسلحة فيه تابعة للحزب.
فكرة الراعي
اقتحم هذا المشهد زيارة بارولين الرعوية وأُضيف كمادّة دسمة إلى مشاهدات الزائر الفاتيكاني. لكنّ الحدث انتقل إلى بكركي والمقاطعة الشيعية ليس لبارولين بل للّقاء الذي أعدّه الراعي لرؤساء الطوائف المسيحية والإسلامية ولرؤساء وممثّلي كتل نيابية مسيحية.
تجزم أوساط موثوقة لـ “أساس” أنّ “هذا اللقاء من بنات أفكار الراعي ولم تطلبه الفاتيكان، إذ كان يفضّل الكاردينال بارولين إبقاء كلّ اجتماعاته بعيدة من الضوضاء”. لذلك بقي اللقاء على مستوى نقاش عام وغداء على شرف موفد البابا تخلّله إلقاء كلمتين لكلّ من بارولين والراعي، ولم يتحوّل إلى قمّة روحية أو سياسية لم تكن أصلاً ضمن جدول محطّات الكاردينال بارولين.
“زوبعة” ومقاطعة
سبقت لقاء بكركي عظة للبطريرك يوم الأحد وُصفت بالنارية وطُرحت تساؤلات فعليّة عن توقيتها وإذا كانت مقصودة من جانب الراعي بالتزامن مع وصول بارولين حين اعتبر أنّ “معنى وجود رئيس للجمهوريّة أنّه رئيس يفاوض بملء الصلاحيّات الدستوريّة، ويطالب مجلس الأمن بتطبيق قراراته، لا سيّما القرار 1559 المختصّ بنزع السلاح، والقرار 1680 الخاصّ بترسيم الحدود مع سوريا، والقرار 1701، وهو الرئيس الذي يُعنى بألّا يعود لبنان منطلقاً لأعمال إرهابيّة تزعزع أمن المنطقة واستقرارها”، داعياً إلى دخول لبنان “نظام الحياد”.
فُسّر هذا الكلام تلقائياً في أوساط الثنائي الشيعي وحلفائه بأنّه رسالة عدائية من الصرح البطريركي للمقاومة، واستدعى مقاطعة من رئيس المجلس الشيعي الأعلى علي الخطيب لمأدبة الغداء على شرف الزائر الفاتيكاني.
كما وجّه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان نداءً لأمين سرّ الفاتيكان بأنّ “المطوّب بالحقّ لا يدعو لموقف ينتفع منه الجلّاد ويقوم به المجرم القاتل، ولا يرفع شعار الحياد فوق ركام مخيف من المذابح الصهيونية”. وأكّد “رفضنا توظيف الكنيسة بمواقف تخدم الإرهاب الصهيوني والإجرام العالمي”. وقال لبارولين: “نريد رئيساً مسيحياً للمسلمين بمقدار تضحيات المقاومة في سبيل الكنائس”.
لا مبادرة رسميّة
يوم غد الخميس هو الأخير في روزنامة زيارة “رئيس حكومة” الفاتيكان، وهو التوصيف الأقرب لموقع بارولين في هرمية مؤسّسات الفاتيكان. وسيلتقي اليوم كلّاً من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي. الجدير ذكره أنّ زيارة بارولين سبقها لقاء بين الموفد الفرنسي جان إيف لودريان والبابا فرنسيس في 7 حزيران الجاري قبيل زيارته الأخيرة للبنان.
وفق معلومات “أساس” كان يفترض أن تتمّ هذه الزيارة العام الماضي، لكنّ دوائر الكرسي الرسولي خاضت نقاشاً في شأنها إلى أن رسا القرار بعدم القيام بها في ظلّ عدم وجود رئيس للجمهورية كي لا تفسّر الزيارة في غير محلّها، ثمّ اتّخذ القرار بتتويج الزيارة بطابع رعويّ هذا العام من خلال تلبية دعوة جمعية “فرسان مالطا” والمشاركة في إحياء قدّاسها السنوي وزيارة مراكزها في المناطق والاطّلاع على مشاريعها وبرامجها في كلّ المجالات.
