لماذا اغتال الأميركيّون طالب عبدالله…بتلك الطريقة المريبة؟

نأخذ بتلك المعلومات التي تتردد وراء الضوء حول تزويد الولايات المتحدة، بامكاناتها التكنولوجية والاستخباراتية الهائلة، “اسرائيل” بالكثير من المعطيات حول تنقلات القيادات العسكرية، لا سيما القيادات الميدانية (اضافة الى الأدمغة التي تتولى ادارة الصواريخ، وادارة المسيرات) في “حزب الله” لاثارة الاضطراب ان في هيكلية المقاومة، أو في الأداء العملاني للمقاومة.

ما نعلمه أن تحركات القائد طالب عبدالله، بقدراته العسكرية الفذة، كانت تحاط بالسرية الكاملة، وباحتياطات أمنية بالغة الدقة. ما الذي مكّن الاستخبارات الاسرائيلية من ترصده، ثم اغتياله بتلك الطريقة المريبة؟

أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية ما زالت على حالة من الفوضى، بالرغم من كل الجهود التي تبذل لاعادة “الانتظام العملاني والسيكولوجي” اليها بعد صدمة 7 تشرين الأول، والصدمات اللاحقة. اذاً، انهم الأميركيون اياهم الذين قدموا المعلومات الى الاسرائيليين حول الرهائن المحتجزين في مخيم النصيرات.

اللافت هنا ما تلمّح اليه جهات أوروبية، وعربية مقربة من واشنطن، من أن الأميركيين اكتشفوا أماكن وجود قيادات الصف الأول في القطاع، لكنهم لا ينقلون ذلك الى الاسرائيليين، لكي يتمكنوا من استعمال ذلك كورقة تكتيكية، على المستوى السياسي أو على المستوى الديبلوماسي، وهم الذين على بيّنة من نوعية المجانين على رأس السلطة في صنيعتهم، ووديعتهم، في الشرق الأوسط.

في هذه الحال، من البديهي أن نتساءل ما اذا كان اغتيال القائد عبدالله، وقد تعقب ذلك اغتيالات أخرى، هو للضغط على “حزب الله” من أجل تمهيد السبيل أمام آموس هوكشتين الذي تؤكد أكثر من جهة معنية أن في حقيبته مشروع حل متكامل لمشكلة الحدود بين لبنان و “اسرائيل”.

لا بد من أن يكون لدى قيادة الحزب الكثير، الكثير، من المعلومات حول ما يحدث، وما يخطط له في الظل، وحتى ما وراء الظل. بعدما أظهرت للاسرائيليين ما يمكن أن يحلّ بهم اذا ما حاولوا، بضوء أخضر، أو بدعم أميركي، الدخول الى الجنوب، أو شن حرب جوية على الأراضي اللبنانية كافة، كما أظهرت للأميركيين ما يمكن أن ينتظر مصالحهم على امتداد المنطقة.

مثلما فوجئ الاسرائيليون بالمقاومة الأسطورية في غزة، فوجئ الأميركيون أيضاً، وكانوا يشاطرون حلفاءهم في تل أبيب الرأي بأن المدى الزمني الأقصى للقضاء على فصائل المقاومة لا يتعدى الأسابيع القليلة، ليتبين لاحقاً أن عملية”طوفان الأقصى” لم تكن عبارة عن “فورة عصبية” بل تم الاعداد لها، بمنتهى الدقة، ومنتهى الفاعلية، للحيلولة دون تنفيذ السيناريوات الخاصة باعادة دفع دومينو التطبيع، ولكن بالصورة التي تعيد تشكيل المعادلات السياسية، والاستراتيجية، وحتى التاريخية، في الشرق الأوسط، وحول الشرق الأوسط.

كل ما صدر عن بنيامين نتنياهو يثيت أن الرجل الذي استشعر هول ما حصل في غلاف غزة، وانعكاس ذلك على وضعه السياسي، قرر، بالنرجسية اياها، أن يستثمر الحدث، عاطفياً وسياسياً واعلامياً، الى حدوده القصوى. وكان التعويل على “اللحظة الأميركية” عشية السنة الانتخابية، أي دخول الادارة في كل اشكال البازار، بما في ذلك “الصفقة الذهبية” مع اللوبي اليهودي.

انها لحظة القضاء على كل قوى المقاومة في المنطقة، وتحت شعار “تغيير الشرق الأوسط” ومن البوابة اللبنانية بعدما بات مؤكداً أن أعضاء في مجلس الحرب اقترحوا أن تكون العملية العسكرية في لبنان، لا في غزة، كون “حزب الله” يشكل الخطر الحقيقي على اسرائيل.

هيئة الأركان هي من اعترضت على ذلك لأن العملية قد تستغرق أشهراً طويلة، وربما سنوات، بسبب الترسانة العسكرية لـ”حزب الله” الذي يتقن الافادة من التضاريس الطبيعية المعقدة. هكذا يتم القضاء على “حماس” في وقت قياسي، لتتجه القاذفات والدبابات بعد ذلك الى لبنان.

ولكن ألا تقول أجهزة الأستخبارات المركزية إن ما يدعى “محور الممانعة” اتخذ كل الاحتياطات اللازمة لتفجير المنطقة بأسرها في وجه الولايات المتحدة التي تقول معاهد الأبحاث أنها في صدد اعادة هيكلة استراتيجيتها فيها بعدما “انكسرت” الذراع الاسرائيلية ؟

الأبحاث اذ تتحدث عن “الضياع في منطقة ضائعة”، تلقي الكثير من الظلال حول ما اذا كان يمكن لأي عملية ديبلوماسية أن تصل الى نتيجة اذا لم يحدث المستحيل، أي تغيير في العقل السياسي الاسرائيلي…

في كل الأحوال، ينبغي التنبه الى الحرفية الاسرائيلية في المراوغة : التفاوض حول غزة، والمساومة حول لبنان. هنا أهمية أن تبقى الاصبع على الزناد…

نبيه البرجي- الديار

مقالات ذات صلة