النزوح سيطول حتى ولو توقفت الحرب: العودة ليست قريبة
وصلت في الساعات القليلة الماضية رسائل على هواتف نازحي الجنوب، صادرة عن بلدياتهم، تُبلغهم بأن زيارة القبور صباح عيد الأضحى تأمنت، فبلدية طيرحرفا على سبيل المثال أرسلت رسالة تقول: “نودّ إعلامكم -على غرار المرّة السابقة- أنه وبعد التنسيق مع الأجهزة الأمنية المختصة، تمت بلورة صيغة مبدئية تسمح لنا بزيارة أضرحة أمواتنا وأرحامنا في جبانة البلدة، يوم الإثنين لقراءة سورة الفاتحة، على أن يتم التجمع في تمام الساعة الثامنة صباحاً عند مفترق رأس العين ثم الانطلاق في تمام الساعة الثامنة والنصف، على أن تكون العودة عند الساعة العاشرة صباحاً كحدٍ أقصى. ونذكّر مجدداً بضرورة التزام الجدول الزمني المتفق عليه، والامتناع عن زيارة البيوت أو تفقدها، كما والعزوف عن التقاط الصّور عبر الأجهزة الذكية أو لمس أيّة أجسام غريبة، يقيناً منّا بطبيعة العدوّ الذي يمتهن الغدر ويحترف الاجرام”.
إذاً، يزور نازحو القرى الجنوبية قراهم اليوم الاثنين لقراءة الفاتحة، مع الامتناع عن زيارة المنازل. علماً أنه حسب معلومات “المدن”، فإن عدداً من النازحين كان يستغل مؤخراً مناسبات التشييع في القرى الأمامية، لنقل ما بقي من أغراض داخل منازلهم، لعلمهم بأن العودة لن تكون قريبة.
نازحون اختاروا الاستقرار في أماكن نزوحهم
ذكّرت مرحلة النزوح هذه الجنوبيين بمرحلة ما قبل التحرير في العام 2000، فهم غادروا منازلهم منذ تشرين الأول الماضي، ولا يشعرون بقرب عودتهم، خصوصاً من خسر منزله جراء القصف الاسرائيلي المتعمد على المنازل. لذلك قرر بعضهم، والعدد ليس قليلاً، الاستقرار في أماكن نزوحهم، في الجنوب بشكل عام، ونقل أعمالهم إلى هذه الأماكن.
منذ فترة، قرر أبو حسن، وهو أحد نازحي المنطقة الأمامية، استئجار محلات تجارية في منطقة حاروف لإنشاء منشرة ومباشرة العمل. ويقول في حديث لـ”المدن”: “خسرت منزلي وجزءاً من عملي، ولكنني تمكنت منذ بداية الحرب من نقل بعض المعدات من منشرتي في قريتي إلى مكان نزوحي، واليوم قررت إعادة افتتاح المنشرة، لأن النزوح سيطول حتى ولو توقفت الحرب”. مشيراً إلى أن فكرة عودته إلى قريته ستبقى قائمة بشكل دائم. ولكن بعد توفر الظروف المناسبة التي تتضمن وقف الحرب، إعادة الاعمار وعودة الحياة الاقتصادية إلى القرى الأمامية.
في بلدة رب ثلاثين كانت عائلة صغيرة مكونة من شقيقتين تعتاش على الزراعة، فكان لديها خيمة زراعية كبيرة قرب المنزل تزرع فيها الخضروات وتبيعها لتأمين معيشتها، ولكنها بعد ترك البلد منذ حوالى خمسة أشهر وجدت نفسها تعتاش على المساعدات. تقول الحاجة مريم أنها انتقلت مع اشتداد الحرب في البلدة إلى بيروت. لكنها لم تتحمل الحياة التي لم تعتد عليها يوماً، فقررت منذ فترة البحث عن بيت للإيجار في الجنوب، بجانبه أرض زراعية تستطيع استثمارها، فوجدت ضالتها في كفررمان، وهي اليوم تستقر في منزلها. وبدأت مشروعها الزراعي الصغير الذي يؤمن لها الاستمرار.
وقف الحرب قد لا يعني العودة مباشرة
كثيرة هي التجارب التي تُحاكي بدء النازحين حياة جديدة في أماكن نزوحهم. فهم يدركون أن وقف الحرب لا يكفي لتحقيق العودة فوراً لقسم منهم. فللعودة شروط لا بد لها أن تتوافر، وإعادة الإعمار قد تستغرق وقتاً. وبالتالي، هم بحاجة إلى العمل. وهذا ما بدأوا مؤخراً بالبحث عنه في مناطق نزوحهم، رغم أن “حلم” العودة سيظل يراودهم، تحديداً أولئك الذين كانوا يعيشون في قراهم الأمامية لا يقصدونها خلال العطل فقط.
بالمقابل، يُدرك حزب الله أهمية تأمين الظروف الاقتصادية للعودة مستقبلاً. لذلك تكشف مصادر متابعة عبر “المدن”، أن الحزب يضع في حسبانه هذه المسألة وسيكون له تدخل أساسي فيها بعد انتهاء الحرب. لأنه كما بعد حرب تموز عام 2006 يعلم أهمية “العودة السريعة” وتأثيرها في إفشال أهداف الحرب. لذلك هو يعمل على التحضير لتلك المرحلة، خصوصاً للسكان الدائمين في القرى الأمامية، فهو سيعمل على تأمين ظروف العودة من كل النواحي، إن طالت مدة الحرب أو قصُرت.
محمد علوش- المدن