برامج تلفزيونيّة محليّة تسوّق لـ “بيع الجنس” علناً: عصابة “التيكتوكرز” لم تنشأ من فراغ!
أين المجلس الوطني للإعلام والوزارات المعنيّة من تطبيق قانون الاتصال الإلكتروني والتلفزيوني؟
تؤدي البرامج التلفزيونية المعروضة على القنوات المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي، دورا بارزا في تشكيل الوعي والسلوكيات لدى الناس في العصر الحديث. لكن في العقد الأخير عمدت بعض المنصات الى بث برامج سافرة، تتناول قضايا تؤذي العائلة والمجتمع وتنسف الخصوصية، وتنشر البغاء عن طريق عرض محتوى غير لائق، يؤثر سلبا في تطور الأطفال النفسي والاجتماعي. فالتحريض على ممارسات جنسية أو العنف أو الانحراف الأخلاقي، يصبح أمرا واردا عندما يتعرض الأطفال لهذه المحتويات دون رقابة أو توجيه.
من ناحية أخرى، تساهم هذه المضامين في تفشّي التحرش والدعارة الإلكترونية، حيث قد يُستغل القصّر والمراهقون عبر “الإنترنت” من قبل أفراد يسعون للاستفادة من براءتهم وسذاجتهم. وتزداد المخاطر مع استخدام القاصرين لوسائل التواصل الاجتماعي دون إشراف، مما يجعلهم هدفا سهلاً للمتحرشين.
علاوة على ذلك، تدفع مشاهدة هذه المؤثرات السلبية بعض الأطفال والمراهقين إلى البحث عن وسائل غير صحية للهروب من الواقع، مثل الإدمان على المخدرات، اذ تبدأ هذه العملية بتأثيرات بسيطة تتراكم مع مرور الوقت، لتصبح مشكلة كبيرة تهدد حياة الشباب ومستقبلهم . لذلك، من الضروري توعية الأهالي والمربين بأهمية الرقابة والمتابعة الدائمة لمحتويات ما يشاهده الأطفال، بالإضافة إلى تعزيز دور الإعلام في تقديم محتوى آمن وتعليمي، يسهم في بناء جيل واعٍ وقادر على التمييز بين الصواب والخطأ.
ماذا يستفيد المواطن من برنامج يفضح الخصوصيات!
وفي هذا الإطار، عرضت منذ بضعة أيام احدى القنوات التلفزيونية المحلية حلقة هزت الرأي العام اللبناني، حيث قام مقدم البرنامج باستضافة سيدة سبعينية تعمل في الدعارة وبيع الجنس، حيث راح يسألها الإعلامي م. بشغف كيف تجذب الرجل. وتحول البرنامج الى مقابلات مع بائعات وبائعي الهوى، الذين يروون قصصهم الشخصية وتجاربهم في هذا المجال. وتحدث هؤلاء بصراحة وأريحية امام أكثر من 4 ملايين لبناني. طبعا القناة التي تواجه صعوبات مالية ضربت عرض الحائط حياة الأطفال، متناسية ما حدث قبل أسابيع مع قصّر كانوا ضحية عصابة منظمة على “التيك توك”، وذلك بهدف زيادة نسب المشاهدة وجذب المشاهدين وعرض حلقة مثيرة للجدل.
إشارة الى ان النظام القضائي يفرق بين البغاء وصناعة الجنس من حيث الترخيص والممنوعات والمسموح به والعقاب لكل منهما.
تبيع نفسها علنا!
بالموازاة، انتقضت السيدة ماري الهبر (ام لطفلين)على هذا النوع من البرامج، وقالت لـ “الديار”: “صدمتني الحلقة التي عرضتها احدى الشاشات المحلية قبل أيام، حيث ظهرت سيدة متقدمة في العمر تروي للناس كيف تبيع نفسها، والمقدم راح يسألها الى اين تذهب وكم تتقاضى وماذا تفعل؟
واضافت الهبر “لا اعرف ماذا استفادت هذه السيدة وما هي المؤازرة التي قُدمت لها، لكن الإعلامي ساعدها لتسوّق نفسها أكثر وعلنا، وقد سمعنا كلمات جدا بذيئة وثقيلة على آذاننا، فمن غير المسموح ان يشاهد أطفالنا مثل هذا المحتوى، الذي يخالف المفاهيم البشرية والانفتاح”.
التشريعات
وفي هذا السياق، دعا مصدر في المجلس الوطني للإعلام عبر “الديار” الى “تنظم القوانين واللوائح البث الإعلامي والمحتويات التلفزيونية، وذلك بقصد حماية المجتمع من المضامين غير المناسبة، والتي غالبا ما تكون تحت إشراف المجلس. فالقوانين تمنع نشر الافكار التي تشتمل على فحش أو مواد إباحية، أو تروج للعنف أو الفساد الأخلاقي. بالإضافة الى لوائح تحصّن الأطفال من التعرض لآراء لا تجاريهم، بما في ذلك تحديد أوقات بث معينة لحلقات البالغين. وتطالب التشريعات القنوات التلفزيونية بتقديم مواد اعلامية تتمشى مع القيم الأخلاقية، وتحمل مسؤولية اجتماعية تجاه المشاهدين”.
