“حرب المشاغلة” تستنزف “الحزب” وتكشف هذه النقاط !
يتفق معظم الخبراء العسكريين على أنّ الحروب تجري وفق استراتيجيات عسكرية تستخدم فيها كل التكتيكات والخبرات والوسائل المتاحة، لكنها تفتقر في المقابل إلى ما يُعرف بـ»استراتيجية الخروج»، التي تُشكّل المأزق الأساسي لها، وسط رزمة من التحديات والتجاذبات السياسية الإقليمية والدولية. وريثما تنضج التسويات على نار البيروقراطية الدبلوماسية وديناميكيتها البطيئة، تبقى الكلمة للميادين. ورغم شعار «وحدة الساحات» إلّا أنّ طبيعة المعارك تختلف بين حلبتي الصراع في قطاع غزّة ولبنان. إذ سجّلت الأيام الأخيرة، تطوّرات كبيرة في حرب «المشاغلة» أو الإستنزاف بين إسرائيل و»حزب الله» عند الجبهة الجنوبية. ما يسلّط الضوء على نقاط القوّة والضعف عند كلا الجانبين، وتطوّر مسرح الأحداث.
في هذا السياق، يشرح الخبير العسكري والإستراتيجي العميد المتقاعد خليل الحلو، أنّه على المستوى التكتيكي، تمكّن «حزب الله» من تطوير أدائه العسكري واكتساب خبرة مهمّة جرّاء حرب المواقع مع إسرائيل، وهذا ما ظهّرته نوعية الإستهدافات التي حقّقها. وارتكز بشكل كبيرٍ على استعماله المكثّف للإستعلام عبر المسيّرات الإستطلاعية الصغيرة، حيث يصعب كشفها عبر الردارات إلّا إذا اقتربت كثيراً منها، إضافة إلى وسائل مراقبة أخرى من مواقع غير مكشوفة كمداخل الأنفاق في سبيل رصد المراكز العسكرية الإسرائيلية المستحدثة ورميها بالأسلحة المناسبة وفق معلومات جديدة تتكوّن لديه.
أمّا بالنسبة للصواريخ، فيستعمل «الحزب» أنواع «الكورنيت» و»الكونكورس»، والصواريخ الموجّهة الدقيقة، ليس فقط ضدّ الآليات، إنما لقصف بنى تحتية وتحصينات وأبنية. في المقابل، يعتمد على الصواريخ العادية كالـ»كاتيوشيا» و»بركان» وفالق» وغيرها، لتركيز رماياته على بعض المستوطنات مثل «كريات شمونة»، «المطلّة» و»المنارة»، في محاولة لإلحاق الأذى والضرر في المباني والقرى الإسرائيلية أسوة بالقرى اللبنانية.
في المقابل، يرى الحلو أنّ التطوّر الحاصل في الجانب الإسرائيلي، هو العودة إلى إدراج أنفاق «حزب الله» على لائحة الإستهدافات وهذا ما شهدناه في الآونة الأخيرة، جرّاء الغارات الضخمة والكبيرة التي طالت العديد من البلدات والمواقع، أبرزها على سبيل المثال ما حصل قبل أسبوع تقريباً في عيتا الشعب وغيرها من القرى. والذخائر المستعملة من قبل الجيش الإسرائيلي تشير إلى أن هدفها هو التدمير بعد خرق التحصينات، وهذا ما أدى إلى أصوات وارتجاجات قوية واسعة.
وفي كيفية رصد تلك الأنفاق، أوضح أن هذه العملية تُسمّى «الإستطلاع بالنار» أي أنّ الجيش الإسرائيلي يستدرج «الحزب» إلى استعمال راجمات الصواريخ من داخل الأنفاق لتحديد مواقعها وقصفها في «التوقيت الصحيح» إذا تمكّن من ذلك أم في وقتٍ لاحق. وهنا تبرز ملاحظة مهمة، وهي أنه منذ بداية الإشتباكات بين الطرفين، لم يُسجّل بشكل واضح ومعلن أيّ استهداف إسرائيلي لشاحنات أسلحة أو ناقلات جند لـ»حزب الله» من الشمال إلى الجنوب، ما يعني أنّ «الحزب» قد جنّد العديد من المقاتلين في القرى الحدودية، وأنّ الذخائر والعتاد تتكدّس منذ 15 عاماً في الجنوب ويتمّ عبور المقاتلين إلى المناطق الخلفية عبر الأنفاق.
وهذا ما يفسّر، كثافة النيران والغارات الاسرائيلية الأخيرة على القرى والبلدات، ويرتبط بملف تطبيق القرار الدولي الـ1701، فأهداف إسرائيل في لبنان لا علاقة لها بغزّة. فهي تريد إبعاد «الحزب» عن حدودها الشمالية لمسافة تتراوح بين 5 و10 كلم، أي إقامة منطقة عازلة تمنع في المستقبل أي «طوفان أقصى» ينطلق من الجنوب، وإذا حصل، تكون المعارك ضمن نطاق الأراضي اللبنانية. لذلك، تقوم إسرائيل بشكل شبه يومي بقصف المنازل والأحياء السكنية حيث طال حوالى 60 قرية ويتأرجح تدميرها بين 30 و80 بالمئة، ما يطرح إشكالية إعادة الإعمار والتعويضات ومن الجهات القادرة على تمويلها.
إلى ذلك، أشار الحلو إلى أنّ «عمق الإستهداف الذي يعتمده «حزب الله» داخل إسرائيل، لا يزال يتراوح بين 5 و10 كيلومترات، في رسالة عسكرية – دبلوماسية مفادها أنه لا يسعى إلى توسيع النزاع نحو حرب شاملة. كما أنّ الأخير قد انتقل من «حرب المساندة» مع انخراطه في المعارك عقب «طوفان الأقصى» إلى «حرب المشاغلة»، علماً أنها لم تؤثّر على المجريات العسكرية في قطاع غزّة. لكن حتى هذه اللحظة يرفض «حزب الله» الحديث عن أي تسوية في الجنوب قبل وقف إطلاق النار في غزّة، وهذا ما دفع الموفد الأميركي آموس هوكشتاين الذي كان يركّز في جولاته الأخيرة على تقنيات التسوية، إلى التراجع كونه الوحيد الذي يمتلك أدوات ضغط، وقد اعتبر أن الأمور لم تستوِ طالما أن «الحزب» يربط المفاوضات بوقف القتال في غزة».
بناء على ذلك، يرى العميد المتقاعد خليل الحلو أن الستاتيكو القائم عند الجبهة الجنوبية قد يمدّد إقامته في المدى المنظور، ضمن معارك استنزاف تعتمدها إسرائيل وتُشبه إلى حدّ ما النموذج السوري، كما تسميها «حروب صغيرة بين حربين»، أي القضاء على كلّ هدف تعتبره تل أبيب يشكّل خطراً عليها أو يُلحق ضرراً بها في المستقبل. وهذا السيناريو العسكري لا يرتّب تداعيات دبلوماسية أو سياسية على إسرائيل، فلا الولايات المتحدة الأميركية ولا حتى الدول الأوروبيّة قد تعترض على ذلك، طالما أنّ هذه العمليات النوعية والمحدّدة في أهدافها ونطاقها، لا تؤدّي إلى حرب شاملة أو مفتوحة بين لبنان وإسرائيل. في الختام، تبقى الأمور مرهونة بالتطورات الغزّاوية وما إذا كانت التسوية ستبصر النور، وهو ما يبدو معقّداً حتى الآن.
طوني عطية- نداء الوطن