إسرائيل تمضي في «حرب الاغتيالات»… و«الحزب» يكشف عن «أنياب» جديدة وأميركا وإيران تعاودان «ضبْط إيقاع» الجبهة!
من قلب التصعيد الذي يتدحْرج مع الضربات الاسرائيلية التي تتكثّف في البقاع اللبناني وضدّ أهداف في عمق الجنوب بعيدة جداً عن خطوط المواجهة الأمامية، ومع «إزاحةِ الستارة» المتوالية من «حزب الله» عن مزيدٍ من الأسلحة والمنظومات النوعيّة التي «تركت الجيش الاسرائيلي والقيادة الشمالية والسياسية بأفواه مفتوحة»، يزداد حَبْسُ الأنفاسِ على ما بات جبهةً «مكتملة المواصفات» تُخاض عليها حربٌ بكل أنواع الأسلحة والتكتيكات، ما خلا التوغّل البري، ويبدو انتقالُها من وضعية «المحدودة» إلى «الشاملة» رَهْنَ حساباتٍ دقيقة لطرفيْها وضغوطٍ تمارسها واشنطن على تل أبيب كما ثباتِ طهران على قرارِ عدم التورط بصِدامٍ كبير أو التفريط بـ «الاحتياط الاستراتيجي» الذي يشكله الحزب لمحور الممانعة عموماً ولإيران خصوصاً.
استهدافات إسرائيلية “عميقة”
وفيما كانت إسرائيل تَمْضي باستهدافاتِها «العميقة» التي شملت أمس، قيادياً في «حزب الله» ومرافقه كانا في سيارةٍ أطبقتْ عليها مسيَّرة قرب نقطة المصنع الحدودية بين لبنان وسورية (البقاع) وتحديداً قرب حاجز للفرقة الرابعة في الجيش السوري بمنطقة الديماس في ريف دمشق (إلى جانب استهداف مسيَّرة لدراجة نارية في الناقورة أصيب على أثرها الراكب بجروح)، في مقابل تنويع الحزب في عملياته وأبرزها بالمسيَّرات الانقضاضية، تطايرتْ الأسئلةُ حول أفق «الحرب المحدودة» التي لا تنفكّ تتمدّد ليبقى بينها وبين الحرب الشاملة استهداف تل أبيب لمدن لبنانية «في ذاتها» وضرْب بنى تحتية وتصويب «حزب الله» فوهاته على ما يماثل ذلك في الشمال وما هو أبعد.
وما عزّز المخاوفَ غداة اغتيال اسرائيل قيادياً في «حماس» هو شرحبيل السيد وشخصاً آخَر كان معه كُشف أنه محمد رمضان (وُصف بأنه من اللصيقين برئيسها في الخارج خالد مشعل) وذلك بغارة على سيارتهما في مجدل عنجر (قرب نقطة المصنع)، وأيضاً استهدافها كادر في «حزب الله» هو حسين خضر مهدي في بلدة النجارية (قضاء صيدا)، هو الخشيةُ من أن يُفضي الارتقاءُ المتمادي بالعمليات المتبادلة في الجغرافيا ونوعية الأسلحة المستخدَمة إلى تَفَلُّتَ هذه الجبهة من الضوابط بواحد من أمرين: الأول بعد «استنفاذ الفرص» لمسارِ ديبلوماسي يُراد أن يحافظَ على المستوى نفسه من السخونة ريثما تتوقف حرب غزة فتكون التهدئة وفق مندرجاتٍ «محدّثة» للقرار 1701 باتت قيد التداول. والثاني بفعل قرارٍ اسرائيلي على قاعدة «إذا ما كبرت ما بتصغر».
“ثمن باهظ”
وفيما كانت وسائل إعلام إسرائيلية تعلن أمس، أنه «منذ بداية الحرب سقط لنا في الشمال 20 قتيلاً وفي الأسبوعين الأخيرين 4 قتلى وهذا ثمن باهظ جداً»، وأن تفعيل «حزب الله المسيّرات يشكل تحدياً هاماً جداً لمنظومات الكشف التابعة لسلاح الجو الاسرائيلي»، استوقف أوساطاً سياسية موقفان:
• الأول الذي عبّر عنه وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أمام الجنود المتمركزين على الحدود مع لبنان حيث لمح إلى أن «العملية العسكرية ضد حزب الله هي مسألة وقت فقط»، معلناً أنه لم يأت إلى الحدود الشمالية «هباء (…) ونحن ملزمون بالاستعداد لكل احتمال»، ولافتاً في الوقت نفسه إلى أنّ إسرائيل «تريد استنفاد كل فرصة» لإعادة سكان مستوطنات الشمال إلى ديارهم «بالاتفاق»، ومضيفاً: «نعلم أنّ للحرب أثماناً ونفضّل تجنُّبها، لكن علينا أن نأخذ في الاعتبار أنّ هذا الأمر يمكن أن يحدث، وأن نستعد له».
