صراخ سكان شمال إسرائيل يحمل في طيّاته مخاطر كبرى: على لبنان أن يستعد لحرب “لا تُبقي ولا تَذَر”!
وصلت الضغوط الشعبية في شمال إسرائيل على حكومة بنيامين نتنياهو الى مستويات غير مسبوقة، فالتنظيمات التي تشكلت في منطقة تعاني من حالة حرب حقيقية، منذ الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، تاريخ انضمام “حزب الله” رسميًّا إلى “طوفان الأقصى”، توحّدت، في الأسابيع القليلة الماضية، من أجل فرض تصوّر مشترك لمستقبل هذا الشمال العسكري والأمني!
ومن خلال هذه التنظيمات، يتحدث سكان شمال إسرائيل عن واقع “بائس جدًا”، ويصرّون على وجوب تغييره بسرعة، ويرفضون تمديد “حالة الطوارئ” لمهلة تتعدى الأوّل من أيلول( سبتمبر) المقبل، تاريخ افتتاح المدارس، بعد انتهاء العطلة الصيفية. وقد ثار هؤلاء ضد رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو، عندما نقلت عنه وسائل الإعلام العبرية، قوله للوزراء الذين طالبوه بدراسة الخطط العسكرية الخاصة بشمال إسرائيل إنّ “الأوّل من أيلول( سبتمبر) ليس نهاية العالم. يمكن أن نمدد الوضع الحالي في الشمال، لأشهر عدة بعد أيلول، فالدنيا لن تخرب”.
وفي تعليقهم على موقف نتنياهو هذا، ينضم سكان شمال إسرائيل الى شرائح كبيرة في المجتمع الإسرائيلي تحمّل سياسة نتنياهو مسؤلية كبيرة عن هجوم “حماس” في السابع من تشرين الأول ( أكتوبر) على غلاف غزة، في جنوب الكيان العبري، ذلك أنّ التساهل مع “حماس” حشد قواها، بداية وشجعها، لاحقًا على شنّ الهجوم الذي لم تعرف إسرائيل مثيلًا له.
ويضغط سكان شمال إسرائيل، من أجل حلّ سريع، يتجاوز ما يطرحه الوسطاء الدوليّون، فهم يعتقدون بأنّ النهج الذي اتبعته الدول التي وقفت وراء تنفيذ القرار 1701، منذ صدوره في العام 2006، وسكتت عليه إسرائيل، قد أدى الى “الكارثة التي ألمّت بهم منذ الثامن من أكتوبر الماضي”.
ويرى هؤلاء أنّه تحت أعين الجيش اللبناني واليونيفيل ومراكز الرصد الإسرائيلية، تمكن “حزب الله” من إنشاء قدرات هجومية غير مسبوقة، يهدد بها، كل يوم شمال إسرائيل ويوقع الخسائر البشرية والمادية، وهو، في حال استمر هذا النهج، قادر، في أي وقت يريد، في المستقبل القريب، على شن هجوم أقوى بعشر مرات من هجوم “حماس” ضد غلاف غزة.
ماذا يريد هؤلاء؟
إنّ المتابعة الدقيقة لتحركات التنظيمات في شمال إسرائيل تُظهر بأنّها تعبّر عن رأي عام يريد حربًا ضد جنوب لبنان، شبيهة بتلك الحرب ضد غزة، بهدف فرض تنفيذ “آمن” للقرار 1701، بعدما تبيّنت استحالة سحب “حزب الله” الى ما وراء شمال نهر الليطاني، بالدبلوماسية.
وفي اعتقاد هؤلاء، فإنّ “حزب الله” بات يمتلك المنازل القريبة من الخط الأزرق، بحيث إذا تمّ توفير انسحابه عسكريًّا، فسوف يعود بلباس مدني. وفي رأيهم، إنّ العمل الجذري وحده كفيل بحل هذه المعضلة، وإخراج شمال إسرائيل من الخطر العسكري المتدثر باللباس المدني.
ولا ترى المنظمات الأهلية المنبثقة من سكان شمال إسرائيل أنّ الأوراق الدبلوماسية المعروضة على الحكومة الإسرائيلية كفيلة بإزالة الخطر الدائم، ولذلك يفرض الحل العسكري نفسه، وهم، من أجل تحقيق ذلك، يثقون بقدرات جيشهم الذي يثنون على ما ينجزه على الجبهة الشماليّة، ولكنّه، غير كاف بمواجهة تنظيم، مثل “حزب الله”، يملك القدرات الكافية لاحتواء “الخسائر التكتيكية”.
ولكنّ سكان شمال إسرائيل يتعاطون بتشكيك كبير مع نيّات حكومتهم، فهي، وفق أدبياتهم، تتعاطى معهم بإهمال كبير، وتعتقد بأنّها قادرة على تهميشهم، بسبب تواجدهم في أطراف البلاد، وبالتالي، فهي، وعلى خلاف ما تنطق به، موافقة ضمنيًّا على إعادة الحال في الجبهة الشمالية الى ما كانت عليه في السادس من تشرين الأول ( اكتوبر) الماضي، الأمر الذي يشجع “حزب الله”، برأيهم، على التمادي في حربه ورفضهم كل الحلول المعروضة على لبنان، لمنع نشوب حرب واسعة!
وفي الخطط التي وضعتها منظمات الشمال الإسرائيلي للضغط على حكومتهم من أجل الدفع بها للذهاب الى حيث يطمحون في لبنان، إمكانية إعادة عدد كبير من السكان المدنيين الذين جرى إجلاؤهم، الى منازلهم وبلداتهم، وتحميل الحكومة عبء توفير ما يلزم من حماية أمنية لهم. وفي اعتقاد هذه التنظيمات أنّ الحكومة الإسرائيلية المرتاحة حاليًّا على وضع مدنيّي الشمال، سوف تكون، في واجهة المسؤولية، إن سقط ضحايا من بينهم، وتاليًا، فهذا سوف يضطرها الى وضع ملف الشمال في أولويّة اهتمامها، وهي التي ترميه، في اعتقادهم، خارج جدول اهتماماتها!
قد يبتهج الموالون لـ”حزب الله” بهذا الصراخ الصادر عن سكان شمال إسرائيل- وهو لو قُدّر حريّة إطلاقه لأبناء الجنوب اللبناني لامتلأت الدنيا بأنينهم وآلامهم- ولكنّ هذه البهجة “فانية”، لأنّ صراخ هؤلاء السكان ليس مجرّد تعبير عن أوجاع آنية بل له أهداف أبعد من ذلك، إذ يندرج في إطار أخطر آليات الضغط، ليس على الحكومة الإسرائيلية لدفعها الى اتخاذ قرار بشنّ حرب واسعة ضد لبنان، فحسب بل على الولايات المتحدة الأميركية التي تحول حتى تاريخه، دون السماح بشّ حرب مماثلة، أيضًا!
ومن يدقق في ما يقوله الدبلوماسيّون للمسؤولين اللبنانيّين، يُدرك أنّ صراخ سكان شمال إسرائيل، هو العامل الحاسم الذي يجعلهم على قناعة راسخة بأنّ لبنان في حال لم يسارع الى الموافقة على ترتيبات عسكريّة جديدة في الجنوب، عليه أن يستعد لحرب “لا تُبقي ولا تَذَر”!
فارس خشان-النهار العربي