رئيس مطلع الصيف… وإلّا الفراغ الرئاسي سيدوم ويدوم!
تدلّ المواقف والتحركات الجارية في شأن الاستحقاق الرئاسي الى ان هناك محاولة جدية لإنجاز هذا الاستحقاق في مهلة اقصاها نهاية حزيران المقبل، بحيث انها إذا لم تنجح فسيرحل الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية المقررة في 5 تشرين الثاني المقبل، والتي ستدخل ادارة الرئيس جو بايدن في مدارها العملي مطلع تموز ما يصرفها عن الاهتمام بالقضايا العالمية.
في هذه الاجواء تأتي زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان للبنان الثلاثاء المقبل مَشحونة بكلام اميركي ينصح بانتخاب رئيس لبنان الشهر المقبل، وهو ما عبّر عنه رئيس حزب «الحوار الوطني» النائب فؤاد مخزومي قبل يومين، وهو العائد ومجموعة من زملائه من جولة على نيويورك وواشنطن اللتين كان لهم فيهما لقاءات مع مسؤولين امميين واميركيين، منهم الموفد الرئاسي الاميركي آموس هوكشتاين.
كذلك تأتي زيارة لودريان للبنان بعدما عرّج على قطر التي بدأت منذ الاسبوع الماضي تستقبل قيادات سياسية لبنانية كان منها الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ورئيس مجلس النواب نبيه بري الذي التقى امير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في طهران على هامش تعزيتهما بالرئيس الايراني ابراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين امير عبداللهيان ورفاقهما، الذين قضوا الاحد الماضي في تحطّم طائرتهم المروحية في محافظة اذربيحان. وستلتقي القيادة القطرية تباعاً في الدوحة قيادات سياسية وحزبية أخرى منها حزب «القوات اللبنانية» وغيره، وهي كانت قد استهلّت هذه اللقاءات بقائد الجيش العماد جوزف عون تحت عنوان البحث في دعم المؤسسة العسكرية اللبنانية، وقيل يومها انّ قطر ستستأنف تقديم المساعدة المالية التي كانت تقدّمها لهذه المؤسسة.
وفي الوقت الذي تُبدي قطر رغبة في رعاية حل للازمة اللبنانية على غرار رعايتها اتفاق الدوحة الشهير عام 2008، فإنّ احد السياسيين الذين زاروا الدوحة يُشير الى ما بلغته هذه الازمة نتيجة استمرار التباعد بين الافرقاء السياسيين الذي يعوق إنجاز الاستحقاق الرئاسي، بات يفرض توافر جهة مؤثرة ما تستطيع الجمع بين الاضداد، وانّ القطريين لا يمانعون في لعب مثل هذا الدور اذا تسنى لهم أو اذا طُلب منهم.
لكن، بحسب احد الاقطاب السياسيين، فإنّ لودريان آت ليطرح على الافرقاء السياسيين المعنيين بالاستحقاق الرئاسي اقتراحاً يقضي بعقد مؤتمر حوار يجمعهم في العاصمة الفرنسية، ولكن لم يعرف بعد ما اذا كان هذا الاقتراح تتبنّاه المجموعة الخماسية التي يفترض ان لودريان آت ليتحدث باسمها، ام انه اقتراح «صنع في فرنسا» او انه منسّق مع الاميركيين، خصوصا انّ المعلومات تشير الى ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون كَلّف لودريان ان يرفع إليه تقريرا عاجلا بنتيجة زيارته المقررة لبيروت، ليكون مضمونه موضع بحث في لقاء القمة المقرر مطلع الشهر المقبل بينه وبين الرئيس الاميركي جو بايدن في باريس، على هامش الاحتفال بذكرى إنزال النورماندي الذي سبق انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية في اربعينات القرن الماضي.
غير انّ هذا القطب استبعَد موافقة غالبية الافرقاء السياسيين اللبنانيين على هذا الاقتراح، اذ انّ بعض الذين تلقّوه قبل وصول لودريان الى بيروت بَدوا غير متحمسين للأخذ به والسفر الى باريس في هذه الظروف، بل انهم يحبذون ان ينعقد مثل هذا المؤتمر الحواري في لبنان وهو ما تناوله سفراء المجموعة الخماسية العربية ـ الدولية مع المسؤولين القيادات السياسية والكتل النيابية في جولاتهم الاخيرة، ليصطدموا بوجود خلاف بين المعنيين على ماهية الجهة التي ستدعو الى هذا «الحوار» او «التشاور» وماهية الجهة التي سترأسه وتديره، اذ انّ فريق المعارضة يعارض بشدة ان يدعو رئيس مجلس النواب نبيه بري الى هذا الحوار وان يترأسه او يديره، فيما الفريق الآخر، أي «الثنائي الشيعي» مع حلفائه، يرون ان الاصول تقتضي في ان يترأس هذا الحوار النيابي رئيس المجلس النيابي دون سواه.
ولذلك، يستبعد معنيون بالاستحقاق الرئاسي ان ينجح لودريان في تسويق فكرة هذا «الحوار الباريسي»، لينتقل الى البحث مع مَن سيلتقيهم في امكانية توافق الافرقاء على رئاسة هذا الحوار او التشاورالمتّفق عليه في المبدأ في لبنان وادارته. ولكن كل المؤشرات الى الآن لا تبعث على التفاؤل في إمكان انجاز الاستحقاق الرئاسي قريباً، اذ بدأ البعض يتحدث عن إمكان تأخّره الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية، خصوصا اذا لم يتم تحقيق وقف اطلاق نار في غزة يفترض ان ينعكس تلقائياً وقفاً لإطلاق النار على جبهة لبنان الجنوية، يمهّد للبحث في حل للقضية الفلسطينية، وكذلك لموضوع تنفيذ القرار الدولي 1701 في الجنوب والذي يتولى هوكشتاين مهمة الوساطة فيه ولن يزور لبنان مجددا الا في حال توقّف اطلاق النار في غزة والجنوب، حسبما كان قد أبلغَ الى المسؤولين الذين التقاهم في زيارته للبنان قبل اسابيع على رغم انه زار اسرائيل اخيراً وغادرها خالي الوفاض.
وفي المختصر، إنّ غالبية الافرقاء السياسيين بات لديهم انطباع مفاده انه اذا لم ينتخبوا رئيساً للبنان الشهر المقبل فإن الفراغ الرئاسي سيدوم ويدوم الى ما بعد الانتخابات الاميركية مطلع تشرين الثاني المقبل، ان لم يكن الى ما هو ابعد من ذلك خصوصا اذا لم تتوقف الحرب الاسرائيلية على غزة، سواء بقي بايدن في البيت الابيض او عاد إليه منافسه ترامب مجدداً.
طارق ترشيشي- الجمهورية