عدم رضى فاتيكانيّ على الرّاعي
هي الزيارة الثانية لبارولين بعد زيارته الأولى للبنان في أيلول 2020 بعد شهر واحد تماماً من انفجار مرفأ بيروت موفداً من البابا فرنسيس. وطابعها الاجتماعي لا يحجب إطلاقاً “نَفَسَها” السياسي الطاغي في الشكل والمضمون، ويمكن، بناءً على معطيات موثوقة، التوقّف عند النقاط الآتية:
– يؤكّد مصدر دبلوماسي من روما لـ “أساس” أنّ “الزائر الفاتيكاني لم يحمل مبادرة رسمية أو مشروع حلّ للأزمة، بل أتى للاستماع إلى المسؤولين اللبنانيين أوّلاً، وحمل رسائل فاتيكانية لجهة تأكيد ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية عبر التوافق ومحاولة الضغط لمنع توسّع رقعة التصعيد جنوب لبنان مع إعطاء أهمية خاصّة لمعالجة الوضع الاجتماعي والاقتصادي والتشديد على حماية التعدّدية والحرّيات. لكن مع ذلك الفاتيكان حاضرة بقوّة وبعض المحطات السياسية تشهد على قدرة تأثيرها على الساحة اللبنانية، وهذا الدور مرجّح أن يتبلور أكثر بعد نهاية الزيارة”.
– تفيد معلومات أن لا جدّية إطلاقاً للتسريبات عن مسعى فاتيكاني لجمع النائب جبران باسيل ورئيس حزب القوات سمير جعجع. مع العلم أنّ بارولين أجرى لقاءات منفردة مع قوى سياسية مسيحية بعيداً من الإعلام، فيما تؤكّد المعلومات حتمية حصول لقاء بينه وبين مسؤولي الحزب، حيث يحرص الأخير على إبقاء القنوات مفتوحة مع ممثّلي الفاتيكان. كان لافتاً في هذا السياق قيام النائب بيار بو عاصي بتمثيل جعجع في لقاء بكركي، والنائب نديم الجميل ممثلاً رئيس حزب الكتائب سامي الجميل، فيما حضر كلّ من جبران باسيل وسليمان فرنجية.
– الفاتيكان التي تعتمد مبدأ السياسة الصامتة والفاعلة وتجنّب الاحتفاليات والتقاط الصور كانت تفضّل لقاءً مقتضباً في بكركي بعيداً من الإعلام على مستوى رؤساء الكنائس والقيادات الروحية المسيحية فقط. وربّما زبدة ما قاله بارولين ترجم في كلامه في المطار عند وصوله حين لمّح إلى “معرفتنا من يعرقل الانتخابات الرئاسية لكنّني لن أقول من”.
– تأتي الزيارة وسط عدم رضى أو تململ فاتيكاني مستمرّ من أداء البطريرك بشارة الراعي. هي حقيقة ثابتة مرتبطة بمسار طويل لممارسات الراعي، لكنّ آليّة عمل الكرسي الرسولي لا تسمح بانفلاش هذه القضية بل تبقى أسيرة الأبواب المغلقة. يقول مصدر دبلوماسي لـ “أساس”: “حتى في ظلّ التسليم بوجود عدم رضى فاتيكاني على البطريرك الراعي لأسباب مرتبطة أوّلاً بمهامّه الكنسية ثمّ بالدور السياسي، لكنّ هذا الأمر له آليّاته ضمن سيستم تستغرق مراحله وقتاً طويلاً ولا يُعالَج بزيارات من هذا النوع بل بسرّيّة تامّة”.
– يؤكد المصدر نفسه أنّ “الفاتيكان يتابع باهتمام كبير ملفّات لبنان بشكل جدّي وعن قرب، ودوائره تولي الأزمة الاقتصادية والاجتماعية أهميّة قصوى بالمستوى نفسه للأزمة السياسية والرئاسية. لكنّ كلّ ذلك يحصل بعيداً عن المؤتمرات الصحافية واللقاءات الحاشدة”. وقد نقل بارولين خلال لقاء بكركي “متابعة البابا فرنسيس باهتمام للتوتّر الحاصل في لبنان وإصراره على بقاء لبنان نموذجاً للعيش المشترك”.
ملاك عقيل- اساس