العباءة الملكيّة على كتفيّ جعجع: متى نراه بالكوفية والعقال؟
العباءة الملكية ـ برمزيتها الكبرى ـ على كتفي الدكتور سمير جعجع (متى نراه بالكوفية والعقال؟) كثيرون تمنوا لو وضعت على كتفي لبنان. ولا نتصور أن صاحب الجلالة أو صاحب السمو، يريان في قائد “القوات اللبنانية” كل لبنان، وهما اللذان يدركان أي تركيبة سريالية لجمهوريتنا الغراء. ولنبدأ القصة من هذا السؤال: ماذا لو كانت بشرّي مكان كفركلا؟ أو كان وادي قنوبين مكان وادي الحجير؟ لا يمكن لأحد التكهن بطبيعة المسار السياسي والتاريخي الذي كان للبنان.
الدور الماروني كان الأساس في انشاء الدولة اللبنانية. ربما كان من الطبيعي أن تتمتع الطائفة بامتيازات تتعدى الطوائف الأخرى التي تم الحاقها بهذه الدولة، لا رغبة في ارساء التنوع الذي يكرس التفاعل السوسيولوجي بين الثقافات، وانما من أجل استجلاب الفلاحين والمحاصيل.
لا اغفال للدور الخلاق للمسيحيين بوجه عام في نقل الحداثة الى لبنان، بفعل التواصل مع الحضارة الأوروبية، ان عبر التجارة أو عبر البعثات التبشيرية (أول مدرسة للكهنة الموارنة تأسست في روما عام 1584 على يد البابا غريغوريوس الثالث عشر). الظاهرة المدوية بانشاء الجامعة الأميركية وجامعة القديس يوسف.
هنا الشرق الأدنى الذي ظهرت فيه الديانات الكبرى والحضارات الكبرى والأساطير الكبرى. كل طائفة ورثت أثقالها (وترسباتها) الايديولوجية والتاريخية، لبنان لم يوجد بفعل دينامية تاريخية أو قومية، بل نتاج الصراع بين بريطانيا وفرنسا حول توزيع التركة العثمانية. من تولى ادارته بعد الاستقلال أراده أن يبقى الدولة العرجاء، والا كيف لمؤسس حزب “الكتائب” بيار الجميّل اطلاق تلك المقولة العجيبة والهجينة “قوة لبنان في ضعفه”، كما لو أننا لسنا في منطقة قال هيرودوت منذ 2500 عام، أنها تقع على خط الزلازل.
هكذا أستبقي لبنان مستودعاً للأقليات المتناثرة، ليقول المطران الجليل جورج خضر “لبنان واقع ركام لا واقع جماعة”، وليقول “لبنان لم يكتب له أن يموت، ولم يكتب له أن يعيش” (كما ضيوف الجحيم في “الكوميديا الالهية” لدانتي). الغريب أن يفاخر البعض بما دعي “الميثاق الوطني” عام 1943. الميثاق المذهبي الذي أرسى مفهوم “دولة الطوائف”، أو مفهوم “طوائفية الدولة”، دون أي اعتبار لجدلية الأزمنة.
ثمة جهات سياسية حاولت أن توجد نوعاً من التماهي (وحتى التماهي العضوي) بين الدولة المارونية في لبنان والدولة اليهودية في فلسطين. لن ندخل في التفاصيل الصادمة (الأكثر من صادمة). نكتفي بالدعوة الى قراءة كتاب الباحثة الأميركية لورا ايزنبرغ الذي صدر عام 1994 “عدو عدوي ـ لبنان في المخيلة الصهيونية المبكرة 1900 ـ 1948″، وقد استند الى وثائق الأرشيف المركزي الصهيوني في القدس، والى أرشيف الخارجية الفرنسية.
فارق هائل بين روحية التوراة وروحية الانجيل. هكذا نفهم ظهور السيد المسيح مثلما فهمه الأب ميشال حايك، بالصرخة العاصفة “أنا الهيكل”، وقد زلزلت المفهوم المتعفن والزبائني للهيكل. أيضاً فارق هائل بين الموارنة الذين ليسوا بثقافة الصومعة، واليهود الذين بثقافة الغيتو. المفكرون الموارنة رواد النهضة العربية؟
هشاشة القيادة السياسية (القيادة الطوائفية) هي التي أوصلت لبنان الى تلك الفضيحة التاريخية، أي “اتفاق القاهرة” عام 1969 الذي سلّم مفاتيح جنوب لبنان، بل مفاتيح لبنان، الى ياسر عرفات، ليسلمها الى آرييل شارون، دون أن ننفي مدى الأثر التراجيدي للقضية الفلسطينية في وجدان وفي لاوعي المسلمين.
هذا التردي في القيادة، والناتج عن تردي البنية الطائفية للدولة، هو ما جعل غازي كنعان ورستم غزالي، صعوداً الى عبد الحليم خدام، يقودوننا وبتواطؤ مع قادة مسلمين ومسيحيين، مثلما تقاد قطعان الماعز.
ما دمنا مضطرين لضيق المساحة، الى الأخذ بأسلوب السيناريو المتقطع، نسأل “متى كانت الدولة في جنوب لبنان، وما مرّ فيه من ويلات منذ عام 1943 عام الاستقلال، وحتى عام 2000 عام التحرير”؟ سكان المنطقة من ضحايا للفصائل الفلسطينية الى ضحايا للاحتلال الاسرائيلي. بالدرجة الأولى ضحايا الدولة اللبنانية…
هل كان يفترض بالجنوبيين أن يقبلوا بالعيش تحت عباءات أولئك “الحاخامات” الذين كما لو أنهم مبعوثو جهنم الى العالم…؟
نبيه البرجي- الديار