ملف الاغتصاب “معقّد ومتشعب”: إصطفافات تشوّش على التحقيق
يبدو التكتم الرسمي على إصدار رواية حاسمة في ملف عصابة “تيك توك” والشبهات حول اغتصاب الأطفال والقاصرين، مفهوماً، طالما أن التحقيق ما زال في بداياته في ملف “معقّد ومتشعب”، تشوبه ارتباطات وتضارب مصالح وتصفية حسابات…
لكن ما هو غير المفهوم، تمازج الروايات المنسوبة إلى مجهولين، (لا يُعرف ما إذا كانت مصادر أمنية أو قضائية)، مع تقديرات وتحليلات، تزيد القضية تعقيداً، وتساهم في التشويش على التحقيقات، وتستبقها في تشكيل رأي عام.
حتى الآن، باتت هناك رواية رسمية، لكن غير مكتملة، طالما أن التحقيق ما زال أوّلياً ويتوسع يومياً مع توافر معلومات ومعطيات جديدة. يُنتظر أن تصدر الرواية، اليوم الأربعاء، وذلك من خلال الادعاءات التي سيصدرها القضاء بحق موقوفين ومشتبه فيهم آخرين موجودين خارج البلاد، وربما آخرين متوارين عن الأنظار، أو غير موقوفين داخل لبنان. ومن شأن هذه الادعاءات، أن تضع حداً للتشويش والفوضى الحاصلَين، إثر تداخل تضارب المصالح والمعطيات التي تُرمى عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل، على شكل معلومات، لا يُعرف أصل المصدر فيها.
والواضح أن هناك جهات أخرى غير المصادر الأمنية والقضائية تتولى التسريب، بينها محامون مواكبون للملف، ومشتبه فيهم، وتحاول خلق رواية موازية في وسائل الإعلام. تم توظيف الإعلام في الصراعات، من خلال المصادر التي تكاثرت أخيراً، بفعل غياب الرواية الرسمية. ما يُراد منه، تحشيد الرأي العام، وتشكيله، ويُستخدم مؤثرون في خلقه.
انقسم الاعلام على وقع الانقسام في صفوف شخصيات مشتبه فيها في الملف.. وحصلت اصطفافات: ثمة من يركز على هوية “جاي”، وهو بول المعوشي الذي يعد واحداً من المشتبه فيهم. وثمة من يركز على حسن سنجر، الذي خضع لتحقيق أمني وقضائي وأصدر القضاء اللبناني إشارة بتوقيفه الثلاثاء باعتباره أيضاً أحد المشتبه فيهم في الملف، فيما كان يُنسب له “جهد” في الكشف عن العصابة وعن هويات مشتبه فيهم. الطرفان في الملف، ورد إسماهما في التحقيقات، بانتظار قرار القضاء لجهة الادعاء عليهما أو على أحدهما، من عدمه، وقد زخرت مواقع التواصل الاجتماعي بمعلومات عنهما، وبفرضيات متصلة بالاشتباه فيهما.
وبين جميع الفرضيات، تصدر معلومات حاسمة على ألسنة إعلاميين، وتبثها وسائل إعلامية. حتى الآن، وفي ظل التراشق والاصطفافات، ينظر الناس الى طرفي الملف، المعوشي وسنجر، على أنهما مشتبه فيهما، الى جانب مشتبه فيهم آخرين نسي الناس أسماءهم، وطبيعة ضلوعهم في الجُرم الذي “لا توصف قذارته”، على ضوء غياب الأسماء عن التداول الإعلامي، والتركيز على هذين اإسمين فقط..
في الواقع، لعبت تصريحات المحامين، وتسريباتهم أيضاً، دوراً أساسياً في تشكيل رأي عام يدين الطرفين الوارد إسماهما في الملف. تلك التسريبات، وتقديم المعلومات على أنها حقائق مثبتة، بمعزل عن مصدرها، تثير المخاوف من أن تشوش على أي رواية رسمية ستصدر، في حال لم تشمل توقيفات أو ادعاءات على الطرفين. وتلك واحدة من تداعيات التأخر في إصدار رواية رسمية، قضائية أو أمنية، في ملف يشغل الرأي العام الى هذا الحد.
على مدى اسبوع، انشغل اللبنانيون بتلك العصابة التي هددت كل عائلات لبنان، ويجب أن تكون درساً للسلطات اللبنانية في إدارة الأزمات. فالرواية الرسمية، وإعلان المعلومات المنسوبة الى متحدثين رسميين، من شأنه أن يقطع الطريق على أي تأويلات، أو شكوك في توظيفات للملف في سياق “حروب داخلية” و”تصفية حسابات” بين متورطين ومشتبه فيهم.
الاعلام في هذا الوضع، لا يُلام، إذا كان باحثاً عن طرف خيط يوصل الى الحقيقة، وقد يكون بعضه ضحية تسريبات في ظل غياب الرواية الرسمية، ضحية البحث عن الخيوط والحقائق التي قد لا يجدها إلا عبر من يوفر المعلومات، بمعزل عن نواياه.
نور الهاشم- المدن