عندما يتحول الوطن إلى مجموعة “متاريس”…يتلطى وراءها أطراف “العصابة” الحاكمة والمعارضة!”
عندما يتحول الوطن إلى مجموعة “متاريس”!
وسط العجز والفشل لمكونات الحكومة والأطراف السياسية في لبنان، التي هي في الحقيقة جسم واحد بإستثناءات جد قليلة وفروق بسيطة ونسبية، ترى هذه الأطراف تهرب من هذا العجز والفشل وقلة الحيلة – إذا أحسنَّا الظن – إلى القضايا المثيرة التي تضرب على وتر الناس وعَصَبها، في محاولة أقل ما يقال فيها انها غير أخلاقية لتبرير عجزها والتغطية على فشلها إن لم نقل تآمرها على الناس والبلد كل من موقعه .
فالموالاة مثلاً ومعها القوى التي تُصنِّف نفسها “وسطية” والتي هي ممثلة في الحكومة، تراها وجدت في “طوفان الأقصى” حبل نجاة لها و”مركباً” تركبه لتخوض غماره عبر ما أسمته “المشاغلة” مع العدو الصهيوني نصرةً لغزة وفلسطين كما تدَّعي، وبذلك تكون قد جمعت في إستغلالها للأحداث لتغطية فشلها، بين قضايا الشعبين اللبناني والفلسطيني اللذين باتت قضاياهما عرضة للمتاجرة والمقايضة في “سوق السياسة” منذ ما يقرب من نصف قرن، وذلك منذ أن دخلا أو أُدخلا معاً في حرب بينهما على أرض لبنان بصفتهما الحلقة الأضعف في المنطقة، في حرب “أهلية عربية” مطعَّمة بنكهة دولية أكلت الأخضر واليابس وأسقطت معادلات وأقامت أخرى، وكان الثمن يُدفع دائماً من نصيبهما في الحرية والسيادة والعيش الكريم، تغطية لتمرير مشاريع تارة تحت إسم فك الاشتباك، وأخرى لتمرير معاهدات السلام وصولاً الى التطبيع الحاصل اليوم، مروراً بمشاريع الهيمنة على كل من لبنان والكويت ومشاريع الوحدة الوهمية العربية والافريقية ومن ثم الاسلامية، وما بينهما من مشاريع التقسيم وحلف الأقليات وغيرها من مشاريع مجرمة هدامة.
في الجهة المعارضة تضاف إلى هذه القضايا التي يستغلها كلٌ من زاويته للتجييش والتهييج، قضية الشعب السوري التي باتت تُختصر اليوم باللجوء بعد أن تخلى عنه “أصدقاؤه” وتركوه نهباً للقتل أو التهجير أو الموت براً وبحراً، في حين بات البعض يرى في هذا الملف المأساوي خشبة خلاص له أمام الناس، فيقوم بـ “مشاغلة” من نوع آخر عبر إستغلال بعض الأحداث الأليمة الناتجة أصلاً عن الفشل في العبور إلى إقامة الدولة القوية القادرة الذي لطالما كان شعار هذه القوى، بغض النظر عن نسبة مسؤولية كل طرف من هذه الأطراف عن مسار هذا الملف ومصيره وتداعياته منذ بدايته وحتى اليوم.
وهكذا بين “مشاغلة” في الجنوب وأخرى في الشمال تحوَّل البلد إلى مجموعة من المتاريس – كما دأبه دائماً – متاريس بين اللبنانيين بعضهم البعض هي في الحقيقة متاريس يتلطى وراءها أطراف “العصابة” بفرعيها الحاكم والمعارض لحماية مصالح الخارج بإسم حماية الناس والطوائف من بعضها البعض، هذا الخارج الممتد من إيران والخليج العربي وصراعهما حول الخيارات، مروراً بالبحر الأبيض المتوسط وأوروبا الخائفة على هويتها من تدفق اللاجئين الذين تدفعهم عنها بدفع المليارات لـ “دولة العصابة” وإعادة تعويمها، وصولاً إلى القارة الأميركية و”رسولها” آموس هوكشتاين حامل مصباح علاء الدين النفطي والتنموي عبر ترسيم حدود الصراعات براً بعد نجاحه بحراً.
يجري كل ذلك على حساب دماء اللبنانيين وأرزاقهم ومستقبلهم في الجنوب وكذلك دماء اللبنانيين وأرزاقهم على إمتداد الوطن، حيث الفلتان الأمني والاجتماعي الناجم عن إنهيار مؤسسات الدولة بما تمثل من دعامة للمجتمع وحماية له من الانزلاق إلى أتون الجريمة والتسيُّب، بحيث باتت كل من حرب غزة وقضية اللجوء السوري – على خطورتهما وتداعياتهما – مجرد “مشاغلة” من أطراف اللعبة السياسية كل من موقعه لإلهاء الرأي العام عن مشكلاته الأساسية المتمثلة في بناء الدولة والمجتمع التي تمر حكماً بإنتخابات دستورية لرئيس الجمهورية بعيداً عن أي إجتهادات قانونية وسياسية، بحيث تنبثق عن إتفاق غالبية النواب على إسم معين، وهو الأمر الذي لن يتم إلا بالحوار بين أطراف اللعبة السياسية أو بين بعضها على الأقل للإتفاق على برنامج عملي للمرحلة المقبلة والتوصل إلى مساحة مشتركة ولو بالحد الأدنى لإنتخاب رئيس، وهو ما لا نرى أنه متوافر اليوم، بل لا نسمع سوى لغة حديدية تحاول فرض خيارها بالقوة من جهة، ولغة خشبية لا أفق لها في الجهة المقابلة وكأنها تعيش في كوكب آخر، فتلجأ إلى الاجتماع لمعالجة قضايا جانبية لتبدو كأنها تحاور نفسها وتصرخ في غرفة مغلقة، فكان أن دُفنت “الانتخابات الرئاسية” حتى الآن على الأقل تحت أنقاض غزة، كما دفنت الانتخابات البلدية تحت أنقاض بيوت الجنوب، ليبدو الوضع اللبناني على المدى القريب والمتوسط بلا أفق، ويبقى “مكانك راوح” وتبقى لعبة عض الأصابع قائمة، لكنها أصابع الشعب الذي بات يصرخ ولكن لا حياة ولا حياء لمن تنادي.
ياسين شبلي- لبنان الكبير