سياحة الأضحى والصيف: المغتربون يُنشِّطون المطاعم…وحَذَرٌ وتفاؤلٌ في الجنوب!
لا مفرَّ من إعادة ترتيب المشهد السياحي رغم الأوضاع الأمنية والاقتصادية الصعبة. وتطغى الصورة الإيجابية على المشهد في الوقت الراهن، في ظل حركة المغتربين الذين يفضّلون قضاء عطلة الأعياد والصيف في لبنان، الأمر الذي شجّعَ المؤسسات السياحية وأعطاها دفعاً معنوياً كبيراً. وتمثّلَت الصورة الإيجابية بارتفاع نسبة الحجوزات وصولاً إلى 95 بالمئة وبافتتاح مطاعم جديدة تأمل أن يقدِّم لها فصل الصيف عائدات مالية مناسبة تتوزَّع بين أرباح أصحاب المؤسسات ورواتب الموظّفين، بعد سداد الأكلاف التشغيلة.
على أن هذا التفاؤل يُكمِل سيره جنوباً في ظل الحرب المستمرّة. لكن الإيجابية تتناقص تبعاً لنوع المؤسسات السياحية وحجمها وأسعارها. لكن في المجمَل، هناك إصرار من قِبَل أصحاب المؤسسات على استمرار العمل.
انطلاقة عيد الأضحى
تستقبل المؤسسات السياحية أوّل أيام عيد الأضحى، اليوم الأحد، بجوٍّ إيجابي يعكسه وصول المغتربين، مع تفاؤل بمواصلة قدومهم بعد انتهاء العام الدراسي بشكل كامل في دول الخليج وإفريقيا. وإذا كان رئيس نقابة أصحاب مكاتب السفر والسياحة جان عبود، قد أكّد يوم الأربعاء الماضي أن “شركات الطيران أضافت رحلات جديدة إلى خطوطها، وهناك طلب على السفر إلى لبنان، يفوق العرض”، فإن المطاعم والمقاهي تستعدّ لتقديم خدماتها للمغتربين الوافدين. وبحسب نائب رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري خالد نزهة، فإنه “منذ بداية العام الجاري حتى الآن، تم تسجيل افتتاح 50 مؤسسة سياحية جديدة، مع أن القطاع بدأ بالتعافي وجذب المستثمرين منذ العام الماضي، نظراً إلى استقرار سعر صرف الليرة وعدم حلّ أزمة المصارف، وبالتالي يفضّل المستثمرون تشغيل أموالهم بدل تجميدها في المصارف”.
ويشير نزهة في حديث لـ”المدن”، إلى أنه في موسم عيد الأضحى وفصل الصيف “ننتظر من المغتربين اللبنانيين أن يحرّكوا نشاط القطاع السياحي، سيّما في المطاعم والمقاهي، والشاليهات وبيوت الضيافة”.
اللهجة الإيجابية التي يتحدّث بها نزهة، تستند إلى أن القطاع تمكَّنَ أيضاً منذ العام الماضي من “استرجاع نحو 10 آلاف لبناني هاجروا لبنان، بعد أن عملوا في القطاع سابقاً في مختلف المجالات، في المطابخ والخدمات والصيانة والموسيقى وغيرها. واستمرّ النشاط في القطاع وصولاً إلى تصدير منتجات تتعلّق بالمطبخ اللبناني والمطابخ العالمية”.
5 علامات تجارية
ولمزيد من الإيجابية، يكشف نزهة عن “وصول 5 علامات تجارية في القطاع السياحي، ترتِّب أوضاعها حالياً قبل افتتاح فروعها. ووقّعَ المسؤولون في تلك المؤسسات عقودهم وأوراقهم القانونية ويجهّزون للافتتاح”. ويفضِّل نزهة عدم الكشف عن هوية تلك المؤسسات لحين افتتاحها والإعلان الرسمي عنها.
مع ذلك، هناك بعض العقبات الجوهرية أمام تطوير عمل القطاع السياحي، منها المواصلات والكهرباء والمياه. فالسيّاح والمغتربون لا يتنقّلون بسهولة بين المناطق. كما أن الكلفة التشغيلية للمؤسسات مرتفعة، والمياه والكهرباء لا تتوفّر بسهولة. حتّى أن المؤسسات تعمد لتشغيل أكثر من مولِّد للكهرباء”. كما أن “الحرب في الجنوب تعطي انطباعاً سلبياً للسيّاح العرب والأجانب، لتقتصر الحركة على المغتربين اللبنانيين”.
