حرب لبنان على بُعد خطأ واحد: المسألة مسألة وقت إضافي أو وحشية أعلى!
“النصر الاسرائيلي الحاسم” بعيد المنال
التزام حماس بمعركة طويلة الأمد مع إسرائيل أصبح أكثر وضوحاً. فحوى الرسائل التي بعثها زعيم الحركة في غزة، يحيى السنوار، إلى الوسطاء خلال الأشهر الماضية، وكشفت عنها صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، تفيد أنّ الرجل يعتقد أنّ ما قامت به حماس أوقع الإسرائيليين في فخّ محكم ووضعهم “حيث نريدهم“.
على الرغم ممّا تزعم حماس أنّه فوضى أوّلية وبشاعات غير متوقّعة حصلت في خلال هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول)، وتنصّلت منها الحركة في وثيقتها “هذه روايتنا.. لماذا طوفان الأقصى”، يبدو أنّ حماس تكيّفت مع استراتيجيّتها لاستغلال الحرب المستمرّة، بصرف النظر إن كانت تتوقّع أو لا تتوقّع هذا الحجم من الردّ الإسرائيلي.
هدف حماس، كما هو بائن من خلال رفضها وقف إطلاق النار، إلا بعد تحقيق شروط الحدّ الأقصى، وعبر فيديوهات للسنوار قبل الحرب، هو توريط الإسرائيليين وإغراقهم في غزة، والمضيّ أيضاً في تمرّد طويل الأمد يضعف السلطة الفلسطينية وحركة فتح، ويعيد تعريف زعامة الحركة الوطنية الفلسطينية.
في أحد الفيديوهات التي انتشرت أخيراً على مواقع التواصل الاجتماعي يقول السنوار في كلمة له قبل ثلاث سنوات: “خلال أشهر معدودة، سنجعل الاحتلال أمام خيارين: إمّا أن نرغمه على تطبيق القانون الدولي واحترام القرارات الدولية والانسحاب من الضفّة والقدس وتفكيك المستوطنات وإطلاق سراح الأسرى وعودة اللاجئين، وإمّا أن نرغمه نحن والعالم على إقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلّة في 67، بما فيها القدس، أو نجعل هذا الاحتلال في حالة تناقض وتصادم مع الإرادة الدولية كلّها، ونعزله عزلاً عنيفاً وشديداً وننهي حالة اندماجه في المنطقة وفي العالم”.
فخّ استراتيجيّ في غزّة
حرب غزة وفق هذا التصوّر انقلاب حمساويّ في فلسطين والإقليم على كلّ من السلطة ومعسكر السلام، وهي أيضاً فخّ استراتيجي لإسرائيل يفترض أن يؤدّي إلى تهديد وجودها نفسه. وعليه يتطلّب ذلك إدامة الحرب وتغذية الصراع ولو تخلّلته فترات متقطّعة من وقف إطلاق النار. فحماس تدرك أنّ جهود إسرائيل لتفكيك بنيتها التحتية، في ظلّ تجذّر الحركة في مجتمعها وتماسك التزامها الأيديولوجي وقوّة رعاتها الإقليميين سيجعل “النصر الاسرائيلي الحاسم” بعيد المنال. وتراهن الحركة على المزيد من توريط المجتمع الدولي بمبادرات سياسية فاشلة تزيد التناقض بين إسرائيل وحلفائها التقليديين، لا سيما الولايات المتحدة.
حرب لبنان والحاجة الإسرائيليّة
ترتّب تطوّرات الصراع هذه تبعات معقّدة على لبنان نتيجة تزايد الترابط بين الجبهات، على ما يشهد له ارتفاع درجة السخونة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
صحيح أنّ الحزب يتجنّب حتى الآن الحرب الشاملة، مركّزاً بدلاً من ذلك على مناوشات دوريّة غالباً ونوعيّة أحياناً، بيد أنّه لا ضامن حقيقياً أن تظلّ هذه المشاركة المحسوبة في نطاقها الحالي. فإسرائيل وإن كانت من جهتها، تتوخّى الحذر من التورّط في قتال مفتوح على جبهات متعدّدة، إلّا أنّ حاجتها إلى معالجة ملفّ نزوح سكّان الشمال في ظلّ غياب الضمانات ضدّ هجمات مستقبلية من لبنان على غرار 7 أكتوبر تشير إلى أنّها ستضطرّ عند لحظة ما إلى التعامل الحاسم مع التهديد المستمرّ الذي يمثّله الحزب.
هنا لا بدّ من التنبّه إلى الدور الذي تلعبه ديناميات الرأي العامّ الإسرائيلي في تشكيل مسار الصراع. فالتأييد الإسرائيلي القويّ للحرب، الذي تغذّيه أحداث 7 أكتوبر الصادمة للإسرائيليين، يمتدّ إلى ما هو أبعد من المصالح السياسية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومشكلته مع المحاكمات نتيجة تورّطه في قضايا فساد. يريد الإسرائيليون، بصرف النظر عن حسابات نتنياهو، أن يتأكّدوا من إعادة بناء منظومة الردع بقدر ما يريدون الانتقام، وهو ما يدفع قرارات الحكومة العسكرية ويبرّر استمرار العمليات ضدّ حماس والحزب على نحو مفتوح.
ربّما ما يفاقم الاتّجاه التصعيدي لمسارات الحرب هو ضعف الوساطة الأميركية نتيجة الأولويّات الانتخابية الضاغطة على إدارة بايدن. لقد ظهرت واشنطن بمظهر مهين لهيبتها في إثر فشلها في حماية مقترحات السلام التي قدّمها البيت الأبيض واصطدمت بصلابة المواقف الجذرية لكلّ من حماس والحكومة الإسرائيلية.
في غياب قوّة قسرية قادرة على فرض الحلّ، تتعزّز قناعة أطراف الصراع الأيديولوجية بأنّ كلّاً منها قادر على إنهاء الآخر، وأنّ المسألة مسألة وقت إضافي أو وحشية أعلى.
إن كانت حرب غزة مرشّحة للاستمرار طويلاً، فإنّ انفجار لبنان يبدو على بعد خطأ واحد، ينهي حالة التوازن العسكري الهشّ القائم حالياً.
نديم قطيش- اساس