اسرائيل” الضعيفة”: اي حرب مع حزب الله ستفضح محدودية قدرة الجيش “الإسرائيلي”؟!
إذا تورّطت “إسرائيل” في الحرب سيكون السؤال في الغرب حول ” ثمن حماية “إسرائيل” الضعيفة”؟!
لم تكن الاولوية في زيارة المبعوث الاميركي عاموس هوكشتاين الى بيروت، البحث في ابرام اتفاق يوقف المواجهة على الحدود الجنوبية، هو بات مقتنعا وكل الفريق المحيط بالرئيس الاميركي جو بايدن ان لا وقف لحرب المساندة من قبل حزب الله، الا بالوصول الى صفقة في قطاع غزة. ولهذا يمكن اختصار اسباب زيارته بمعادلة انقاذ “اسرائيل” من نفسها، من خلال مطالبته الجانب اللبناني اقناع حزب الله بخفض وتيرة التصعيد ، الى حد لا تخرج فيه الامور عن السيطرة، وتندلع حرب شاملة تتورط فيها بلاده، وتدفع فيها “اسرائيل” اثمانا باهظة، تكتيكيا واستراتيجيا هذه المرة.
وربما ما عبر عنه الصحافي الاميركي – الصهيوني توماس فريدمان في صحيفة “نيويورك تايمز”، يختصر الاجواء المحيطة بزيارة هوكشتاين، عندما اكد في مقال نشره تزامنا مع جولة المبعوث الاميركي في المنطقة “ان إسرائيل تعيش خطراً وجودياً”، مشدداً على “ضرورة انسحابها من قطاع غزة، وأن يقنع الرئيس الأميركي “إسرائيل” بقبول شروط حماس لوقف الحرب”، لان “اسرائيل” برأيه “لا تمتلك رداً عسكرياً أو ديبلوماسياً لكسب الحرب على الجبهتين، خصوصا الحرب مع حزب الله التي يمكن ان تنجرّ واشنطن اليها في حال حصولها”.
لكن هوكشتاين جاء الى العنوان الخاطىء، بحسب مصادر مقربة من حزب الله، لان المقاومة غير معنية بانقاذ “اسرائيل” من نفسها، بل تعيش مزهوة وهي تراها تغرق في اتون ازمات لا متناهية، بسبب الحسابات الخاطئة لقادتها الذين اعتادوا التفكير بنرجسية وتكبر وتضخم “الانا”، التي تفترض انهم قادرون على سحق من يقف امامهم، ولهذا لم يتبلغ هوكشتاين ما يمكن صرفه في هذا الاتجاه، لا مساومة على دعم غزة، ولا ضمانات “لليوم التالي” قبل وقف اطلاق النار في القطاع، ولا تقييد لرد فعل المقاومة في المعركة الدائرة راهنا، وفقا لقواعد الاشتباك التي فرضتها المصلحة الوطنية اللبنانية، وحاجة المقاومة الفلسطينية للدعم. علما ان ارتفاع نسق التصعيد مؤخرا تتحمل مسؤوليته “اسرائيل”، التي تتعمد توسيع رقعة الاستهداف، وتصر على ضرب بيئة المقاومة المدنية، وتنفيذ عمليات اغتيال بعيدا عن جبهة القتال، ما استدعى ردود فعل مناسبة، وسيستدعي ايضا ردودا جديدة اذا ما تكرر الامر.
فاذا كانت “اسرائيل” تكره نفسها، فليس من مهمة حزب الله ان يعيد لها الثقة بذاتها، اما اذا كانت مجنونة فمهمته حتما عقلنتها، وهذا فرق كبير في المعادلة التي ابلغ بها هوكشتاين في بيروت. بمعنى آخر، المقاومة ستقوم بكل ما لديها من وسائل ردعية لمنع توسيع الحرب، لكنها لن تقدم اي تنازلات جوهرية لتهدئة اعصاب قادة العدو، بحجة انهم فقدوا اعصابهم ومن المناسب ان تهدىء الامور، كما المح هوكشتاين في حديثه مع المسؤولين اللبنانيين. ولهذا جاء الجواب واضحا: “عقلوا انتم نتانياهو بوسائل الضغط التي تملكونها، اذا كنتم جادين بمنع توسعة الحرب، ونحن سنثبت له ميدانيا ان “جنونه” سيكون مكلفا جدا جدا جدا”.
