تشظية القوى المسيحية: “الحزب” يصنع بدائل سياسية وانتخابية واضحة وموجودة ولها حيثيتها
يسعى حزب الله للقول إن هناك قوة مسيحية خارجة عن إطار التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية
لا يمكن النظر إلى “التشظي” الذي تعيشه الساحة المسيحية حالياً، باعتباره مشهداً عابراً أو في إطار التنافس السياسي الطبيعي. تبرز مؤشرات كثيرة تفيد بأن هذه التشظيات قابلة للتوسع، نظراً للخلافات العميقة بين القوى المسيحية المتنوعة أولاً، وفي ظل الخلافات داخل بعض الأحزاب، ثانياً، كما هو حاصل في التيار الوطني الحرّ.
بيت الطاعة
ما ظهر مؤخراً هو إعادة تفعيل نشاط شخصيات مسيحية “مستقلة”، كانت سابقاً منضوية أو ترتبط بعلاقات تحالفية مع التيار الوطني الحرّ. يأتي ذلك بعد وقوع الخلاف بين حزب الله والتيار الوطني الحر على استحقاق رئاسة الجمهورية. هذا الخلاف الذي انفجر مع خروج رئيس الجمهورية السابق ميشال عون من بعبدا.
منذ ذلك الحين، جرى تسريب أجواء لدى حزب الله أنه لا يمكن لباسيل أن ينجح بحيازة كتلة نيابية وازنة من دون التحالف معه. وقد جرى إيصال رسائل عديدة له بهذا المجال. لكن باسيل رفض الانصياع أو العودة إلى بيت طاعة انتخاب سليمان فرنجية، وسط تضارب في التقييمات لموقفه، بين من يعتبر أن الرجل سيبقى معارضاً حتى النهاية، فيما يرى آخرون أنه سينتظر كيف ستميل رياح التسوية ليميل معها. وبمواقفه الاعتراضية والتصعيدية، يعمل على رفع السقف السياسي لتحصيل أكبر قدر من المكاسب.
حالياً، وبعد إقالة نائب رئيس مجلس النواب، الياس بو صعب، من التيار الوطني الحرّ، تبرز مؤشرات جديدة حول الاختلافات داخل التيار، وسط معطيات تفيد بأن عدداً من النواب لا يتقاطعون مع باسيل وتتضارب مواقفهم معه. بعضهم يؤيد خيار ترشيح واحد منهم لرئاسة الجمهورية بدلاً من البحث عن مرشحين آخرين. لكن هؤلاء يرفضون القيام بأي حركة اعتراضية علنية، في ظل وجود ميشال عون. لأنه في حال أُخرجوا من التيار بموافقة عون ستنتزع عنهم “الشرعية” والحيثية المسيحية، وسط معطيات تفيد بأن نواباً آخرين يتم استدعاؤهم إلى المجلس التحكيمي.
ائتلاف شخصيات
يمكن لذلك أن يبقى في إطار الصراعات العادية داخل أي حزب سياسي، لو كان منفصلاً عن غيره من الأحداث. ولكن بعض المعلومات تفيد بأن هناك محاولة حثيثة من قبل حزب الله للتأكيد لباسيل بأنه لم يعد هو الذي “يوفّر الغطاء المسيحي” للحزب، وأن هناك جهات مسيحية وشخصيات مستقلة بالإمكان التقاطع معها ونسج علاقات سياسية، للقول إن هناك قوة مسيحية خارجة عن إطار التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية، لها وزنها وحيثيتها وقرارها السياسي في البلد.
غالبية الشخصيات المختلفة مع باسيل والتيار الوطني الحرّ، تتقاطع على إمكانية دعم ترشيح سليمان فرنجية، الذي يعتبره حزب الله “المرشح الوحيد”. وغالبية هؤلاء كانوا قد تقاطعوا مع التيار سابقاً، من نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، إلى نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي، ونائب رئيس مجلس الوزراء السابق الياس المر، وغيرهم.
خيارات بديلة
يأتي نشاط هذه الشخصيات في إطار الردّ على مفاعيل “تفاهم معراب” بين التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية. إذ اجتمع الطرفان على نقطتين، ضرب الشخصيات المسيحية التقليدية، أو ضرب المسيحيين المستقلين، الذين استهزأ بهما الطرفان في حينها، وخصوصاً القوات اللبنانية، التي اختلفت مع كل حلفائها السابقين ضمن مسيحيي 14 آذار، لصالح التفاهم مع التيار.
بلا شك أن هذا النوع من النشاطات سيكون عنصراً تأسيسياً للمرحلة المقبلة، ولانتخابات العام 2026.
هذا لا يعني أن حزب الله يريد كسر العلاقة كلياً مع باسيل. ولكن يريد أن يقول إن لديه خيارات بديلة واضحة وموجودة ولها حيثيتها، وتحتفظ هذه القوى بوجودها إلى جانب وجود التيار الوطني الحرّ، الذي سيكون التعاطي بينه وبين حزب الله “على القطعة”، وفق تعبير باسيل.
يندرج ذلك عملياً، في سياق مشابه لسياق “حالة التشظي” التي تعيشها البيئة السنّية، والتي شهدت اختلالات واختلافات كثيرة، أدت إلى استعادة الشخصيات التقليدية لمقاعدها، وبروز شخصيات جديدة مستقلة، بخلاف ما كان الوضع عليه سياسياً مع وجود تيار المستقبل وتنامي قوته وانتشاره وتمثيله النيابي، كصاحب أكبر كتلة نيابية تمتد على كل المساحة اللبنانية.
منير الربيع- المدن