ويؤكّد نزهة أن المطاعم والمقاهي “على جهوزية تامة لاستقبال المغتربين والسياح، بالتزام تام لجهة التحضيرات وسلامة الغذاء. وفي حال توقّفَت الحرب قريباً، فسيكون موسم الصيف واعداً”.
وبشكل عام، يأسف نزهة لما وصل إليه القطاع بعد ازدهار كبير لعقود. فيشير إلى أن “القطاع كان يضمّ 8500 مؤسسة تعمل بشكل دائم، ونحو 4500 مؤسسة تعمل موسمياً. ولدى القطاع نحو 160 ألف عامل لبناني مسجَّلاً في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي”.
حَذَرٌ وتفاؤلٌ في الجنوب
الصورة الإيجابية التي يستقبل فيها نزهة عيد الأضحى وفصل الصيف، تحكي واقع المؤسسات في أغلب المناطق اللبنانية، لكنها لا تنسجم بشكل تام مع واقع المؤسسات السياحية في منطقة الجنوب، نظراً للأوضاع الأمنية هناك. لكن ذلك لا يعني وجود مشهد قاتم كلياً، وإنما هناك تفاوتاً في التوصيف والتوقّعات.
فمن جهته، لا يجد أبو علي، صاحب محل blue line pub في مدينة صور، أجواءً إيجابية لاستقبال عيد الأضحى وفصل الصيف. ويقول في حديث لـ”المدن”، أن “الأوضاع في الجنوب صعبة جداً وتتّجه نحو المزيد من الصعوبة في ظل الحرب المستمرة”. وبالنسبة إليه، فإن تشغيل المؤسسات السياحية في المنطقة “يقتصر على أهل البلد”، أي على أبناء صور وضواحيها”. ولا يتوقّع أبو علي تحسُّن الأوضاع، لكن “لا يسعنا إلاّ أن نأمل الخروج من هذه الأزمة”.
على الشاطىء الرملي لمدينة صور، هناك بعض التفاؤل الذي تبديه أمل وزنة، مالكة “خيمة B12”. فبالنسبة إليها “التفاؤل بموسم جيّد يعود إلى اعتياد الناس على الحرب وتوقّعاتهم بأن العمليات العسكرية لا تستهدف المدنيين. كما أنهم اعتادوا سماع خرق الطائرات لجدار الصوت. وعموماً، الناس تبحث عن متنفَّس خلال الأزمة، والبحر يشكِّل لهم هذا المتنفّس”.
اعتياد المشهد والبحث عن متنفّس تُرجِمَ وفق ما تقوله وزنة لـ”المدن”، بزيادة الإنفاق لـ”تجهيز الخيَم بالمستلزمات. علماً أن حركة روّاد الشاطىء الرملي في المدينة، تراجعت بنحو 50 بالمئة مقارنة مع العام الماضي، وذلك بسبب الحرب في الجنوب، خصوصاً وأن مَن كان ينتظر الصيف للمجىء إلى شاطىء صور، بات يسمع في الآونة الأخيرة استهداف بعض قرى صور. ورغم أن الاستهدافات محصورة لكن الخوف يبقى موجوداً لدى الناس من خارج منطقة صور. علماً أن مدينة صور لم تشهد أي عملية عسكرية منذ 7 تشرين الأول 2023″.
تستطرد وزنة في تفاؤلها، وتنتظر فصل صيفٍ “واعد” بسبب المغتربين. لكنها تترك مجالاً للقلق “في حال توسَّعَت حدّة العمليات العسكرية لتتحوَّل إلى حرب شاملة. فحينها يمكن القول بأن الموسم الصيفي طار”.
ما يقدّمه أهل القطاع السياحي من تفاؤل وحذَر وتشاؤم، ليس وليد لحظة أو موسم محدَّد، بل هو سمة شبه ثابتة للقطاع، منذ أكثر من 10 سنوات بعد انكفاء السيّاح الخليجيين. لكن الضربة الكبرى كانت مع الأزمة الاقتصادية وانتشار فيروس كورونا. لكن لا غنى عن بعض التفاؤل الذي يصحبه المغتربون معهم.
خضر حسان- المدن