إهدار الفرص في انتظار الترياق: إغراق بيان الخُماسية بالسّجال… بدل الإنتخاب
كأن الفرقاء اللبنانيين يتقصّدون التفسيرات الإفتراضية لبعض المواقف الخارجية حيال الأزمات الداخلية المتعددة، بهدف ابتداع سجال خارج عن الموضوع الرئيسي.
إنه إحدى وسائل الإلهاء التي اعتاد المسرح السياسي عليها في عملية تقطيع الوقت أو إضاعته أو إهدار الفرص في انتظار الترياق، تارة من الخارج وأخرى من عجيبة ما قد تحصل في الداخل. أي في انتظار الغيب. وهو انتظار لا يدل سوى على الخواء الذي تتصف به الحياة السياسية.
بذلك تُغرق التفسيرات للمواقف الخارجية الساحة السياسية والإعلامية بسجال لا طائل منه، حول افتراضات وتكهنات، فيضيع الموضوع الجوهري والأساسي لمواقف الدول المعنية.
آخر فصول إضاعة البوصلة كان التعليقات حول بيان اللجنة الخماسية المعنية بتسريع إنهاء الشغور الرئاسي، الذي وجد فيه كل من الفرقاء المحليين الرئيسيين ما يدعم وجهة نظره ويعزز موقفه.
أبرز المفارقات ظهر كالآتي:
– أن البيان وضع مهلة لانتخاب الرئيس آخر الشهر الجاري. إلا أن قراءة النص لا توحي بتبني الدول الخمس أي مهلة على الإطلاق، على رغم أن النقاشات التي سبقت اجتماعها في السفارة الأميركية الأربعاء الماضي، شملت دعوة اللجنة إلى وضع جدول زمني لتحركها لأسباب عملية بهدف حث المسؤولين اللبنانيين على سرعة التحرّك وعدم انتظار تطورات خارجية. إلا أن البيان اكتفى بالإشارة إلى أن محادثاتها مع «الكتل النيابية أظهرت أنها متفقة على الحاجة الملحّة إلى انتخاب رئيس للجمهورية، ومستعدة للمشاركة في جهد متواصل لتحقيق هذه النتيجة، وبعضها مستعد لإنجاز ذلك بحلول نهاية شهر أيار 2024». وهو أمر مختلف عن وضع مهلة. وتاريخ نهاية الشهر الجاري نسبه البيان إلى «بعض» الكتل النيابية. وحسب مصادر دبلوماسية أنه ليس مناسباً إعلان الدول الخمس عن تاريخ يجب انتخاب الرئيس قبله لسببين الأول مبدئي يتعلق بالسيادة اللبنانية حيث يعود القرار للبنانيين وللبرلمان، والثاني أنه في حال لم تلتزم الكتل أو بعضها بذلك التاريخ سيكون ذلك إفشالاً لهذه الدول. وهذا سيرتّب عليها اتخاذ موقف حيال الذين أخلّوا بالمهلة المحددة من قبلها.
– أن الخطأ في تفسير المهلة، استتبع خطأً آخر هو افتراض بعض الأوساط أن اللجنة تهيّئ لإصدار عقوبات ضدّ من يخلّون بها، فقفزت الإستنتاجات بأن اللجنة تهيّئ بذلك لإصدار عقوبات ضد من يعرقلون انتخاب الرئيس. لكن واقع الأمر، كما تقول مصادر دبلوماسية أن التلويح قبل أشهر بفكرة فرض عقوبات أوروبية أو أميركية على من يعرقلون إنهاء الشغور الرئاسي وإعادة تكوين السلطة، خضع لتقييم في العواصم الرئيسة ولا سيما واشنطن وباريس انتهى إلى الاقتناع بعدم فعالية إجراء من هذا النوع. فإذا كان المقصود بذلك «الثنائي الشيعي» وحلفاءه، فهذا إجراء عبثي يعقد الأمور ولا يسهّلها. وبالتالي فإن العقوبات ليست في حسابات الخماسية في بيانها الأخير.
– أن التوقّعات بأن تجرى جولة جديدة من الإتصالات من قبل اللجنة الخماسية، إما في شكل جماعي أو إفرادي، تمهد لإعلان مواصفات الرئيس العتيد كي تختار الكتل على أساسها اللائحة المصغرة التي تذهب بها إلى جلسة مفتوحة بدورات متتالية، لانتخاب الرئيس، تخالف تلك التي تحدثت عن انتظار حضور الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان. والإحتمالان يخالفان مضمون بيان الخماسية الأخير الذي حدّد خريطة طريق ومواصفات الرئيس في الوقت نفسه. فاستعادة بيان اللجنة في اجتماعها الأخير، فقرات من نصّ بيان سابق بعد اجتماعها في الدوحة في تموز من العام الماضي تذكير بتلك المواصفات الدقيقة التي وضعتها الدول الخمس عند اجتماعها في العاصمة القطرية.
– التباعد المعروف بين المعارضة وبين حلفاء «حزب الله» حيال إصرار «الثنائي الشيعي» على الحوار شرطاً للدعوة إلى جلسات الانتخاب، الذي حمل لودريان منذ أشهر على ابتداع صيغة المشاورات، غرق في التفاصيل أخذاً ورداً في الأشهر الثلاثة الماضية حول من يدعو لهذه المشاورات ومن يترأسها. بيان اللجنة ترك هذه النقطة مبهمة ليتفق الفرقاء عليها، عبر تبنيه فكرة التشاور بحيث يرضي ذلك «الثنائي»، ويترك مسألة الدعوة للمبادرات الداخلية عبر إشارته لمبادرة كتلة «الإعتدال الوطني» التي كانت أبدت استعداداً لتولي مهمة الدعوة. هذا فضلاً عن أن رئيس البرلمان نبيه برّي مصرّ على مبدأ الدعوة إلى عدة جلسات (كل 24 ساعة) بدورات متتالية في حال لم يُنتخب الرئيس في جلسة واحدة تتخللها دورات عدة. وهذا أيضاً يحتاج إلى الحسم بين الفرقاء السياسيين، ويمكن أن يستمر السجال حوله إلى ما لا نهاية.
الخلاصة أن الخماسية، التي يرى سفراؤها وجوب فصل مسألة الشغور عن الحرب الدائرة في غزة، احتاطت مرة أخرى لإمكان فشلها، لأن توقيت ملء الفراغ الرئاسي لم يتضح بعد.
وليد شقير- نداء الوطن