هدنة غزة لرئاسة أميركا والـ1701 لرئاسة لبنان؟
كلّ شيء يتوقّف على الهدنة في غزة، على الرغم من أنّها إذا نجحت قد تكون مؤقّتة. لكنّ الآمال معلّقة على الإفادة من مهلتها لوقف الحرب. الحسابات الانتخابية الأميركية باتت ترتبط بـ”الهدنة”، لجهة تهدئة الحراك الطلابي، أو لتوظيف تحرير 6 أميركيين من الرهائن لدى “حماس”.
الورقة التي سلّمتها السداسية العربية لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، حول الحلّ السياسي الشامل، يتوقّف المضيّ ببحثها على تلك الهدنة. تتوخّى باريس توظيف الورقة التي سلّمها وزير الخارجية ستيفان سيجورنيه للبنان وإسرائيل، للتفاوض على تفادي الحرب جنوباً بموازاة الهدنة.
جنوب لبنان وانتخابات الرئاسة… في أميركا
يقول سياسي لبناني بارز إنّ بإمكان قوى فاعلة في بيروت أن تلعب دوراً لمصلحة الرئيس جو بايدن في الانتخابات الرئاسية. هناك من أسرّ للوسيط الأميركي وموفد البيت الأبيض آموس هوكستين بذلك خلال زيارته لبنان مطلع آذار الماضي. المقصود هو نفوذ قيادات في لبنان على ناخبين أميركيين من أصل لبناني كي يصوّتوا لمصلحة بايدن في تشرين الثاني المقبل. فُهم أنّ بإمكان القيادة الشيعية لعب دور كهذا، لا سيما مثلاً في مدينة ديربورن في ولاية ميشيغان، حيث المغتربون الجنوبيون كثر. يضاف إليهم مغتربون من أصول عربية وإسلامية لأصواتهم القدرة على الترجيح فيها. بعد عودة آموس هوكستين إلى واشنطن تردّد أنّ “المجموعة الأميركية من أجل لبنان” (American task force for Lebanon) رتّبت اجتماعاً له مع مجموعة لبنانيين.
تفترض الواقعة إغراء الموفد الأميركي بأن يضع ثقله للحؤول دون إطلاق إسرائيل الحرب ضدّ لبنان، مقابل ضمان أصوات لبنانية لبايدن. فهوكستين، إضافة إلى علاقته الوثيقة بإسرائيل، من أكثر المقرّبين إلى بايدن، وجرى ترشيحه لإدارة حملته الانتخابية. في كلّ الأحوال لا يبدو الأمر غريباً في ظلّ التكهّنات المنطقية بأنّ إيران تفضّل بايدن على دونالد ترامب. فالأخير ألغى الاتفاق النووي معها وفرض عليها عقوبات قاسية منذ 2018. وهي تتمنّى عدم دخوله البيت الأبيض مجدّداً.
الورقة الفرنسيّة وتجاوب تل أبيب
يشكّل تجنّب توسّع حرب غزة انطلاقاً من جنوب لبنان هاجس الدول الغربية بعد تهديدات إسرائيل، منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول). ويجري التسابق على نقل الرسائل في هذا الصدد، لكنّ تحرّك واشنطن وباريس لهذا الغرض هو المعوّل عليه. على الرغم من اعتقاد بعض اللبنانيين أنّ الجانب الأميركي هو الأقدر على ممارسة الضغط على الدولة العبرية، فإنّ لفرنسا أوراقها. فهي أيضاً تزوّد الدولة العبرية بالأسلحة في حربها ضدّ “حماس”… من هذا القبيل بثّت القناة 13 الإسرائيلية أنّ إسرائيل “أبدت موافقتها على عرض فرنسا لإيجاد تسوية دبلوماسية للجبهة الشمالية”. جاء ذلك بعد زيارة سيجورنيه تل أبيب إثر محادثاته في بيروت والرياض بداية الأسبوع الجاري.
أوساط واكبت صوغ ورقة باريس لتطبيق القرار الدولي 1701 في الجنوب، قبل وأثناء محادثات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وبعدها، تفيد الآتي:
تنسيق التحرّكين بدل التفرّد
– بات معروفاً أنّ شعور باريس بأنّ الجانب الأميركي يتفرّد بملفّ الجنوب دفعها لإيفاد جان إيف لودريان إلى واشنطن للقاء هوكستين. اتّفقا على التنسيق حول الجنوب، بعد تفاهم الرئيس إيمانويل ماكرون مع وزير الخارجية أنتوني بلينكن خلال زيارته باريس الشهر الماضي. إذ تفاهما على التعاون عن قرب حول الرئاسة (اللجنة الخماسية حول لبنان) والجنوب.
– هوكستين يركّز على خفض التصعيد جنوباً بانتظار هدنة غزة. باريس تسعى بالمقابل منذ زيارة سيجورنيه الأولى في 6 شباط إلى حلول عملية وتفصيلية تهيّئ لهدوء مستدام بالإفادة من الهدنة. وهو ما عبّر عنه مصدر في الخارجية الفرنسية لـ”العربية” بقوله: “سلّمنا لبنان وإسرائيل خارطة طريق لخفض التصعيد”. شمل التفاهم الأميركي الفرنسي أن يُطلع الجانبان بعضهما على نتائج جهودهما، وأن يعرّج هوكستين على باريس قبل مجيئه إلى لبنان. وهذا يعني أن لا يأخذ أحدهما دور الآخر، بل أن يتكاملا.
