خطة أمنية لبيروت؟ المطلوب طوارئ ولا “للأمن بالتراضي”!
في الوقت الذي ضاق فيه المواطنون ذرعاً بالفلتان الأمني الذي إستباح مناطق بيروت الكبرى، وعانوا ما عانوه، ودفعوا أثماناً باهظة في أرواحهم وأموالهم وكراماتهم، نفذت قوى الأمن الداخلي خطة أمنية في أرجاء العاصمة وضواحيها، بهدف وضع حد للتفلت غير المسبوق، الذي بات مصدر تهديد لكل مواطن. مع الاشارة إلى أن تنفيذ الخطة الذي جاء متأخراً، كان مطلباً ملحاً وبإصرار من جميع المواطنين والقيادات والفعاليات البيروتية، بعدما بلغت الجرائم على إختلافها من قتل وإعتداءات وسرقات ونهب وإحتيال، حداً بات أمن كل مواطن في بيروت مهدداً في أي لحظة، خصوصاً مع وجود عصابات “منظمة” من “الشبيحة” تدير تلك الجرائم، وتتمتع بحمايات من جهات حزبية، حتى أصبحت أمراً واقعاً.
من هنا لم تكن مستغربة ردود الفعل العنفية (كتعبير عن سلوك أجرامي) إزاء الخطة الأمنية، من حركات إحتجاجية وقطع الطرق وتعرّض مركز فصيلة المريجة للرمي بالحجارة وإطلاق النّار في الهواء، فضلاً عن مهاجمة وزير الداخلية، وإتهامه بأنه يهدف من وراء الخطة الى تعزيز حظوظه كمرشح لرئاسة الحكومة، إضافة إلى إنتقاد توقيت الاجراءات الأمنية وعدم الاعلان عنها مسبقاً ومن دون إعطاء مهلة للمواطنين لتسوية أوضاعهم القانونية، خصوصاً أصحاب السيارات والدراجات النارية غير المسجّلة، قبل تنفيذها!
صحيح أن عامل المفأجاة والمباغتة الذي إعتمدته قوى الأمن الداخلي، من دون أي إعلان مسبق، كان لافتاً، تبعاً لتقديراتها وتحليلها لما يتوافر لديها من معلومات، إنجاحاً للخطة، لكن الصحيح أيضاً أن عامل المفاجأة في تنفيذ أي عملية أمنية، غالباً ما تستخدمه أجهزة الأمن في مختلف البلدان، مع الاشارة في هذا السياق، الى أن الخطة التي بدأ تنفيذها، لم تكن وليدة ساعتها ولا إرتجالية، بل ان إقرارها تم في وقت سابق من الشهر الماضي خلال إجتماع أمني برئاسة وزير الداخلية، خصص للبحث في ما آلت إليه الأوضاع الأمنية الخطيرة في بيروت وضواحيها، وهدفت إلى توقيف مطلوبين بجرائم مختلفة، وقمع مخالفات مرورية تتضمن حجز السيارات والدراجات النارية المخالفة لناحية الأوراق الثبوتية أو أوراق سائقيها، كذلك شملت المحال التجارية غير المرخصة، وترك تحديد ساعة الصفر لتنفيذها في عهدة قوى الأمن الداخلي.
على الرغم من كل الحملات والشكوك بجدية الخطة الأمنية وفاعليتها، تؤكد مصادر قوى الأمن الداخلي، أن كل ذلك لن يثني القوى الأمنية عن القيام بواجباتها للحفاظ على أمن المواطنين، وأن الخطة الأمنية مستمرة، خصوصاً بعد استفحال موجة السرقات والاعتداءات والجرائم التي أبطالها في قسم كبير منهم من راكبي الدراجات النارية المخالفة، بينهم سوريون ولبنانيون.
في الوقت الذي أعلنت فيه قوى الأمن الداخلي “أن الخطة الأمنية هي لحماية الناس وليس للاقتصاص أو التّشفّي منهم، وأن انخفاضاً كبيراً في الجرائم نتج منها”، وعلى الرغم من عدم كشفها تفاصيل الخطة، فان الملاحظ تركيزها بصورة أساسية على الدراجات النارية غير القانونية، التي كانت موضع شكوى عارمة من المواطنين طيلة الفترة السابقة، لما كان يرتكبه سائقوها من تجاوزات بلغت حد الجرائم المنظمة.
ومع الأهمية القصوى لمعالجة فلتان “زعران الموتوسيكلات”، فإن الفلتان والتسيب الأمنيين في بيروت وضواحيها، أوسع وأشمل وأخطر وأكثر تعقيداً وحساسية من هذا الملف، وأضحى يهدد كل المنظومة الأمنية بأكملها في العاصمة وتخومها من المناطق. لذلك، وبسبب كل التجارب السابقة التي لم تتمكن من تحقيق أهدافها الكاملة، وبعدما إستبيحت العاصمة أمنياً كما لم تشهده منذ عقود، فإن المطلوب لاستتباب الأمن في بيروت وضواحيها، ليس خطة أمنية محدودة و”مبتورة” و”قاصرة”، بل إعلان “حالة طوارئ” أمنية لبيروت الكبرى، لتنفيذ خطة شاملة متكاملة، تشارك في وضعها وتنفيذها جميع الوزارات والأجهزة العسكرية والأمنية مجتمعة، وفي مقدمها الجيش اللبناني، بعد توفير مظلة الأمان السياسي لها، من خلال وضع كل القوى السياسية النافذة أمام مسؤولياتها، خصوصاً في ظل الإنهيار الاقتصادي والاجتماعي المتمادي والمستفحل، الذي يعتبر من أهم أسباب إنتشار الجرائم في أي مجتمع.
ولا يخفى على أحد أن الجهات المشغلة للعصابات، تملك قوة التعطيل والاجهاض لأي خطة، ما لم تشارك فيها كل القوى النظامية، ما يفرض وجوب شمولية مشاركة الأجهزة، لتكون فاعلة وقادرة على تحقيق ما هو معول عليها من إعادة الإمساك بزمام الأمور الأمنية وبسط سلطة الدولة، وذلك لقطع الطريق وإسقاط الذرائع أمام التشكيك بنوايا وخلفيات هذا الجهاز أو ذاك، خصوصاً وأن بعض قادتها متهم بـ”التبعية” لمرجعياته السياسية، شرط أن لا تتحول خطة الطوارئ الأمنية إلى خطة “للأمن بالتراضي” بين المحميات اللاأمنية الخارجة عن سلطة الدولة والقانون، والتي توفر “الحماية الأمنية” للعصبات التي تستبيح الأمن في العاصمة ومحيطها.
زياد سامي عيتاني- لبنان الكبير