اثنان لا يريدان إنهاء الحرب في غزّة: من سيرفع شارة النصر؟
تفاعلت الخلافات داخل الصف السياسي الإسرائيلي بين بنيامين نتنياهو وممثلي الأحزاب اليمينية المتشددة المشاركة في الائتلاف الحكومي من جهة، وعضوي مجلس الحرب بني غانتس وغابي أيزنكوت وخلفهما القوى المعارضة من خارج الحكومة من جهة أخرى، بمن فيها رؤساء حكومات سابقون مثل إيهودا أولمرت، إضافة إلى عدد من أعضاء أركان الجيش الإسرائيلي.
الخلافات تدور حول أسلوب إدارة الحرب التي طالت حتى الآن إلى ما يقارب 230 يوماً. كما تتناول الخلافات مسألة المفاوضات في محاولة لإنجاز عملية تبادل للرهائن والأسرى، والتفاهم على هدنة متوسطة المدى، أو حتى التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار.
من الواضح أن نتنياهو والأحزاب اليمينية التي تحيط به وتمنع سقوط الحكومة متمسكان بمواصلة الحرب مهما كلف الأمر حتى إتمام عملية اجتياح مدينة رفح، وقلب المعادلة السياسية والأمنية في قطاع غزة بالكامل. ويعرف نتنياهو من خلال مختلف تقارير الجيش التي تُرفع إليه أن اجتياح رفح قد لا يؤدي حكماً إلى تصفية القيادة العليا لـ”حركة حماس”، وفي المقدمة يحيى السنوار ومحمد الضيف، ولا حتى إلى اعتقالهما، بما يسمح للحكومة الإسرائيلية، وتحديداً لنتنياهو، برفع شارة النصر تمهيداً لتوقف العمليآت الكبرى. كما أن وقف إطلاق النار لا يعني حكماً تصفية جيوب المقاومة الكبيرة والخطيرة التي نجحت حتى الآن في البقاء في الشمال والوسط وصولاً إلى مدينة خان يونس. ومعنى هذا أن المقاومة سوف تستمر طويلاً قبل أن يتمكن الإسرائيليون من الإجهاز عليها وتطبيع الوضع في قطاع غزة. لكن مع ذلك يحتاج بنيامين نتنياهو إلى إنجاز دعائي كبير يرفع فيه شارة النصر، حتى لو اضطر في ما بعد إلى مواصلة القتال الأمني في المرحلة التي ستلي الاتفاق على هدنة طويلة أو وقف لإطلاق النار. من هنا رفض نتنياهو وقف القتال على الرغم من كل الضغوط التي تمارس عليه داخلياً وخارجياً، إما تحت شعار إنقاذ الرهائن، أو تحت شعار إيقاف الحرب الدموية التدميرية غير المقبولة دولياً.
في المقلب الآخر، يدرك قائد حركة “حماس” في غزة يحيى السنوار أنه خسر المعركة بمعناها التقليدي، لكنه لم يخسرها ببعدها المقاوم. خسر الأرض، وخسر عشرات الآلاف من الضحايا، تضرر التنظيم العسكري والأمني إلى حد بعيد، ودمرت غزة فوق رؤوس أهلها، والبعض يصف ما حدث بأنه النكبة الثانية بعد نكبة 1948. كما يدرك السنوار أنه لا يمتلك حاضنة عربية تحميه، أما الحاضنة الإيرانية فهي منقوصة الشرعية، وقد أكسبته عداءً في العديد من الحواضن العربية. ويعرف أيضاً أن إيران لن تخوض حرباً مفتوحة لإنقاذ “حماس”، ولن تضحي بفصيلها الأهم في المنطقة عنينا “حزب الله” من أجل غزة. فوظيفة الحزب المذكور مرتبطة بمصالح النظام البعيدة الأمد، ويمثل إحدى حلقات الدفاع المتقدم لبقاء النظام في طهران. ولعل أهم ما يدركه السنوار أنه يواجه خيارين لا ثالث لهما: إما تسوية كبيرة يخرج بموجبها من غزة مع من بقي على قيد الحياة من قيادته ومقاتليه في مقابل إنهاء الحرب، أو أن يراهن على القتال لأطول مدة ممكنة متكلاً على الضغوط الدولية والداخلية على نتنياهو ومن يؤيد خياره بالنسبة إلى غزة، فيخرج من بين الركام مثلما فعل قبله الأمين العام لـ”حزب لله” سنة 2006 ويرفع شارة النصر لمجرد أنه لم يخرج ولم يتم القضاء عليه. وكل المؤشرات تدل إلى أن السنوار فضّل الخيار الثاني.
ما سبق يفسر إلى حد كبير التقاطع الذي يلمسه المراقبون بين نتنياهو والسنوار بشأن مستقبل الحرب: كلاهما لا يريد إنهاءها.
علي حمادة- النهار العربي