ووفقا لتلك المصادر، “اسرائيل” قد تخدع الاميركيين في تقديم خطط قتالية محدودة ضد لبنان، وتدعي لاحقا ان الامور خرجت عن السيطرة، كما فعل ارييل شارون عام 1982، لكن لا يمكن اتخاذ قرار بحرب على لبنان دون موافقة اميركية مسبقة، ولهذا لا يمكن للمبعوث الاميركي ان يضع المسؤولين اللبنانيين تحت ضغط احتمال عدم قدرة ادارته على لجم التصعيد “الاسرائيلي”، وقد ابلغ صراحة من قبل حزب الله عبر الوسطاء، بان اي مغامرة “اسرائيلية” اميركا شريكة فيها، ولا ينطلي على احد وجود عجز اميركي في السيطرة على نتانياهو، الذي لا يستطيع ان يتورط بمواجهة على الحدود اللبنانية دون “الضوء الاخضر” الاميركي، خصوصا ان غرقه في مستنقع غزة ادخله في ازمة داخلية مفتوحة على كافة الاحتمالات، ولا يستطيع ان يتحمل مسؤولية نكسة استراتيجية جديدة تطال واشنطن قبل “اسرائيل”. ولهذا فان “التدليس” الاميركي لن يمر بيروت.
ولهذا كله خرجت مسيّرة “الهدهد” في توقيت مثالي”، ليس لتظهر فقط قدرة المقاومة على جمع المعلومات والعودة الى قاعدة الانطلاق بسلام، والتصوير فوق كريات شمونة ونهاريا ومدينة حيفا وساحلها،هذا الجزء التقني مهم للغاية، لانه افقد جيش العدو اسبقية التفوق الجوي، وافشل كل منظومات دفاعه الجوي، لكن الاهم يبقى ان المقاومة اثبتت بالفعل وليس فقط بالاقوال، انها تملك زمام المبادرة، ولم تقصف تلك الاهداف فقط لانها لا تريد ذلك، وليس لانها غير قادرة، وهذا بحد ذاته اهانة لمفهوم الردع “الاسرائيلي” الذي انتهى الى غير رجعة.
لهذه الاسباب وغيرها تعتقد قيادة المقاومة ان “اسرائيل” غير قادرة على شن حرب، وليس الامر انها لا تريد، ولعل افضل تعبير عن هذا الواقع ما ورد بالامس في صحيفة “التايمز” البريطانية، التي اكدت ان اي حرب مع حزب الله ستفضح محدودية قدرة الجيش “الإسرائيلي” الذي أجهدته الحرب في غزة، وستترك أثرها على الاقتصاد “الاسرائيلي” وتحالفات “اسرائيل” الدولية. وقالت انه سيتم طرح ثلاثة أسئلة جيوسياسية في الأشهر الثلاثة المقبلة، لو أعقب حرب غزة اجتياح لبنان، فـ “إسرائيل” ستظل وسط حرب للأبد، تعمل على عسكرة المجتمع “الإسرائيلي” وتقطع علاقاتها مع الحلفاء المحتملين في العالم العربي. كما أن الحرب ستؤدي إلى توتير العلاقات مع الإدارة الأميركية الحالية أو المقبلة، وكلاهما ليس لديه استراتيجية واضحة للتعامل مع طهران.
الامر الثاني، تضيف الصحيفة، ان ما ستكشف عنه الحرب مع حزب الله ان الجيش “الإسرائيلي” الذي كان قوة مهمة في الشرق الأوسط، أصبح الآن قوة مستهلكة. وأخيرا، فالسؤال هو عن الكيفية التي سيتأثر فيها الاقتصاد “الإسرائيلي” وقدرته على الانتعاش وسط حروب بلا نهاية..وهذا ما سيطرح في الغرب السؤال الكبير حول ” ثمن حماية “اسرائيل” الضعيفة”؟!
في الخلاصة، من الواضح ان حزب الله ومنذ أسابيع يخوض معركة ردع تهدف للجم “إسرائيل” عن الذهاب الى حرب مفتوحة وعدوان شامل على لبنان. ويستخدم الحزب لهذا الهدف أوراقه الرابحة تباعا، كشف الحزب بعض ما لديه من تقنيات صاروخية، وقبل أيام كشف على نحو جزئي امتلاكه منظومة للدفاع الجوي، وقبل يومين كشف عن “الهدهد”، وكله غيض من فيض مفاجآت لمنع الحرب الكبرى وليس لجر المنطقة اليها، لكنه اظهر جهوزيته للمواجهة اذا فرضت عليه، ويبقى على واشنطن القلقة على مصير “اسرائيل” الوجودي ان تدلها الى طريق الصواب…والا؟!
ابراهيم ناصر الدين- الديار