لا تسوية ولا إعمار دون العرب.. ولكن الدعم لم يعد مجّانياً !
موقف المملكة واضح ولديها قدرة الفيتو ولديها قدرة الدعم والاستثمار
بعد أشهر من الحرب المضبوطة نسبياً، حان وقت التصعيد. ها هي الحرب تتوسّع وسط معلومات تشير إلى أنّها لم تصل بعد إلى ذروتها. في إسرائيل أصبحت الحرب على لبنان يقيناً من دون تحديد التوقيت بعد. إلا أنّ عقارب الساعة سرعان ما ستدقّ لحظة تصعيد يُحكى في الكواليس الدبلوماسية أنّها ستكون خاطفة لكن موجعة لكلّ اللبنانيين وليس فقط لبيئة الحزب. فهل تقصف إسرائيل بنى تحتيّة لبنانية؟
كلّ شيء وارد. لكنّ الأكيد أنّ حظوظ الذهاب إلى اتفاق حدودي قبل تصعيد مقبل أصبحت شبه معدومة وسط كلام اسرائيلي ان ليست القوى الواقعة على في الكيلومترات الأولى على الحدود الجنوبية اللبنانية ستصبح “على الأرض”. بل قرى اخرى اكثر عمقا في الجنوب ايضا، وغير ذلك من البنى التحتية اللبنانية.
قبل انتهاء الحرب، لا بل قبل بدء مرحلتها الأقوى، دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري السعودية وقطر والكويت إلى المشاركة في إعادة إعمار الجنوب. تأتي دعوة برّي مهمّة في معناها السياسي:
– أوّلاً، لأنّ لبنان عمقه عربي ولا نهضة له إلا مع محيطه العربي.
– ثانياً، هو مرتبط في السياسة عضوياً بانفتاحه على الخليج ومرتبط اجتماعياً بعمل أبنائه في الخليج، وبشكل أكبر “وجوده” مرتبط بمحور يمتدّ من الخليج إلى الغرب لا يمكن الانفصال عنه.
بالتالي لا خلاص للبنان خلال الأزمات إلّا بهذا الارتباط العميق الذي على الرغم من كلّ الخلافات التي أنتجتها السنوات الأخيرة لا يزال ثابتاً حتى لدى المحور الذي واجه المملكة العربية السعودية من بيروت في مرحلة سابقة.
شروط الخليج وأميركا
إلا أنّ لدول الخليج، ومعها الغرب المتمثّل في الأساس بالوجود الأميركي في المنطقة ولبنان تحديداً، شروطاً واضحة للمشاركة في إعادة الإعمار. فكما للخليج وعلى رأسه السعودية شروطه لإعادة إعمار غزة، كذلك له شروطه في لبنان.
في غزة لا إعادة إعمار من دون تسوية حقيقية سبق أن وضعت شروطها المملكة مع الأميركيين والإسرائيليين. وبعدها سيتعاظم النفوذ العربي في غزة على حساب أيّ نفوذ آخر.
في بيروت لا إعادة إعمار قبل التوصّل إلى اتفاق على الحدود الجنوبية يمهّد لمرحلة طويلة من الاستقرار ويؤسّس لحياة سياسية مولودة من رحم الاتّفاق، بما يعني الالتزام بمواصفات الدول المعنيّة بلبنان لشخص رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وأعضائها.
لم يعد الدعم مجّانياً في هذه المرحلة من تاريخ الخليج وبيروت معاً. وبالتالي تتحدّث مصادر دبلوماسية أنّ أمام اللبنانيين والحزب خيارين لا ثالث لهما:
إمّا الالتزام بالمعايير الدولية للمشهد السياسي المقبل.
وإمّا الذهاب إلى تشكيل مشهد مختلف من دون الحصول على أيّ دعم.
والخيار الأخير ليس سوى انتحار يدركه محور الحزب قبل غيره.
المملكة لها قدرة الفيتو
إلى جانب إعادة الإعمار، إذا اختار لبنان المسار العربي فسيكون أمام نهضة استثمارات كبرى. لكنّ ذلك لن يحدث من دون الضوء الأخضر السعودي والأميركي معاً.
المملكة واضحة أكثر من أيّ وقت مضى على الرغم من دبلوماسيّة خطابها. ولهذا الأمر سوابق تشهد على ذلك.
أوّلاً: عندما طرحت فرنسا معادلة “فرنجية للرئاسة سلام الحكومة”، كانت المملكة أوّل من عارض وصول فرنجية للرئاسة. وصمدت على الرغم من الإصرار الفرنسي الكبير الذي حاولت فيه إقناع الرياض بالذهاب إلى تسوية مع الحزب طالما انها ذهبت إلى اتفاق مع إيران. ولم تنجح.
ثانياً: عندما لوّح آموس هوكستين بإمكانية مقايضة الحزب بين الحدود والرئاسة على قاعدة البراغماتية الأميركية، أثار ذلك ردود فعل في الإدارة الأميركية أوّلاً وفي الرياض ثانياً. إذ رفضت السعودية المقايضة وأخرجت نفسها من الاتفاق وعبّر عن ذلك بوضوح السفير السعودي في اللجنة الخماسية. وفشل المسعى.
ثالثاً: عندما حاولت قطر من خلال موفدها في لبنان التسويق للّواء الياس البيسري لرئاسة الجمهورية من دون التنسيق مع اللجنة الخماسية، رفعت السعودية الورقة الحمراء فسقط المسعى.
رابعاً: في اجتماع اللجنة الخماسية الأخير الذي حصل في قصر الصنوبر بحضور الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، طُرح وضع عدد من الأسماء في ورقة رئاسية، ومن ضمنها اسم سليمان فرنجية، فعبّر السفير السعودي وليد البخاري عن عدم الرضى. وللتذكير فإنّ البخاري سبق أن غاب عن اجتماع اللجنة الخماسية في زيارتها فرنجية في بنشعي.
عليه، إذا أراد الرئيس بري ومعه فريقه السياسي دعم دول الخليج يدرك أنّ من المفترض أن يلاقيها في منتصف الطريق لأنّ التجارب سبق أن أثبتت أنّ موقف المملكة واضح ولديها قدرة الفيتو ولديها قدرة الدعم والاستثمار. وبناء على حنكة الرئيس التي اختبرها اللبنانيون في السنوات الكثيرة الماضية، فإنّ دعوته هذه تشكّل موافقة ومباركة واعترافاً بأنّ لبنان لن يكون إلا على المسار العربي، بعد الحرب، وفي مشهد سياسي جديد.
جوزفين ديب- اساس