كلام لودريان تحذيريّ أم “تخويفي”: هل يسقط “لبنان السياسي” بعد تموز؟
هل يسقط “لبنان السياسي” بعد تموز؟
ما كشفه الموفد الديبلوماسي الفرنسي جان إيف لودريان خلال زيارته الى لبنان خطير جداً، ويوحي بأن الدولة ستلفظ أنفاسها الأخيرة إن لم تُسارع القوى السياسية اللبنانية إلى التوافق وانتخاب رئيس للجمهورية.
واللافت أن كلام لودريان يتقاطع مع اللجنة الخماسية التي حددت موعداً مبدئياً لانتخاب الرئيس في شهر تموز، إلا أن المعطيات المتوافرة حتى اليوم، لا توحي بأن عملية انتخاب وشيكة ستحصل في ظلّ تعنت الثنائي الشيعي في شروطه، وهذا برز بوضوح في المعايير التي تحدّث عنها لودريان خلال جولته وتتعلّق باستبدال كلمة حوار بالتشاور المحدود النطاق وآلية الانتخاب بجلسة مفتوحة بدورات متتالية واحترام الدستور، وهذا ما يرفضه “حزب الله”، أما مصادر المعارضة فتعتبر أن مواقف المجتمع الدولي الممثّلة بـ “الخماسيّة” ولودريان تصبّ في مصلحتها حتماً.
لكن لودريان باح بما هو أعمق في حال استمرار التعطيل، مؤكّداً أن “لبنان السياسي” سينتهي إذا بقيت الأزمة على حالها، وبالتالي لن يبقى سوى “لبنان الجغرافي”… لا شك في أن هذا الكلام أخذه كثيرون على محمل الجدّ، واعتبره آخرون مجرد تخويف، لدفع القوى السياسية المعطّلة الى النزول عن الشجرة!
وإذا عدنا إلى الأعوام المنصرمة، نرى أن لودريان نفسه أطلق مواقف مماثلة، وبالتالي هو كلام مُكرّر، وقبل انتخاب الرئيس ميشال سليمان ذهب البعض إلى أن لبنان سيزول وسرعان ما انتخب رئيس، ثم حصل الأمر نفسه في فترة التعطيل التي سبقت انتخاب العماد ميشال عون، وقيل حينها إن سليمان هو الرئيس الماروني الأخير!
مع ذلك، لا بد من التوقّف عند كلام لودريان، لأن الوقائع تشير إلى أن الدولة اللبنانية تتآكل، وتوضح مصادر اعلامية فرنسية أن “كلام لودريان تحذيريّ لأن الوقت ليس لصالح لبنان، فدولياً سيدخل العالم في حمى الانتخابات الأميركية، والمنطقة الشرق أوسطيّة ستشهد أولويات مختلفة لن يكون لبنان في مقدمتها، بل سيكون على الرفّ، لذلك إذا لم ينتخب اللبنانيون رئيساً ولم تنتظم مؤسساتهم فسيذهبون إلى مزيد من التآكل والانهيار، ولا يقصد لودريان إنحراف اللبنانيين إلى التقاتل أو الحرب الأهلية، إلا أن الحياة السياسية أصبحت معطّلة بدءاً من الدستور، وكل الاستحقاقات الدستورية والديموقراطية مروراً بتوالي الأزمات عند كل استحقاق لأن لا معايير واضحة، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر: انتخابات رئاسة الجمهورية وتكليف رئيس حكومة، لا مهل زمنيّة لتشكيل الحكومات، والفوضى مستفحلة”.
وتشير مصادر المعارضة الى أن “لبنان يعيش عملياً حالة من التفكّك السياسي، أي أنه إنتهى فعلياً بالمعنى السياسي الدستوري القانوني المؤسساتي، واستمرار تعنّت الثنائي الشيعي عبر مصادرة قرار الحرب والسلم وأداء حزب الله الذي يؤكّد أن لبنان بات يحكم من طهران وليس من أيّ مكان آخر، بحيث لا تأخذ إيران في الاعتبار مصلحة لبنان واللبنانيين، بمَنْ في ذلك أهل الجنوب من شيعة وغير شيعة، معطوفاً على التمادي في الشلل المؤسساتي والانهيار الاقتصادي، كل ذلك يعطي كلام لودريان مصداقية، وسيتجه الوضع بعد شهر تموز إلى تطوّرات غير حميدة، وذلك يُعزز الدعوات إلى تغيير التركيبة السياسية التي دعت إليها بعض القوى السياسية”.
فطالما تعطيل الثنائي الشيعي مستمر في لبنان، وفق مصادر المعارضة، فإن الوضع السياسي اللبناني سيؤول حتماً إلى تغيير واقعي بمعنى أن انقلاب “حزب الله” على اتفاق الطائف لا يمكن أن يستمر، وما يستوجب إعادة النظر هو الصيغة التي أرساها “الحزب” وحلفاؤه منذ العام 2005 وحتى اليوم، وخصوصاً أن السلطة في يده بسبب فائض القوة والسلاح.
يبدو أن كلام لودريان يمهّد أو يستشرف ما سيؤول إليه الوضع اللبناني عموماً، إذا لم تتلاقَ إرادة المكوّنات اللبنانية لإدارة شؤونها، وهذا يعني المزيد من التفكّك والانهيار، لتصبح كل مجموعة طائفية مستقلة في إدارة شؤونها وفق ما يُعرف بـ “الفوضى الخلاقة”، وهذا خطير جداً، بل يضرب الصيغة التي بُني عليها لبنان منذ العام 1943 ثم ينسف اتفاق الطائف.
صحيح أن تحذير لودريان عالي المستوى، وأثار هلع البعض، لكن مصادر إعلامية فرنسيّة أكّدت أنه اقترح الحلول التي تتفق حولها اللجنة الخماسية، وتبدأ من انتخاب رئيس للجمهورية قبل نهاية تموز المقبل، مع الالتزام بالتشاور المحدود النطاق حول خيار رئاسي ثالث، وهو المدخل لانتخاب رئيس، ثم الذهاب إلى جلسة بدورات متتالية حتى انتخاب الرئيس.
لكن في الواقع، لم يعد سراً أن الثنائي الشيعي لا يريد رئيساً في الوقت الحاضر، وهذا ما لمسه لودريان، إذ لا يزال يتحجّج بالآلية التي من المفترض، لو كانت النوايا الحسنة، أن لا تكون عائقاً أمام انتخاب رئيس وإنقاذ لبنان مما ينتظره إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
جورج حايك- لبنان الكبير