• والثاني أميركي نقلته قناة «العربية» عن مسؤول أميركي قال إن «إدارة الرئيس جو بايدن نجحت بالضغط بما فيه الكفاية على إسرائيل لعدم شنّ حرب شاملة في لبنان»، كاشفاً «نستعمل كل القنوات لإيصال هذه الرسائل إلى الطرفين»، وملمحاً إلى أن الأميركيين يحاولون قدر الإمكان إيصال هذه الرسالة إلى حزب الله عن طريق التصريحات والبيانات «فيما نفهم أيضاً أن الإدارة الأميركية استعملت القنوات الديبلوماسية الإضافية مثل السفارة السويسرية في طهران والدول الوسيطة مثل عُـمان وقطر وغيرها لإيصال هذه الرسائل إلى الإيرانيين».
وأشار إلى «أن المعادلة الحالية تقوم على أن إسرائيل قادرة على شنّ هجوم شامل، وإلحاق ضرر ضخم بحزب الله، وربما بالبنية التحتية اللبنانية، لكن الحزب الذي يزيد من خطواته القصيرة، ليس قادراً بالفعل على شنّ حرب مماثلة، والقدرات القتالية بين الطرفين غير متكافئة”، لكن “ما يفعله الطرفان هو التسويق لجمهوره بأنه قادر وقوي»، مشدداً على أن «إسرائيل ولا حزب الله يريدان الآن الدخول في حرب مفتوحة» ولذلك يتأنّى الطرفان في ما يفعلانه وهما يبقيان التوتر قائماً من دون تخطي الخطوط.
ولاحظ «أن المواجهات لم تتخطَ القصف والردّ عليه، ولم تصل إلى ضرب إسرائيل قدرات حزب الله، ولم توجّه له ضربات هدفها تعطيل التنظيم التابع لإيران»، معرباً عن القلق من أن استمرار هذا الواقع ربما يؤدي إلى انفجار الأوضاع بين الطرفين» ولذلك تسابق الولايات المتحدة التصعيد بمحاولات التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل ولبنان على قضايا الحدود وتطبيق القرار 1701 لكنها حتى الآن لا تستطيع القول إنها حققت تقدّماً، ومبدياً تفاؤلاً يرتكز على ما قاله المبعوث الخاص عاموس هوكستين الذي يضطلع بوساطة بين لبنان واسرائيل من «أن هناك إمكانية كبيرة للتوصل ألي حلول».
«ردّ التحية بمثلها»
وعلى وقع السِباق المحتدم بين الديبلوماسية والميدان مضت اسرائيل في اعتداءاتها التي باتت ترتكز أكثر على الاغتيالات، في موازاة «ردّ التحية بمثلها» من حزب الله تحت سقف الإصرار على ربْط جبهة الجنوب بحرب غزة ورفْضِ أي سياقاتٍ تَفترض أن لإسرائيل أفضلية على «الطاولة»، انطلاقاً من تفوّقها العسكري، وهو ما يسعى إلى تبديده وتقويضه مع كل عملية يظهر فيها «أنياباً جديدة»- ترتبط أيضاً بقرارِ محور الممانعة التصعيد المتوازي في مختلف الساحات (العراق واليمن ولبنان) لإعلانِ أن «حماس» ليست قاب قوسين من «الانهيار» في غزة.
ففي موازاة الغارة الإسرائيلية في منطقة المصنع والتي قيل بدايةً إنها لم تنجح في اغتيال مَن كانا داخل السيارة قبل أن تشير وسائل إعلام سورية إلى «مقتل مَن فيها»، واستهداف دراجة نارية في الناقورة وقصْف عدد من البلدات الجنوبية، أعلن «حزب الله» عن سلسلة عمليات بينها ضد موقع راس الناقورة البحري وأخرى استهدفت «التجهيزات التجسّسية في موقع الرمثا»، وثالثة «تموضعاً لجنود إسرائيليين داخل غرفة في ثكنة راميم بمحلّقة هجومية انقضاضية أصابتها بشكل مباشرة، والمنظومات الفنيّة والتجهيزات التجسّسية في موقع الراهب بالأسلحة المناسبة»، ورابعة «مقر قيادة كتيبة ليمان».
وعند ساعات الصباح الأولى، دوّت صفارات الإنذار لخمس مرات متتالية في 15 مستوطنة إسرائيلية في سهل الحولة والجليل الأعلى، بينها كريات شمونة، للاشتباه في تسلّل مسيّرة من لبنان.
وكان «حزب الله»، شنّ الجمعة هجوماً جوياً بعددٍ من المُسيّرات الانقضاضية على مقر كتيبة المدفعية في جعتون شمال إسرائيل، كما استهدف قاعدة تسنوبار اللوجستية في الجولان المحتلّ بـ50 صاروخ كاتيوشا.
الراي الكويتية