الردّ اللبناني على الورقة الفرنسيّة المعدّلة انطوى على 13 ملاحظة: ماذا بعد؟
أما وقد كشف المعاون السياسي للرئيس نبيه بري في الساعات الأخيرة أن الرد اللبناني على الورقة الفرنسية الثانية المعدلة الذي أعدّه رئيس المجلس بعد تسلمه تلك الورقة قد صار في عهدة وزارة الخارجية الفرنسية بعدما سلم الى قصر الصنوبر في بيروت قبل نحو 36 ساعة، فإن ثمة مقربين من عين التينة بادروا متصلين بهم بالقول: بتنا نقيم على شعور بأننا نجحنا باستيعاب الهجمة الفرنسية الديبلوماسية وامتصاص مفاعيلها، كما استطعنا في السابق استيعاب الهجمة الاميركية المماثلة.
وبذا، يضيف هؤلاء، تكون كل من واشنطن وباريس قد أودعتا بري رؤاهما بالنسبة للوضع على الحدود الجنوبية حاضراً ومستقبلاً، ونكون نحن استطراداً قد أدّينا من جهتنا واجبنا وبدونا مرنين وإيجابيين ومنفتحين على التفاوض والبحث عن تسويات وترتيبات حدودية يصار الى عرضها على بساط البحث والنقاش.
وقياساً على هذا الاستنتاج فإن أوساط عين التينة صارت على شبه يقين بأن موفدي العاصمة الفرنسية يتعيّن أن يأخذوا استراحة يديرون فيها ظهورهم على غرار ما أقدم عليه الموفد الأميركي آموس هوكشتاين الذي توارى عن المشهد والحراك منذ آخر زيارة له لبيروت قبل نحو ثلاثة أشهر.
وفي تقدير تلك المصادر إن هوكشتاين غادر الصورة بعدما أيقن أمرين:
الأول أن الأفكار العريضة التي حملها الى من يعنيهم الأمر في العاصمة اللبنانية قد صارت في عهدة الرئيس بري الذي طواها في أدراج مكتبه بانتظار اللحظة المناسبة لإعادة فلشها من جديد.
الثاني أن هذه الأفكار هي في نهاية المطاف معيارية ومرجعية لا يمكن لبيروت أن تضرب الصفح عنها وتتجاهلها.
أما بالنسبة للعرض الفرنسي الوارد حديثاً في الورقة الثانية المعدلة وفق التوصيف الفرنسي، فإن المصادر نفسها ترى أنه جرى أيضاً تجميدها وتبديد وهجها وألقها وكبح اندفاعة واضعيها ومروّجيها وإقناعهم تالياً بأن هذه الاندفاعة إنما هي عديمة الجدوى والنفع حالياً وذلك من خلال واقعين:
الاول فضح مضامين تلك الورقة وخطوطها العريضة ولو تسريباً، وتظهير أن الوارد فيها يدحض تلقائياً زعم باريس أنها ورقة معدّلة تخلو من الانحياز البادي في الورقة الفرنسية الأولى خصوصاً أنها (الورقة المعدلة) وفق ما كشف تنطوي على ثلاث نقاط تدرك باريس نفسها أن لبنان الرسمي لا قبل له بترويجها وأن “حزب الله” لن يبدي أي تجاوب معها إطلاقاً. وهي:
– تراجع كل الوحدات المقاتلة في “حزب الله” الى ما وراء “الحافة الحدودية” أي خط القرى الأمامية.
– إعادة الحديث عن “المنطقة العازلة” في الجانب اللبناني من الحدود لتكون بإمرة الجيش اللبناني وقوة “اليونيفيل” بعد تعزيزهما ورفدهما بمزيد من العديد والعتاد.