– الأوساط المواكبة للتحرّكين الأميركي والفرنسي تعتبر أنّ هدفهما واحد. فهوكستين تسلّم في آخر زيارة له خرائط ترسم ملامح المعالجات لمشكلة الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلّة، التي ستُحلّ لاحقاً. وبات معروفاً إنجازه مع الرئيس نبيه بري الاتّفاق على النقاط الستّ من النقاط الـ13 التي كان لا يزال عليها خلاف. وجرى استبعاد منطقة مزارع شبعا منها لسبب قانوني هو رسالة السلطات السورية للأمم المتحدة بأنّها تحت السيادة السورية. وهي رسالة بعثت بها بعد احتلال إسرائيل الجولان في 1967. وليست لدى الأمم المتحدة أيّ وثيقة أخرى تبدّل في الأمر. وبالتالي وجبت معالجة الأمر بين لبنان وسوريا. وبكلام آخر فإنّ الوسيط الأميركي سبق أن تناول بعض التفاصيل بدوره.
– يشمل التفاهم بعد زيارة لودريان واشنطن التنسيق في ملفّ الرئاسة، ولذلك تنفي مصادر الدولتين الدبلوماسية أنباء الخلاف بينهما حوله.
“إعادة التموضع” بـ14 بقعة بالتدرّج؟
مع التكتّم على ما تضمّنته الورقة الفرنسية، فإنّ معطيات الأوساط المواكبة تشير إلى تدرّج فيها كالآتي:
– وقف متبادل لإطلاق النار.
– عودة النازحين على جانبي الحدود.
– تفكيك المنشآت العسكرية.
– إرسال المزيد من وحدات الجيش اللبناني للانتشار جنوب الليطاني، مع ما يعنيه من تراجع الوجود العسكري للحزب. وتتعدّد التسريبات في هذا الصدد عمّا إذا سيكون لـ10 كيلومترات أو أقلّ. ما اتُّفق عليه هو الأخذ بملاحظة بري والحزب التي نقلها ميقاتي إلى باريس وتطلب أن تُعتمَد عبارة “إعادة التموضع” بدل الانسحاب. وهي جاءت في الورقة الفرنسية المعدّلة.
– بصرف النظر عن التعابير المستخدمة في الورقة الفرنسية حول الانسحابات، علم “أساس” أنّه جرى اللجوء إلى بعض السوابق في هذا المجال التي حصلت عام 2006 حين انسحبت القوات الإسرائيلية من بعض البقع التي احتلّتها ثمّ انسحبت قوات “الحزب” بدورها إلى جنوب الليطاني، ليتسلّم الجيش اللبناني المنطقة. في حينها جرى تقسيم المنطقة إلى 14 نقطة، تسلّمها الجيش من الحزب بالتدريج.
– المضيّ تدريجاً بتطبيق بنود القرار 1701، الذي يشمل وقف الخروق الإسرائيلية جوّاً وتنفيذ ما اتّفق عليه في شأن الحدود البرّية.
فكرة التفاوض في باريس؟
ما أضافته القناة الـ13 الإسرائيلية أوّل من أمس إلى موافقة تل أبيب على الورقة الفرنسية، إشارتها إلى شكل التفاوض. كشفت أنّها تشمل موافقة إسرائيل على مقترح فرنسي “بعقد مفاوضات غير مباشرة مع لبنان في باريس”.
تعلّق أوساط سياسية لبنانية تتطلّع إلى وقف القتال في الجنوب بأنّ المفاوضات غير المباشرة حاصلة عبر سيجورنيه وهوكستين. أمّا فكرة نقلها إلى باريس، فالأرجح أنّه لإعفاء الوزير الفرنسي أو من يمثّله، وربّما لودريان أيضاً، من الإكثار من الزيارات. فليس مناسباً أن يفرض بتّ بعض التفاصيل في كلّ مرّة أن ينتقلا إلى بيروت، وأن يزور الوزير الفرنسي تل أبيب. وفضلاً عن ذلك فإنّ باريس في هذه الحال تسعى لتحقيق إنجازاً لدورها الإقليمي بعدما أصاب التعثّر مبادراتها لإحداث خرق في جدار الأزمة اللبنانية.
يبقى أنّ هذا المقترح يخضع للكثير من الحسابات. والأمر يتوقّف على من يدعى إلى العاصمة الفرنسية، لا سيما من الجانب اللبناني. فهل المقصود الإفادة من تسوية على الجنوب، لأجل إحداث تقدّم في ملفّ الرئاسة اللبنانية؟ بعض المصادر الواسعة الاطّلاع لا تستبعد ذلك.
سواء نجح هذا المقترح أم لا، فإنّ المسؤولين الفرنسيين يقرنون تحرّكهم في شأن الجنوب والرئاسة، باستئناف الاتصالات المباشرة مع القيادة الإيرانية. ويبدو أنّ باريس، على الرغم من توتّر العلاقة مع طهران في الأشهر الماضية، لم تتوقّف عن دعوتها إلى لعب دور يسهّل الحلول في لبنان.
وليد شقير- اساس