لماذا تلجأ إسرائيل الى سياسة الاغتيالات “المتضخمة”: هل هي بديل للحرب أم تمهيد لها؟
منذ بدء جبهة “المشاغلة” التي حرّكها “حزب الله” على الحدود الجنوبية، وإسرائيل تفاخر بما سمّته “نجاحها” في اغتيال قادة ميدانيين ومقاتلين في الحزب كـ”دليل” على تفوقها الاستخباراتي (المزعوم). وعلى المقلب الآخر، فإن “حزب الله” في المقابل يصدر بيانات متتالية يحصي فيها عدد الاستهدافات في المستوطنات الشمالية ونوعها، وخسائر تل أبيب العسكرية واللوجيستية. وآخر ما كشفت عنه إسرائيل، كان نشر موقع “واينت” العبري تقريراً ضمّنه أسماء كبار قادة “حزب الله” الميدانيين الذين إغتالتهم إسرائيل في غارات جوية في لبنان منذ إندلاع المواجهات بين الطرفين عقب عملية “طوفان الأقصى”. وأشار التقرير إلى أن “الهجمات التي ينفذها الجيش الاسرائيلي غالباً ضدّ سيارات، تظهر معرفته العميقة بالهيكل التنظيمي لحزب الله وتوزيع أدواره في الميدان”.
ووفق الموقع، فإن “حزب الله” أعلن مقتل 280 عنصراً في صفوفه منذ بداية الحرب. وورد في التقرير مجموعة من الأسماء ادعى أنها لقادة من الحزب تمكنت القوات الاسرائيلية من إغتيالهم بغارات، وهم: إسماعيل يوسف باز قائد القطاع الساحلي، محمد حسين مصطفى شحوري قائد وحدة الصواريخ والقذائف في القطاع الغربي لقوة “الرضوان”، علي أحمد حسين قائد منطقة حجير التابعة لقوة “الرضوان”، علي عبد الحسن نعيم نائب قائد وحدة الصواريخ والقذائف في الحزب، علي محمد الدبس قائد مركزي في قوة “الرضوان”، حسن محمود صالح قائد الهجوم في منطقة جبل دوف، محمد علوية قائد منطقة مارون الراس في الحزب، حسن حسين سلامي قيادي في وحدة ناصر التابعة للحزب، وسام الطويل قائد قوة “الرضوان”، علي حسين برجي قائد منطقة جنوب لبنان من الوحدة الجوية للحزب، حسين يزبك القائد المحلي للحزب في الناقورة، عباس محمد رعد قيادي في قوة “الرضوان” (نجل رئيس كتلة “حزب الله” النيابية)، خليل جواد شحيمي قيادي في قوة “الرضوان”، علي محمد حدرج (زُعم أنه كان قائد فرع فلسطين لفيلق القدس في منطقة صور، لكن “حزب الله” نعاه كأحد عناصره).
وكان قتل الثلاثاء الماضي، قيادي ميداني بارز في “حزب الله” في ضربة جنوب لبنان بحسب بيان للجيش الاسرائيلي الذي شنّ سلسلة غارات، وأعلن أن “طائرة مسيرة استهدفت قائد المنطقة الساحلية في حزب الله إسماعيل يوسف باز”، الذي وبحسب الجيش، شارك في “التخطيط لإطلاق قذائف وصواريخ مضادة للدبابات باتجاه إسرائيل”. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرب من “حزب الله” إن “قيادياً ميدانياً مسؤولاً عن محور منطقة الناقورة قتل جراء ضربة إسرائيلية” في بلدة عين بعال الواقعة على بعد حوالي 15 كيلومتراً من أقرب نقطة حدودية مع إسرائيل.
وفي موازاة ذلك، قال وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت، إن “نصف قادة حزب الله في جنوب لبنان قتلوا في الغارات العسكرية الاسرائيلية، والنصف الآخر يختبئون ويتركون الميدان” (على حد وصفه). وتابع: “نتعامل مع عدد من البدائل من أجل تثبيت هذا الأمر وستكون الفترة المقبلة حاسمة في هذا الصدد” (من دون مزيد من التوضيح). ونقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الاسرائيلية عن غالانت قوله خلال زيارته الى القيادة الشمالية للجيش الاسرائيلي والاجتماع مع كبار ضباطه، إن الهدف الأساسي للحكومة الاسرائيلية هو العودة الآمنة لسكان المنطقة الحدودية مع لبنان إلى ديارهم بأمان، بعد أن تم إجلاؤهم عنها في بداية الحرب.
