ينتهي شهر الورود والعشب ينمو أكثر وأكثر على عتبات القصر… والرئاسة “عصيّة” على الوعود!
باتت نهاية شهر أيّار (مايو) خلف الأبواب، ومع ذلك بقي باب القصر الرئاسي في لبنان موصدًا، رغم أنّ اللجنة الخماسيّة التي تضم كلًّا من الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا، المملكة العربية السعودية، مصر وقطر، كانت تأمل أن تعثر على المفاتيح، مع حلول نهاية شهر الورود وبداية شهر الحصاد!
وعلى بعد 19 شهرًا من الحادي والثلاثين من تشرين الأول (أكتوبر) 2022، تاريخ انتهاء ولاية ميشال عون الرئاسيّة، ورغم المساعي التي بُذلت والوساطات التي نشطت والتهديدات التي صدرت والإضرابات التي حصلت والجرائم التي ارتُكبت والتعيينات التي ارتَبكت والاقتصاديات التي أُهمِلت والأموال التي هُدِرت والودائع التي نُهِبت والقوانين التي انتُهِكت ومواد الدستور التي تبهدلت، لا يزال الفراغ الرئاسي كأنّه، في يومه الأوّل، لأنّ أيّ تغيير لم يطرأ على مستوى الخلفية الحقيقية لتعطيل الانتخابات: “الثنائي الشيعي” يريد رئيسًا مضمونًا مئة المئة، الأمر الذي لا يتوافر، على ما هو ظاهر، إلّا في مرشحه “الثابت” سليمان فرنجية، فيما تتكتّل أكثرية غير منتجة رئاسيًّا ضد هذه “الحتمية”، إمّا لأسباب لها علاقة بإدارة موازين القوى الداخلية أو لأسباب متصلة بموقع لبنان الإقليمي.
وهذا خلاف استراتيجي لا يبدو أنّ حلّه ممكن بدبلوماسيّة “الإغراء” الفرنسيّة ولا بسياسة العظات الطوباوية ولا حتى برشوة “الحقائب القطريّة”!
قبل “طوفان الأقصى” بمدة، أطلّ أحد المقربين من “حزب الله” وقال إنّ هذا الحزب مستعد للذهاب إلى حرب مع إسرائيل، من أجل أن يوصل مرشحه إلى رئاسة الجمهورية وقلب المعادلات التي تتحكم بتوزيع القوى السياسية.
وفي مناسبة “طوفان الأقصى” فتح “حزب الله” الحرب على إسرائيل، وبدأ محاولة فرض نظرته إلى الداخل اللبناني، إذ إنّ ما كان يقوله عن حاجته إلى رئيس للجمهورية لا يطعن “المقاومة” في ظهرها بات، في نظره، ملموسًا، بحيث راح يردد، من على منابر تكريم القافلة التي لا تنتهي من قتلاه في الجنوب اللبناني، أنّه لو تُرك الخيار للقوى التي تناوئه، لكان الآن، في القصر الجمهوري، رئيس من صنف “الخونة والعملاء والجبناء والمتآمرين والحاقدين”.
ومنذ الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) تاريخ فتح الجبهة اللبنانية-الإسرائيليّة حتى مقتل الرئيس الإيراني في حادثة تحطم المروحيّة التي كانت تنقله ووفده من الحدود الأذربيجانية، لم يخيّب سليمان فرنجية، من موقع المرشح الأوحد، ظنّ “حزب الله”، فهو وقف وراء أدبيات الحزب، بانضباط كامل، حتى وصل به الأمر إلى وصف مرشد الجمهوريّة الإسلامية علي خامني بالقائد، كما لو كان تلميذًا نجيبًا في مدرسة الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله!
ونصر الله مؤتمن من “القائد” الذي هو، وفق تعبير “حزب الله” في بيان التعزية بمقتل رئيسي ووفده المرافق، “بقيّة الله على الأرض”، على إبقاء لبنان ضمن العمق الاستراتيجي للجمهورية الإسلامية في إيران، مهما كانت الصعوبات والتضحيات، وهو شخصيًّا، يُحدد مستوى التصعيد على الجبهة اللبنانية-الإسرائيلية، حتى لا تخرج عن مسار “الصبر الاستراتيجي” الذي سبق أن كلّف جميع تنظيمات “جبهة المقاومة” خارج حدود فلسطين، بوجوب الالتزام به!
وبمراجعة مواقف “حزب الله” من الواقع السلطوي الحالي، يتبيّن أنّه مرتاح جدًا له. مرة واحدة أزعجه موقف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لأنّه فهم منه أنّه يلقي مسؤولية الحرب على الحزب بقوله إن هذا الحزب هو الذي يتحكم بقرار السلم والحرب وليس الحكومة. نهر “حزب الله” نجيب ميقاتي، في حينه، فتراجع عن قوله، مرارًا وتكرارًا، حتى رسخت في الأذهان براءة ميقاتي!
ولا يشعر “حزب الله” بأيّ فراغ رئاسي. يكفي التمعّن في الصور التي يتم نشرها للقاءات أمينه العام حسن نصر الله، لإدراك أنّ مرجعيّته وجمهوريّته تعبّر عنهما الصورتان المعلّقتان في صدر “صالون الاستقبال”: الخميني وخامنئي!
القوى الأخرى في لبنان، وإن كانت تُدرك أنّ لا رئيس ممكنًا من دون موافقة “الثنائي الشيعي”، وأنّ الدولة التي ليس لديها غيرها، على خلاف وضعيّة الحزب الذي يتربّع على “عرش” دويلة مكتملة، لن تتعافى أبدًا من دون إعادة تشكيل السلطة فيها، إلّا أنّها تقاوم الاستسلام، بكل ما تمتكله من قوة التعطيل هنا والمراوغة هناك.
وهذا يفيد بأنّ شهر الورود سوف ينتهي والعشب سيبقى ينمو أكثر وأكثر على عتبات القصر الجمهوري، ولن تستطيع آليات جان إيف لودريان العائد مجددًا إلى لبنان على حصان “الخماسية الدولية” من جزّه!
فارس خشان- النهارالعربي