محاولات لاكتشاف جسم خفي على حافة نظامنا الشمسي
ملخص
بحث علمي جديد وضع خلاصات إحصائية حاسمة عن موقع الكوكب التاسع الذي يرجح أن يظهر لعدسة تلسكوب سيركب خلال الصيف المقبل
في أعماق نظامنا الشمسي وراء كوكب نبتون وحتى أبعد من ذلك، ثمة قطعة من الفضاء تستمر في كونها لغزاً إلى حد كبير، وفي زمن بتنا نستطيع فيه تفحص كواكب سيارة تبعد عنا ملايين السنوات الضوئية، ننجذب إلى التفكير بأننا أنجزنا اكتشاف نظامنا الشمسي وأرجاءه المجاورة لنا، ووضعنا خرائط مفصلة عنه.
ولكن الأمر ليس كذلك، وهناك ما يسمى “الأشياء المتطرفة العابرة لنطاق نبتون” extreme trans-Neptunian objects، واختصاراً “إي تي إن أو” ETNO التي تبعد من الشمس مسافة تفوق ما يفصلنا عن الأخيرة بـ 250 مرة. (تعتبر تلك المسافة قريبة مقارنة مع ’سحابة أورت‘ التي تحتضن أشياء تبعد من الشمس بما يزيد على ما يفصلنا عن الأخيرة بـ 200 ألف مرة)، ويدهش مدى نأي تلك الـ “إي تي إن أو” منا، ولا نعرف عنها سوى القليل.
وفي المقابل فما تمكنا من الكشف عنه حتى الآن يمثل لغزاً مثيراً للاهتمام، إذ يبدو أن تلك الأشياء تتحرك في مدارات مائلة وتتصرف بسلوك غير متوقع، وتتجمع كلها مع بعضها بعضاً بطريقة تتحدى التوقعات التقليدية.
وبينما يعزو بعض العلماء هذه الحالات الشاذة إلى فهمنا المحدود نظراً إلى المسافة الشاسعة وصعوبات مراقبتها، يقترح آخرون، وأبرزهم كونستانتين باتيغين ومايكل براون من “معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا”، بديلاً مقنعاً، ويجادلون بأن هذه المدارات الغامضة لـ “إي تي إن أو” إنما تأتي كنتيجة لتأثير جاذبية جرم سماوي آخر، وهو الكوكب التاسع.
وفقاً لفرضيتهم فإن هذا الجسم السماوي غير المرئي يمارس تأثير الجاذبية مما يشكل مدارات هذه الأجسام البعيدة، وفي حين أن المراقبة المباشرة لا تزال بعيدة المنال فإن الخصائص المستنتجة لهذا الكوكب الافتراضي لافتة للنظر، إذ ربما يصل حجمه إلى 10 أضعاف حجم الأرض ويدور حول الشمس على مسافة أبعد من مسار كوكبنا بنحو 500 مرة.
وقدمت الأبحاث الأخيرة التي أجراها باتيغين مزيداً من الدعم لوجود الكوكب التاسع والتي تضمنت زعمه بأن “الدليل الإحصائي الأقوى عن الكوكب التاسع بات في متناول اليد بالفعل”، ودقّقت الورقة في مجموعة من الأشياء التي تجاهلها علماء الفلك بشكل كبير بسبب حركتها غير المألوفة، واقترحت الورقة أن تلك الأشياء تتحرك بشكل نافر بسبب كوكب سيار آخر.
وقد يبدو الأمر غريباً أننا وعلى رغم معرفتنا التفصيلية بكواكب بعيدة جداً، إلا أن الغموض المحيط بالكواكب المحتملة داخل نظامنا الشمسي لا يزال قائماً، لا وبل أننا لا نعرف بوجودها مطلقاً. على سبيل المثال، في عام 2022 أعلن باحثون عن اكتشاف الكوكب السيار “كيه 2- 2016- بي إل جي- 005 إل بي” K2-2016-BLG-0005Lb الذي يقبع على بعد 17 ألف سنة من الأرض.
لكن في المقابل تشكل المسافات السحيقة عنصراً مساعداً لأن تلك الكواكب تدور حول شموسها، وقد اُكتشفت معظم “الكواكب الكونية الخارجية”، اختصاراً “إكزوبلانيت” exoplanet، بفضل ما يسمى بـ “العبور” الذي يتمثل في خفوت وجيز للضوء حينما تعبر تلك الكواكب الكونية أمام نجومها، وعلى العكس من ذلك يمكن أن تعزى الطبيعة المراوغة للكوكب التاسع إلى قربه النسبي والتحديات التي تفرضها كيفية إبصارنا للأشياء الكونية القريبة منا.
وعلى رغم التحديات والقيود التي يواجهونها في القيام بذلك، بذل العلماء أمثال باتيغين وبراون جهداً كبيراً لتحديد موقع الكوكب التاسع باستخدام منظوماتنا الكبيرة من التلسكوبات الأرضية، لكنهم فشلوا إلى الآن، ويجب ألا يدهشنا ذلك بالضرورة لأن الكوكب نائي البُعد من الشمس، وبالتالي فإنه مظلم
وقد نستطيع تحديد مكانه قريباً، أو في الأقل معرفة مزيد من الأمور عنه، بفضل تلسكوب ضخم يجري العمل على تجميعه في تشيلي، ويُشاد “مرصد فيرا سي روبين” Vera C Rubin Observatory على قمة جبل ارتفاعه نحو 2682 متراً.
وبعد ما يقارب عقداً من البناء فمن المتوقع أن يشهد التلسكوب “أول ضوء” له هذا الصيف، ومن المقرر أن تبدأ قدراته التشغيلية الكاملة في الصيف التالي.
وبمجرد تشغيله سيقوم التلسكوب بمسح السماء بأكملها وإجراء “مسح للإرث العلمي عن مُركب الزمان والمكان” يهدف إلى رسم خرائط شاملة للأجرام السماوية، ويحمل هذا المسعى القدرة على تقديم رؤى مهمة حول سلوك الأجسام في السماء، مما قد يؤدي إلى كشف اللغز المحيط بالكوكب التاسع.
واستطراداً فإن الكوكب التاسع لا علاقة له بالكوكب “X” المجهول، على رغم التشابه البارز بين الإثنين، إذ يُعبر مصطلح الكوكب “X” الذي يسميه بعض المصدقين بوجوده كوكب “نيبيرو” Nibiru ، عن اعتقاد بوجود كوكب يتجول في نظامنا الشمسي وسيصطدم بالأرض في مستقبل قريب.
اندبندنت