“الجماعة” و”حماس”… ولبنان رفيق الحريري “الشهادات لا البنادق”!
تخطو «الجماعة الإسلامية» في لبنان على خطى حركة «حماس»، التي أخذت على محمل الجد، معادلة وحدة الساحات، فنفّذت عملية طوفان الأقصى، مطمئنة إلى أنّ عاصمة وحدة الساحات وأذرعها، سوف يحذون الحذو نفسه، لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وما حصدته «حماس»، هدوء شديد الحكمة، اتسمت به طهران التي انتقلت من الصبر الاستراتيجي، إلى ما سمّاه «حزب الله» جبهات المساندة، إلى ضربة تلفزيونية وجهتها لإسرائيل غداة مقتل قادة الحرس الثوري في دمشق.
لا شك أنّ «حماس» تسأل نفسها بعد هذه الأشهر السبعة من القتال والدمار العميم الذي لحق بغزة: لماذا لم ترسل ايران مسيراتها وصواريخها، في اللحظات الأولى لعملية طوفان الأقصى؟ ولماذا نام «حزب الله» مطمئناً، ولم ينفذ الوعد بالعبور إلى الجليل، تزامناً مع مقاتلي «حماس»، الذين سيطروا على غلاف غزة بأكمله؟
الجواب لا يحتاج إلى تفسيرين: إيران مهتمة بالسيطرة ومد النفوذ، أما ادعاء قتال اسرائيل، فهو السلاح السحري الذي تقدمه كغطاء للسلاح الذي زرعته في العراق وسوريا ولبنان واليمن، والذي تطمح لزرعه في كل بقعة عربية، مع إعطاء أولوية قصوى للأردن.
هذا التفسير يجب أن يكون على طاولة «الجماعة الإسلامية» في لبنان، التي اندفعت متجاوزة الدرس الحمساوي، إلى الانخراط مع «حزب الله»، وتحت قيادته ومن دون تجاوز ضوابطه، إلى مساندة غزة، ببعض الصواريخ التي يسمح «الحزب» لها بإطلاقها من فترة لأخرى، في وقت باتت تتعرض لاستهداف اسرائيلي، غالباً ما يؤدي إلى اغتيال عناصرها، الذين يتحركون عملياً من دون الحد الأدنى من الحماية.
تتجاهل «الجماعة الإسلامية» في لبنان، كل المخاطر المحدقة بتموضعها الجديد وربما القديم. «الجماعة» هي بنت الاسلام السياسي، التي يزدري الدولة الوطنية، ولا يعترف بهوية الانتساب إلى الدولة الحديثة، هي إياها الدولة التي اغتيل فيها رفيق الحريري، وهو يبشر بها ويعمل لها، وقد كانت رؤيته مماثلة لرؤية معظم العقلاء في العالمين العربي والإسلامي (الدكتور رضوان السيد أبرزهم وليس أوحدهم)، الذين عملوا لبناء الدول الوطنية والانتساب لها والدفاع عنها، باعتبارها الضمانة في مواجهة التطرف والعنف واللااستقرار الدائم.
لبنان رفيق الحريري (بغض النظر عن الرأي المتباين تجاه مشروعه الاقتصادي)، كان مناقضاً لمشهد السلاح المتفلت في عكار، حتى العداء الشديد. لبنان رفيق الحريري، كانت رؤيته تختصر بإدخال الشباب إلى الجامعات ليحملوا الشهادات، لا البنادق.
هذا اللبنان الذي هو الشقيق لدول وطنية عربية تناضل اليوم، لتحمي نفسها من ايديولوجيا العنف المسلح (ولو حاول التدثر بعباءة فلسطين)، يعيش على مفترق صعب. إما أن يتجاوز لغم نموذج الحشد الشعبي وسائر الحشود، وأشقاء الحشود، أو إذا فشل، يسلك الطريق سريعاً نحو الأفغنة، التي تتم رعايتها من ولاية الفقيه. هذا درس على «الجماعة الإسلامية» أن تقرأه بعناية، كي لا تكون المسمار الذي تجرح به الوصاية، الجسم اللبناني الذي تكسرت فيه النصال على النصال.
اسعد بشارة- نداء الوطن