«التوافق يتطلب دعما من الخارج… ودونه تبقى الامور في دائرة التعطيل»!
الحراكات التي شملت جهات سياسية تصنف نفسها سيادية او تغييريّة، حملت مؤشرات ليونة في مواقف البعض منها، خصوصاً بعد تلقّيها أجوبة عن اسئلة طرحتها، حول الغاية الأساسية من الحوار أو التشاور أيّاً كانت تسميته وما اذا كان التوافق المنشود منه غطاءً لفرض مرشّح معيّن؟
وكشفت مصادر المعلومات أنّ الاجوبة التي تلقاها هؤلاء، جاءت لتكرر ما أكد عليه رئيس المجلس في مبادرته، لناحية عدم محاولة فرض أعراف جديدة، بل تسهيل وتعجيل الانتخابات الرئاسية، عبر الذهاب الى حوار او تشاور على طاولة التوافق، ليس للحسم المُسبق لاسم رئيس الجمهورية، بل التوافق على أمرين اساسيين: الأول، تأمين الغطاء السياسي لنصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية (86 نائباً)، عبر التزام الاطراف بصورة جدية به في انعقاد جلسة الانتخابات وفي كل دورات الانتخاب الأولى والثانية والثالثة والرابعة التي تتخللها اما الامر الثاني، تضيف المصادر، فهو التوافق على اسم مرشح إذا امكن ذلك، وإن تعذّر، نتفق على اسمين او ثلاثة او أكثر، ومن ثم ننزل بلائحة المرشحين هذه الى جلسات انتخاب متتالية بدورات متتالية، وبنصاب كامل للانعقاد والانتخاب، وليربح من يربح من هؤلاء المرشحين.
اي انه لا يوجد على الاطلاق في أجندة الحوار او التشاور المنشود ما يبرر عزف رافضي التوافق على وَتر تفشيله وحصره مُسبقاً في خانة تطويب مرشح الممانعة». وتلفت مصادر المعلومات انّ بعض هؤلاء النواب وعد بأن يقدم جوابه النهائي حيال المشاركة في المسار التوافقي او عدمها، خلال فترة قصيرة. الى ذلك، قالت مصادر سياسية رفيعة لـ«الجمهورية» ان أجواء الحراكات الاخيرة مريحة بصورة عامة، حيث انّها عكست بوضوح انّ ثغراً بدأت تتبدى في الجدار، وهذا تطور مهم يدفع الى القول انّ جمهور التوافق صار يكبر شيئا فشيئا.
وهو ما عكسته مواقف اطراف كانت رافضة ذلك بالمطلق، لكنها بدأت تميل اليه، وهو ما ألمحت اليه امام القائمين بالحراكات، او خلال لقاءات بعض الاطراف برئيس المجلس. الا انه حتى الآن لا يمكن القول انّ الامور قد حسمت، بل انها ما زالت في حاجة الى مزيد من الجهود، خصوصا لناحية حسم تأمين نصاب الثلثين لانعقاد جلسات انتخاب الرئيس، والالتزام بهذا النصاب في كل دورات الانتخاب التي تتخللها، حث انّ هذا الامر ما زال حتى الآن في دائرة الاستعصاء». وفي انتظار ان يحسم المترددون موقفهم، كشفت المصادر عينها انّ الحراكات الداخلية في اتجاه التوافق، تواكبت بحركة خارجية على أكثر من خط، وقالت ان أكثر من اشارة وردت من الفاتيكان تؤكد حضور الكرسي الرسولي على خط الجهود الرامية لحل الازمة الرئاسية في لبنان، سواء مع الفرنسيين او غيرهم من دول اللجنة الخماسية».
ونسبت المصادر الى عائدين حديثاً من روما تأكيدهم ان الكرسي الرسولي يُبدي قلقاً بالغاً من دوامة العنف في المنطقة، لا سيما من الحرب الدائرة في قطاع غزة وصولاً الى لبنان. وتبعاً لذلك، فإن الكرسي الرسولي يشدد على أن ضرورة إخراج لبنان من هذه الازمة تقتضي التعجيل في حسم الملف الرئاسي بتوافق اللبنانيين على انتخاب رئيس للجمهورية، وكذلك توجِب تضافر الجهود لوقف اطلاق النار وتوفير الامن والاستقرار في جنوب لبنان. ولا تستبعد المصادر في هذا السياق ان ينقل أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين رسالة بابوية بهذا المعنى خلال زيارة المرتقبة بعد ايام الى بيروت. وأمل مرجع سياسي في ان «تُثمر الحراكات الرئاسية تثبيتاً للتوافق كأمر لا بد منه للتعجيل في انتخاب رئيس للجمهورية»، الا انه اشار الى «ان ذلك يتطلب دعما مباشرا من الخارج، ودونه ستبقى الامور في دائرة التعطيل».
واكد المرجع عينه ان العنوان الرئاسي حالياً هو التشاؤم حتى يثبت العكس، وقال: كل ذلك مرهون بالدعم الجدي للتوافق، وهذا الدعم ليس مطلوبا فقط من القطريين الذين لم يوقفوا جهودهم، او من الفرنسيين الذين تحركوا بصور متعددة، وأبلغونا انهم سيستمرون رغم إخفاق مهمة جان ايف لودريان، وسيحضرون مجدداً الى بيروت، بل ان هذا الدعم مطلوب من المملكة العربية السعودية، المنكفئة حتى الآن عن لعب اي دور مباشر في الاستحقاق الرئاسي، بل لم تُوحِ بأنها في هذا الوارد، ما خلا شراكتها كدولة عضو في اللجنة الخماسية. كذلك ان هذا الدعم، يضيف المرجع عينه، مطلوب من الولايات المتحدة الأميركية التي كانت كانت أول من دعا الى تشارك اللبنانيين في اختيار رئيسهم، وأول مَن أطلق التحذير بأن التأخر في انتخاب رئيس للجمهورية سيسقط لبنان في وضع كارثي، ومع ذلك لم تبادر حتى الآن الى تأدية دورها الذي لا ينفي احد انه الاكثر فاعلية وقدرة على حسم الاستحقاق الرئاسي. وتبعاً لذلك، فإنّ الرهان على دور اميركي فاعل حيال الملف الرئاسي في هذه الفترة، امر لا يرقى الى ان يكون واقعياً، حيث انه ينتفي تماماً امام الاولوية الاميركية المحصورة في الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة وامتداداتها الى جبهة لبنان، والمخاوف من شمولها كل المنطقة.