– والمثير لمساحة أكبر من الاهتمام أن الورقة الفرنسية قد خلت من أي ذكر لعبارة “التنسيق” بين الجيش اللبناني وقوة “اليونيفيل” عندما تقرّر الأخيرة تحريك دورياتها في منطقة عملياتها المنصوص عليها بالقرار 1701 وربما في خارج تلك المنطقة، وهو ما يكرّس المطلب الذي طالما أصرّ لبنان على رفضه منذ أن طرح قبل نحو خمسة أعوام والذي يعطي بالمضمون حرية الحركة التامة والمنفلتة من أي قيود لدوريات اليونيفيل ويكرّس تعديلاً في مضامين القرار الأممي المتخذ في عام 2006 توطئة لإرساء قواعد اشتباك جديدة تعد بمثابة أمر واقع.
ومهما يكن من أمر فإن مصادر على صلة بالحزب تذكر أن الحزب قد استقر في الآونة الأخيرة على قراءة فحواها أن كل الجهود الأميركية – الأوروبية التي بُذلت منذ الثامن من تشرين الأول الماضي لتحقيق هدف معلن وهو الفصل بين جبهة الحدود الجنوبية التي يقود العمليات فيها “حزب الله” وبين جبهة #غزة حيث تتصدّى حركة “حماس” لقيادة المواجهات مع آخرين، قد تبدّدت وذهبت أدراج الرياح. والأهم أن الحزب صار أخيراً أميل الى تبنّي فرضية أن واشنطن وباريس اللتين بدتا الأكثر جموحاً وطموحاً للوصول الى تحقيق الفصل المنشود بين الجبهتين الساخنتين، أوشكتا على الاقتناع بضرورة أخذ استراحة المحارب وتالياً إعادة النظر في حساباتهما على الأقل بالنسبة للجبهة الجنوبية.
وفي هذا الصدد يؤكد العميد المتقاعد الياس فرحات “أن ثمة جهوداً ديبلوماسية جادة وحثيثة قد بذلت خلال الأشهر السبعة الماضية مقرونة بضغوط وتهديدات وخصوصاً من جانب واشنطن وباريس بقصد بلوغ هدفين معاً أو واحد منهما:
– وقف عاجل لكل الأنشطة العسكرية على الحدود بين لبنان وإسرائيل كمدخل لازم للفصل بين الجبهتين – أو الحصول على تعهد من لبنان و”حزب الله” خصوصاً بوقف طويل للأنشطة العسكرية على الحدود على غرار ما جرى بين عام 2000 وعام 2006 وبين 2006 والأمس القريب، على أن يلي ذلك بدء البحث بالترتيبات الأمنية الحدودية.
وليس خافياً أن السعي الغربي كان ولا يزال لتحقيق هذا الهدف المبدئي حتى قبل أن تضع الحرب على غزة أوزارها، فيتحقق اتفاق مبدئي جديد جاهز للتنفيذ فور وقف النار في غزة”.
وبمعنى آخر، يضيف العميد فرحات، إن هذا المسعى الذي بدأ باكراً جداً وتصاعد لاحقاً واقترن كما هو معلوم بموجة عارمة من التهديدات والتلويح بالعصا الإسرائيلية الغليظة وكان مشفوعاً بتهديدات وتهويلات من عواصم شتى، يمكن الاستنتاج أنه أخفق مبدئياً أو على الأقل فقد بريقه ووهجه الأول، بدليل غياب الاندفاعة الأميركية وموفدها هوكشتاين، وبدليل الإحباط الفرنسي الأخير الذي تجلى بقرار إرجاء عودة الموفد الفرنسي الشهير جان إيف – لودريان الى بيروت كما سرى منذ وقت وخصوصاً بعدما تلقت باريس الرد اللبناني على ورقتها المعدّلة.
وأشار فرحات إلى أن هذا الرد السريع نسبياً قد انطوى على 13 ملاحظة لبنانية، مما يعني رفضاً مبطناً وديبلوماسياً مهذباً. وخلص الى الاستنتاج أن ثمة مرحلة من الجهود والمساعي الديبلوماسية الأميركية – الأوروبية قد استنفدت نفسها وأغراضها، ونحن بالتالي ننتظر لنعرف ماذا بعد من خيارات في جعبة الموفدين والرسل.
ابراهيم بيرم – النهار