ثمة قطبة مخفية: لماذا قبلت “حماس” بوقف النار ورفضت اسرائيل؟
يسود الغموض وضع المفاوضات غير المباشرة بين اسرائيل وحركة “حماس”، ومن يراقب المشهد العام من بعيد، يرى أن “حماس” وافقت على المقترح المصري-القطري بوقف اطلاق النار، فيما رفضته اسرائيل وبدأت هجوماً على معبر رفح، لذا لا بد من الاستنتاج بأن ثمة قطبة مخفية في المفاوضات عرقلت وقف اطلاق النار وأطاحت الإتفاق ربما مؤقتاً.
وما بات معلناً أن الاتفاق يتوزّع على ثلاث مراحل:
الأولى وقف إطلاق النار لمدة 42 يوماً في غزة، إطلاق سراح 33 من الأسرى الاسرائيليين مقابل الإفراج عن فلسطينيين من السجون الاسرائيلية، سحب جزئي لقوات إسرائيل من غزة والسماح للفلسطينيين بحرية الحركة من جنوب القطاع إلى شماله.
الثانية فترة أخرى مدتها 42 يوماً لاتفاق استعادة “هدوء مستدام” في غزة، من أجل مناقشة “وقف دائم لإطلاق النار”، وانسحاب كامل لمعظم القوات الاسرائيلية من غزة، إطلاق سراح أفراد من قوات الاحتياط الاسرائيلية وبعض الجنود مقابل إفراج إسرائيل عن أسرى فلسطينيين.
الثالثة، إنهاء تبادل الجثامين وبدء عمليات إعادة الإعمار وفقاً لخطة مشتركة تشرف عليها قطر ومصر والأمم المتحدة. وإنهاء الحصار الكامل على قطاع غزة.
فما هي القطبة المخفيّة التي دفعت اسرائيل إلى رفض وقف اطلاق النار والمضي في تنفيذ الاتفاق؟ يجيب الأستاذ في العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور هلال خشّان: “في الحقيقة لم يتوقّع رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو أن تقبل حماس بالخطة، وما تسرّب من معلومات عن أن الأخيرة طالبت بضمانات أن لا تلاحق اسرائيل قيادييها في غزة، إلا أن نتنياهو لم يوافق على ذلك، إضافة إلى إشكالية حول المرحلة الثالثة أي أن تكون الهدنة دائمة وإنهاء الحرب، فيما اسرائيل لا تريد أن تنتهي الحرب قبل الدخول إلى رفح وتدمير ما تبقّى من كتائب لحماس”.
وقد يكون كلام خشّان دقيقاً، لأن اسرائيل اقتحمت معبر رفح وطلبت من الفلسطينيين المدنيين المغادرة، وهذا يعني أن أي اتفاق لن يوقف عملية اجتياح رفح، إذ تريد اسرائيل استكمال حصارها لغزة. ويلفت خشّان إلى أن “حماس وافقت على المقترح القطري بضغط من قطر، وخصوصاً أن الأخيرة تريد اخراج قياداتها من الدوحة، ولا حلّ أمام الحركة إلا الموافقة بعدما أصبح الوضع في غزة لا يُطاق وهي تحتضر عسكرياً وربما الورقة الوحيدة التي تملكها اليوم هي الرهائن الاسرائيليين”. ويضيف: “هناك معلومات تتواتر بأن كثراً من الرهائن قتلوا، وكانت حماس في بداية الحرب تبث فيديوات عن هؤلاء الرهائن، إلا أنها توقّفت عن ذلك، وربما قتلوا بسبب القصف العنيف، من جهة أخرى، تعاني حماس من مشكلة حقيقية تتمثّل بفي فقدانها الاتصال بكوادرها والعناصر المقاتلة، وهذا يزيد من احتمال خسارة ورقة الرهائن”.
للوهلة الأولى يبدو كأن “حماس” حققت نقطة لمصلحتها ضد اسرائيل من خلال موافقتها على وقف اطلاق النار، ويعتبر بعض المراقبين أن موافقة الحركة تُحرج اسرائيل دولياً إذا قررت استكمال حربها على غزة، إلا أن لخشّان رأياً آخر “لا أظن أن اسرائيل تشعر بالحرج، وغالباً ما تجد لها عواصم القرار الأعذار والمبررات، ولا شك في أن المجتمع الدولي منحاز كلياً إلى اسرائيل، قد يكون هناك بعض الحرج ليوم واحد، إلا أن الجوّ العام الدولي لا يزال داعماً لها على الرغم من المظاهرات الجامعية المتضامنة مع الفلسطينيين في بعض دول العالم ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية، علماً أن كل هذه المظاهر لا تغيّر من المواقف السياسية للحكومة الأميركية، مع أن علاقات الرئيس جو بايدن بنتنياهو سيئة، فهناك مصالح استراتيجية بين الطرفين، بدليل أن واشنطن لم تعلن موقفاً ايجابياً من موافقة حماس على المشروع القطري-المصري، بل قالت انها ستدرس موقفها بعناية”.
ميدانياً لا شيء يوحي بأن اسرائيل ترغب في وقف اطلاق النار، بل ان تحركاتها العسكرية تثبت العكس، ويبدو أن ما بدأته في رفح لن يتوقّف قبل أن تحقّق انجازاً عسكرياً معيناً، ويوضح خشّان أن “اسرائيل لن تتوقف عن ملاحقة قياديي حماس، وحكومتها تجاهر بذلك، وبالتالي قادة الحركة يعيشون بوقت مستعار، ويجب أن لا نخطئ التقدير بأنه الاسرائيليين مهما اختلفوا بين بعضهم البعض، فسيبقون متفقين على إنهاء حماس، وخصوصاً أن نتنياهو يعلم أن مصيره السياسي مرتبط بإستمرار الحرب، لذلك ما أن تنتهي حرب غزة سينتقل بحربه إلى الجبهة الشمالية ضد لبنان على نحو واسع”.
يستبعد خشّان أن تلتزم اسرائيل بوقف اطلاق النار “بل هي مستعدة لأن تبحث عن ذرائع تنبشها من تحت الأرض لإكمال الحرب، بدليل أنها في العام 1982عندما اجتاحت لبنان تذرّعت بإغتيال السفير الاسرائيلي في لندن واتّهمت جماعة أبو نضال بذلك لتبرر اجتياحها للبنان، وبالتالي وقف اطلاق النار بالنسبة إلى اسرائيل يعني خسارة الحرب”.
في المقابل، لا يرى خشّان الدول العربية متحمّسة لبقاء “حماس”، و”هذا ما يساعد اسرائيل أكثر، فهذه الدول تكتفي بالدعوة إلى إدخال المساعدات إلى غزة، لكن لا يهمّها المحافظة على حماس، بل حتى اننا نسمع بمفاوضات التطبيع التي تجري على نار باردة”.
في الختام، ستجد “حماس” نفسها وحيدة، وفق خشّان، حتى ايران لم تتورّط في الدفاع عنها، ويعتبر أن “محور الممانعة كذبة كبيرة اخترعها قاسم سليماني، وقد أثبت فشله خلال حرب غزة وكل تنظيم عسكري تابع لهذا المحور يعمل على نحو مستقلّ على نحو غير فاعل، ونرى أن حزب الله مثلاً بالكاد يستطيع أن يحمي نفسه، وقد انكشف بوضوح أنه ليس قادراً على حماية لبنان ولا أي مكان آخر… ولا بد من الاعتراف بأن محور الممانعة سينتهي بعد حرب غزة”.
جورج حايك- لبنان الكبير