لا حرب واسعة في الجنوب.. قبل حلّ غزة!

توحي الأعمال الحربية في الجنوب اللبناني بين اسرائيل و”حزب الله” بخروجها عن الضوابط، نظراً إلى اتساعها وكثافتها والخسائر التي تلحق بالجانبين، والمستغرب أن مساعي الولايات المتحدة الأميركية للتهدئة يبدو أنها معلّقة مع غياب الموفد الديبلوماسي الأميركي آموس هوكشتاين أو أي مبعوث آخر.

لكن غياب واشنطن عن المشهد السياسي والعسكري، لا يعني أن لبنان متروك وأن المواجهات ستأخذ مداها لتبلغ درجة الحرب الواسعة والمفتوحة، إذ لا تزال هناك ضوابط، تتحدث عنها مصادر ديبلوماسية في واشنطن: “لقد وصل هوكشتاين إلى قناعة بأن لا شيء سيتغيّر سلباً أو إيجاباً في الجبهة الجنوبية للبنان قبل انتهاء حرب غزة. فما سمعه في الجولات السابقة من الحزب بتواصل غير مباشر مع قنوات رسميّة لبنانية مقرّبة منه أنه لا يريد الكلام عن أي شيء يتعلّق بتوقّف الحرب قبل إعلان وقف إطلاق نار دائم في غزة. ولا شك في أن هوكشتاين يعرف تماماً عمق تبعية الحزب لإيران وليس بعيداً عن أجواء القرار الذي اتخذ في طهران مع ممثلي محور الممانعة بالتصعيد ضد اسرائيل”.

وتلفت المصادر إلى أن “هوكشتاين بات مطلعاً على الموقف الاسرائيلي وإصراره على إنهاء حماس قبل الالتزام بأي وقف لإطلاق النار، وعزمه على إلزام حزب الله بالرجوع 10 كيلومترات على الأقل من الحدود اللبنانية-الاسرائيلية”.

في الواقع، يعلم الأميركيون أن هناك موانع لإنفلات الوضع نحو حرب كبيرة، وتوضح المصادر الديبلوماسية أن “هذه الموانع تواجه الطرفين اسرائيل والحزب، فالأولى بشخص رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو ليست بوارد توسيع الحرب في الجبهة الشمالية قبل انتهاء حرب غزة، لتفادي الضغط العسكري، على الرغم من أن الاسرائيليين المهجّرين من الشمال يؤيدون توسيع الحرب، ومن جهته يميل الجيش الاسرائيلي إلى هذا الخيار، للإفادة من جهوزيته العسكرية العالية معتبراً أن حزب الله في موقع ضعف. مع ذلك، لا يزال نتنياهو يعتمد الصبر الاستراتيجي، ويفضّل التوصّل إلى حل سلمي لمشكلة شمال اسرائيل، والموعد النهائي قد يكون في أوائل شهر أيلول مع افتتاح الموسم الدراسي الجديد”.

وترى المصادر الديبلوماسية الأميركية أن “الحزب، على الرغم من تصعيده الأخير، لا يريد حرباً واسعة أيضاً، وخصوصاً أن مرجعيته الايرانية حريصة على عدم خسارة ورقته في حرب قد تكون ليست لمصلحته، كما أن الوضعية الداخلية اللبنانية لا تسمح له بالذهاب بعيداً بسبب المعارضة الشعبية لحرب كبيرة، إضافة إلى أن معلوماتنا تشير إلى أن هناك حالة من الامتعاض في بيئته وربما بين مقاتليه لإستمرار الحرب. ومن المتوقّع أن لا تنزلق الأمور إلى ما هو أسوأ، إلا في حال أخطأت إيران التقدير والجنوب هو الجزء الأهم بالنسبة إليها والذي من خلاله تريد تحسين شروطها التفاوضية مع عواصم القرار. وهي أبلغت الحزب بأن إسرائيل تريد فرض انسحابه إلى ما وراء الليطاني بالقوة، فاستبَقت الأمر وأصدرت أوامرها له بالتصعيد في الجنوب”.

للوهلة الأولى قد يبدو الأمر مثيراً للقلق، وفق المصادر الديبلوماسية، وربما تتعقّد الأمور لاحقاً بعد انتهاء حرب غزة إذا رفض “الحزب” الانسحاب إلى ما وراء الليطاني إذ يعتبره بمثابة الاعتراف بالهزيمة، ويقيّد حركته والاستراتيجية التي وضعها في مواجهة إسرائيل. كما أن “الحزب” يعتبر أن التراجع الذي تطالب به إسرائيل، يفقده ما يعتبره توازن الرعب القائم حالياً، وتصبح المنطقة خالية من وجوده، وهذا ما يتيح حرية التحرك لاسرائيل بصورة أوسع، ويكسبها أفضلية في أي مواجهة مرتقبة.

في الواقع، ليس الوضع سهلاً، إلا أن الولايات المتحدة مطمئنة إلى أن لا حرب واسعة قبل انتهاء حرب غزة، لذلك تؤكد المصادر الديبلوماسية أن “هوكشتاين بات واثقاً بأن لا حلول في الوقت الحاضر، إلا أن كلامه الأخير عن الترتيبات النهائية لإنهاء المواجهات في الجنوب وضعها بتصرف الطرفين الاسرائيلي واللبناني، وخطته جاهزة من الناحية المبدئية، وقد طرحها في بيروت وهي تركّز على تثبيت الحدود البرّية مع إسرائيل وفق الزاوية التي تنطلق منها الرؤية اللبنانية، ولكن التعديل قد يكون وارداً في مراحل لاحقة، خصوصاً وأن التطورات الميدانية على الأرض قد تفرض معطيات مختلفة، ولكن لن تخرج خطة هوكشتاين أو صيغة الحل التي تحدث عنها الرئيس الأميركي جو بايدن عن خطوطها العريضة مهما تأخر موعد وضعها على طاولة البحث النهائي في بيروت، وإلى ذلك الوقت، فإن الحرب مستمرة من دون أن تصبح شاملة ومفتوحة نحو عمقي لبنان واسرائيل”.

جورج حايك- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة