مَن المستفيد مِن تمزيق المعارضة وشيطنة “الجماعة”: ما دور «حزب الله»؟
ينقسم المشهد السياسي في لبنان الآن إلى شطرين: الأول تداعيات مؤتمر معراب التي تذهب نحو تكريس المزيد من الانقسام في صفوف معارضي «حزب الله»، والثاني الانخراط في شيطنة «الجماعة الإسلامية» وتحويلها إلى رديف لـ»الحزب» في الخطاب السياسي للمعارضين أنفسهم، وكأنّ هؤلاء دخلوا في حفلة تذابح داخلية لا أحد يعلم تداعياتها مع انسداد سبل الحوار في ما بينهم، رغم أنّ لقاء معراب قرّر تشكيل لجنة للتواصل مع المعترضين على شكل وسياق اللقاء.
يبدو أنّ دائرة الهجوم المزدوج ضدّ «القوات» «والجماعة» منبعها السياسيّ واحد هو القنوات الباقية لـ»تيار المستقبل»، بينما يستغلّ «حزب الله» الظرف للعب على التناقضات بشكل محترِف. بالعودة إلى استخدام مصطلحات مثل رفض زعامة سمير جعجع للسنة وإثارة النعرات القديمة واستحضار هذه اللغة بكثافة لافتة وقيام المجموعات الزرقاء الناشطة على وسائل التواصل الاجتماعي بتسويق مواد تعزّز هذا الاتجاه، وكشفت أنّ التيار مستمرّ في توسيع الصدع مع «القوات» ويواصل مساعيه لمنع الانفتاح السنّي القواتي واعتبار الساحة السنية ملكاً حصرياً لسعد الحريري إلى أن يقرّر العودة إلى العمل السياسي.
كذلك ظهر أنّ الهجوم على «الجماعة» ورمي مصطلحات التطرّف تلقى الدفع من روافد «تيار المستقبل» الذي سبق لرئيسه سعد الحريري أن طالب بتغيير قيادة «الجماعة» خلال وجوده الأخير في بيروت، ويبدو أنّه، عَبْرَ قنواته، يعمل على تعميم وصم «الجماعة» بالتطرف حيث يستطيع، خاصة أنّه سبق أن ربط عودته باحتمال جنوح السنّة نحو التطرّف.
وفي هذا السياق يمكن توضيح بعض النقاط في ما يتعلّق بوضع الجماعة وما جرى بعد التشييع في عكار:
ــ إنّ الحديث الذي جرى عن إبلاغ مراجع أمنية بقرار «الجماعة» تنظيم استعراض مسلح هو غير دقيق، والواقع أنّ ما حصل هو تداول بتوقع وهواجس من حصول ظهور مسلّح غير منضبط كان الجهدُ منصباً لتلافيه.
ــ هناك من يعتبر أنّ هناك مبالغة وتحاملاً على «الجماعة» في تضخيم ما حصل في عكار على خلفية استهداف أيّ مكوِّنٍ سنّي يتحرّك في معادلة القوة السياسية أو العسكرية في إطار المقاومة، وقد شهد البلد أحداثاً قد تزيد خطورة عنه، ولم تصدر مثل هذه المواقف «التكفيرية» التي تصدر بحق «الجماعة» الآن.
ــ يتوقف المتابعون لملف التواصل مع قيادة «الجماعة» عند خطورة العزل وإلغاء لغة الحوار، طالما أنّ «الجماعة» تعلن تمسّكها بعزل سلاحها المقاوم عن الداخل، خاصة أنّ السلاح الذي ظهر في عكار أغلبه عشائري وسيبقى يظهر في كل مناسبة مشابهة، وهو ليس صفة ملازمة لعمل الجماعة.
بغضّ النظر عن حقيقة أسباب موقف الرئيس فؤاد السنيورة، يبرز سؤال هام في هذا السياق: ألا تستحقّ وحدة صفّ المعارضة التضحية للحفاظ على تماسكها خاصة أنّ عنوان لقاء معراب كان تطبيق القرار 1701 الذي يعتبر السنيورة أباه وهل كان مؤتمر معراب حقاً ضدّ اتفاق الطائف؟ وهل تبنّت «القوات» دعوات الانفصال والتقسيم كما اعتبر الدكتور فارس سعيد لتبرير هذا الانشقاق في صفّ المعارضة؟
ألا يعلم الدكتور سعيد أنّ القرف اللبناني من سيطرة «حزب الله» على مصير البلد وصل أيضاً إلى السنّة الذين جاهر بعضهم في طرابلس بالدعوة إلى الطلاق لأنّ أثقال الحزب كسرت ظهر الجميع؟
وكان مؤسفاً أن تصل لغة التخاطب بالدكتور مصطفى علوش إلى دعوة «الحكيم» إلى التواضع، لأنّه وجّه الدعوة لأطراف المعارضة إلى الاجتماع في معراب، وكأنّ هذه الدعوة اعتداء أو خطيئة.
هل أخذ مقاطعو لقاء معراب بعين الاعتبار الخسائر التي ستطال الجسم الوطني وصورة المعارضة في هذا التقاطع الصعب الذي يمرّ به لبنان والمنطقة، وكم سيخسرون من وزنهم واعتبارهم، وهم المخضرَمون العارفون بدقائق الأمور؟
لماذا يريد البعض الانسياق نحو تصنيف معراب وكأنّها موقع محرّم وماذا لو قرّرت «القوات» مقاطعة القوى الأخرى في المعارضة، ماذا سيحصل للمعارضة، وهل تبقى فيها قوّة دفعٍ كافية للاستمرار في المواجهة ضدّ السلطة القائمة؟
صحيح أنّ لقاء معراب شابه بعض النقص في التمثيل، لكنّه على الأقلّ نال شرف الموقف، وهل لقاء سيدة الجبل و»المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني» يجمعان في التمثيل والحضور أكثر من لقاء معراب؟ وهل تعاملت القوات مع هذه التجمعات بفوقية أم أنّ النظرة إليها كانت أنّها حالة يجب التعاون معها بغضّ النظر عن حجم التمثيل؟
وهل فؤاد مخزومي وأشرف ريفي ووضاح الصادق أقلّ تمثيلاً من فؤاد السنيورة ومصطفى علوش وأحمد فتفت؟
لا مستفيد من هذا المشهد المتوتر سوى «حزب الله» وحسابات ضيقة يعتقدها البعض مكاسب وهي مكاسب وهمية.
لا شكّ أنّ الجماعة الإسلامية بحاجة إلى مراجعة مرحلة انخراطها في جبهة الجنوب وتقييم نتائجها، وإلى تغليب السياسة على العسكر، وتغليب منطق الدولة على ضغوط الشارع كما تحتاج المعارضة إلى الرجوع إلى ثوابتها وعدم الانزلاق إلى مزيد من التشرذم وتدمير الذات.
احمد الايوبي- نداء الوطن