واشار المصدر الى انه والى جانب ذلك، “تضبط القوانين الخاصة بالإعلام عملية اذاعة البرامج، كقانون حماية الأطفال من المضمون الإعلامي الضار، الذي ينص على ضرورة حفظهم من المعلومات الضارة، عبر تحديد ساعات بث محددة للمحتوى البالغ والتصنيفات العمرية. وقانون الاتصالات الإلكترونية الذي ينسّق استخدام وسائل الاتصالات الإلكترونية وتكنولوجيا المعلومات في لبنان، بما في ذلك “الإنترنت ” ووسائل التواصل الاجتماعي”.
قنواتنا فقيرة!
من جهتها، اعتبرت الاختصاصية النفسية الدكتورة ماري شاهين “ان الاعلام يؤدي دورا في تنمية أفكار المجتمع من جهة، والتلاعب بالناس من جانب آخر. ويترجم هذا الأداء الخطر من خلال البرامج البذيئة والمسلسلات التافهة، التي تتناول قضايا مهمة كالتحرش الجنسي، وتحاول معالجتها ببساطة وخفّة”.
وأكدت لـ “الديار” ان “الاستخفاف الذي نراه في حل هذه المسائل مخيف، ويجب حظر البرامج الحوارية التي تفتقد الغرض الأخلاقي، وغايتها فقط استقطاب الجمهور الواسع، اذ كلما كانت الفضيحة “بجلاجل” وكبيرة تضاعف عدد المشاهدين، مثل الحديث عن تشريع العلاقة الجنسية قبل الزواج او بيع الجسد. لذلك انا اسأل اين الرقابة الإعلامية من كل ما يقدم للناس وأين شرطة الاخلاق”؟
واضافت “لا نعرف اين هي الجهة المعنية والمسؤولة عن مراقبة “الفيديوهات” التي كانت تنشرها “عصابة التيكتوكرز” على مواقع التواصل، ولا سيما ان أطفالا تتراوح أعمارهم بين الـ 3 و4 سنوات يشاهدون على هذه المنابر مشاهد جنسية، ويتأثرون بسماع الاخبار الحميمية التي تحرك المشاعر، وللأسف الطفل وان كان واعيا يبقى بريئا ويحب الشهرة”.
وأشارت الى ان ” تسليط الضوء حاليا يكون على الحدث لا على نتائجه او الحالة النفسية، فمواقع التواصل تجرد الشخص من خصوصيته، وكل ما يفعله يجب ان يخرج الى العلن، وهذا يشجع على التمادي في ممارسة التصرفات اللاأخلاقية”.
وختمت “الأطفال يكبرون بسرعة، وهناك أطراف تسعى الى تضييع براءتهم، لذلك يجب ان يمنع الاهل أولادهم من مشاهدة البرامج غير الثقافية، لان الهدف من المحتوى الذي يوجّه الانظار الى غلط ما، هو تحقيق الأرباح المادية. فالأطفال لا يملكون دفاعات قوية، وهذه الأفكار لا تعلمهم القيم والأخلاق وكيف يجب ان يبنوا دفاعاتهم الذاتية”.
سفاهة وانحراف!
من جانبها، قالت الاختصاصية الاجتماعية الدكتورة مي مارون لـ “الديار”: “تكاثرت البرامج الفارغة والسطحية وغير التربوية، سواء التي تذاع عبر التلفاز او مواقع التواصل. فصحيح ان الوسيلة هي الرسالة، لكن عندما نفكر بحرية الاعلام عندئذ لا يمكن منع القناة من عرض أي مضمون، وانما تفعيل القوانين المتعلقة في هذا القطاع. ففي الخارج مثلا يضعون هذه الملاحظة في أسفل الشاشة او قبل عرض البرنامج، “يمنع دخول المشاهدين الأقل من 18 او 14 او13 عاما، المحتوى يتضمن مواضيع أكثر نضجاً، وقد يحتوي على مشاهد عنيفة جدا، والعنف المنزلي، أو مواضيع سياسية”.
وتابعت “يضرب الفساد كافة القطاعات في ظل غياب المراقبة على الكتب و”الفيديوهات” التي تنشر الكترونيا، وجميعنا سمعنا بالجماعة المنظمة التي تغتصب الأطفال على “تيك توك”، وهذه الجرائم الفظيعة خطرة وتؤثر سلبا في تقدم المجتمع. لذلك يجب الاستمرار بملاحقة المتورطين ومحاسبتهم، بما في ذلك تعديل او سن قوانين جديدة مثل كل دول العالم، على ان تشمل المحاسبة كل من يتحدث بلسان الطائفية والعنصرية او القتل او المجاهرة بالعهر”.
وختمت مارون، المسؤولية تقاطعية ما بين المدرسة والمجتمع والمؤسسات الاجتماعية، لكن الاهل هم المعنيون اولا بمراقبة طفلهم والتحلي بالوعي”.
ندى عبد الرزاق- لبنان الكبير