وسبق للتلفزيون العبري الرسمي “مكان” بإيعاز من المؤسسة الأمنية، في السياق الدعائي، أن بث تقريراً بعنوان “ضربات موجعة لحزب الله”، تحدث عن قدرات إسرائيل الأمنية ونجاحها في اختراق “حزب الله”، واغتيال قادة نوعيين فيه منذ بدء المواجهات في الجبهة الشمالية. وأخذ التقرير يجمع حصاداً لذلك، عبر تعداد أبرز الأسماء الذين اغتالتهم إسرائيل من “حزب الله” خلال المعركة المستمرة منذ نحو أربعة أشهر، وقد استهلت باسم القائد في قوات نخبة “حزب الله” وسام الطويل، الذي اعتبر التقرير أن عملية اغتياله مُؤرقة للحزب أكثر من غيرها. وسعى إلى تضخيم قدرات إسرائيل الأمنية، عبر الاشارة الى أن اغتيال الطويل تم على الرغم من اتباعه كل إجراءات الحذر المطلوبة، لدرجة أنه استبدل سيارته ثلاث مرات خلال انتقاله في جنوب لبنان. ثم أخذ التقرير يعدد أبرز الوسائل التي تعتمدها إسرائيل في استقاء معلوماتها الأمنية عن أهدافها من “حزب الله”، منها متابعة المكالمات الهاتفية، ووسائل التواصل الاجتماعي، وأيضاً عمل الطائرات المُسيّرة “كجاسوس”، إضافة إلى الاعتماد على العملاء على الأرض، باعتبارها جزءاً من وسائل متبعة إسرائيلياً لـ”اصطياد الأهداف”.
لكن في المقابل، لم يأتِ التقرير على ذكر خسائر إسرائيل في المعركة الدائرة، التي وثقها الحزب في “انفوغراف” نشره في مجموعاته الاعلامية، ويظهر عدد الاستهدافات لمواقع ومنازل ومستوطنات اسرائيلية، ومنشآت عسكرية حيوية وتجهيزات بين منظومتي قبة حديدية، و5 مسيرات و14 مربضاً للمدفعية، فضلاً عن تدمير أكثر من 500 وحدة سكنية في المستوطنات الشمالية، وخسائر قال الحزب إنها تخطت الألفي اصابة بين قتيل ومصاب. المتتبع للاعلام العبري، يدرك تماماً أن ما صدر عن وزير الدفاع الاسرائيلي، وما نشر من تقارير، لا يعدو كونه استعراضاً دعائياً لاسرائيل بشأن “قدراتها الأمنية والاستخباراتية”، علّها تصور نفسها كـ”منتصرة” في جولة القتال الدائرة مع “حزب الله” منذ أشهر، من خلال تفوقها الاستخباراتي. فإسرائيل لا يزال جيشها بكل ممارساته الوحشية والاجرامية عاجزاً وسط ركام غزة عن حسم المعركة وتحرير الأسرى وإنهاء “حماس”، كما وعدت حكومتها، كذلك لم تتمكن من ردع “حزب الله” في جبهتها الشمالية، على الرغم من تهديداتها المستمرة بشن حرب واسعة على لبنان. لذلك، لجأت إسرائيل في حربها “الوجودية”، إلى إعتماد عمليات الاغتيال والتركيز عليها بصورة أساسية، كحرب موازية لاخفاقاتها في الميدان، خصوصاً وأنه اضافة إلى قوة إسرائيل المتمثلة في عمليات الاغتيال بالأدوات الاستخباراتية والتجسسية، فانها تلقى دعماً واسعاً من حلفائها لوجيستياً وتقنياً وبالأقمار الاصطناعية.
وتدعو مصادر مقربة من “حزب الله” الى قراءة التاريخ، لأن تفوق إسرائيل الاستخباراتي، لم يساعدها يوماً على كسب حروبها، فكل عمليات الاغتيال، لم تثنِ المقاومة عن التصاعد والتنامي وتطوير امكاناتها العسكرية، بدليل ما تمتلكه من ترسانة من الصواريخ الدقيقة والذكية والنوعية.
وتذكر مصادر الحزب بعقيدة المقاومة ونهجها، الذي يعرّف قادتها بأنهم مشروع شهداء، وأن من تغتاله إسرائيل هناك من سيخلفه في القيادة والميدان. لجوء إسرائيل الى سياسة الاغتيالات “المتضخمة”، كأداة تتفوق بها إستخباراتياً وأمنياً، هل تشكل بديلاً عن الحرب الواسعة أم خطوة تمهيدية لها؟
زياد سامي عيتاني – لبنان الكبير