وسط البلبلة الأمنية والتوتر السياسي هل أصبحت المعادلة: تخطي دوافع قتل سليمان أو الفتنة؟
القوات مستنفرة لكشف ملابسات الجريمة ودوافعها
ليس كل ما يُقال في قضية اغتيال باسكال سليمان دقيق، وهناك بعض وسائل الاعلام لا يزال يعمل على تضليل الرأي العام، وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن الجامع الوحيد بين كل القوى والمرجعيات السياسية والروحية هو انتظار نهاية التحقيق، وخصوصاً “القوات اللبنانية” المعنيّة الأولى بالجريمة لأن سليمان كان مسؤولاً فيها والبطريرك الماروني مار بشارة الراعي.
منذ البداية، أراد البعض توجيه التحقيق نحو جريمة سرقة عادية قامت بها عصابة سورية، إلا أن تفاصيل معيّنة كعدم حصول سرقة وقتل سليمان ونقل جثته إلى سوريا، دفعت الرأي العام إلى طرح علامة استفهام كبيرة، والمفارقة أن بعض الأقلام المحسوبة على “الممانعة” يسعى إلى بثّ معلومات غير صحيحة بتاتاً بأن “القوات” قد سلّمت بالسرقة سبباً لقتل سليمان، وهذا الأمر لا علاقة له بالحقيقة وهذه التسريبات المُضلّلة تبدو مشبوهة.
والحقيقة الوحيدة اليوم أن “القوات” لا تزال مستنفرة لكشف ملابسات الجريمة ودوافعها، ويتولى رئيسها سمير جعجع وكامل أجهزتها العمل على هذا الموضوع، إلا أن النائب جورج عدوان مكلّف بمتابعتها مع الأجهزة الأمنية. أما عائلة الشهيد سليمان فرفضت الكلام عن الموضوع بانتظار انتهاء التحقيقات وإحالة القضية على القضاء، وعلم موقع”لبنان الكبير” أنها تثق بـ”القوات” وقيادتها في العمل مع الأجهزة الأمنية لكشف الحقيقة.
لا شك في أن جريمة قتل سليمان أدخلت البلد لبضعة أيام في بلبلة أمنية وتوتر سياسي، سعّره كلام الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله الذي هاجم “القوات” و”الكتائب” من دون حق، وعلى الرغم من الخسارة التي منيت بها معراب نتيجة قتل سليمان.
لكن قيادة “القوات” لم تتراجع كما زعم البعض، لأن تهديدات نصر الله وافتراءاته لا تخيفها، وفق أوساطها، إلا أن ايمانها بالدولة وأجهزتها لم يتأثر على الرغم من بعض الملاحظات، لذلك أرادت أن تمنح وقتاً للأجهزة الأمنية كي تُكمل التحقيق، وهذا أضعف الإيمان. ويرى عضو “الجمهورية القوية” النائب سعيد الأسمر”أن “القوات تعتبر أن التحقيق لم يُستكمل ولن ينتهي إلا بعد توقيف رأسي الشبكتين المتورطتين بقتل رفيقنا باسكال، الرأس الأول في لبنان المجرم أحمد نون، والرأس الثاني زكريا قاسم الموجود في سوريا تحت رقابة الأجهزة الأمنية السورية. وعندما تكتمل معالم الجريمة لدى الأجهزة الأمنية سنبني على الشيء مقتضاه”.
ويضيف الأسمر: “الى أن يحين ذاك الوقت، ستبقى لدينا تساؤلات عديدة: أولاً، لم تسجّل في أي جريمة سرقة حصلت في لبنان في الأعوام الخمسة الأخيرة أي جريمة قتل، وهذه معلومات حصلنا عليها من مسؤولين أمنيين. ثانياً، إذا افترضنا أنها عملية سرقة وقد أدت إلى قتل باسكال بخطأ ما، فلماذا نقلوه بالسيارة إلى سوريا عبر المعابر غير الشرعية؟ هذا السيناريو لا يمكن هضمه. ثالثاً، نحن جماعة مقاومين في السلم ونقف رأس حربة ضد مشروع آخر في البلد، وبالتالي نعرف أننا مستهدفون أمنياً، وجريمة قتل رفيقنا الياس الحصروني منذ أشهر أكبر دليل على ذلك، وقد اتّهمنا حزب الله بقتله لأنه الجهة الأمنية التي تسيطر على تلك المنطقة في الجنوب، وهو لا يسمح للأجهزة الأمنية بالقيام بمهامها. يريدون اسكاتنا ونحن نقول الحق وصوتنا عال، لذلك نعتبر أن ما يحصل هو استهداف سياسي حتى إشعار آخر”.
تنتظر “القوات” وعائلة سليمان أن تسلّم سوريا زكريا قاسم إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية، وما يؤكّده الأسمر أنه “إذا لم تُقدم على هذه الخطوة فلا يُكمن أن نفهم ذلك سوى أن هناك أسباباً سياسية غير معلنة وراء ارتكاب الجريمة”.
تُدرك “القوات” أن الأجهزة الأمنية قد تتعرّض لضغوط سياسية بسبب قبضة بعض الأحزاب والميليشيات النافذة وقد تحوّر بعض الحقائق، لكن الأسمر يشير إلى “أننا لا نريد أن نكون انتقائيين في موضوع الأجهزة، فهي تقوم بواجباتها، إلا أنها عندما لا تصل إلى نتيجة في التحقيق يعني أن هناك جهة نافذة تخفي الحقيقة وتريد اسكات كل من يعارضها ويكشف تآمرها على لبنان، مع ذلك فلننتظر ونرى”.
ويعتبر عضو الجبهة السيادية القاضي بيتر جرمانوس أن “القوات حققت انجازاً أولياً باسترداد جثة سليمان من سوريا، علماً أنه في جرائم سابقة طالت المسؤول الكتائبي بطرس خوند وداني منصوراتي وجوزف صادر، اختفوا ولم تعرف عائلاتهم شيئاً عنهم إذا كانوا أحياء أو أمواتاً”.
واللافت أن جرمانوس يتابع مسألة الجرائم في لبنان ويُلاحظ أن هناك كل يوم قتيل في لبنان، “وهذا بسبب إضعاف هيبة الدولة، وضرب القضاء، ولا بد من الاعتراف نتيجة معاينة دقيقة بأن الجرائم السياسية باتت نادرة في العالم في هذا العصر، إلا لبنان حيث باتت الاغتيالات عملية سهلة”، مشيراً إلى أنه “لا يجب أن ننسى أن أكثرية معارضي الحزب جرت تصفيتهم بدءاً من الرئيس رفيق الحريري مروراً بشخصيات سيادية من نواب ووزراء 14 آذار وصولاً إلى ناشطين وصحافيين وأقلام حرة، وهذا أمر مقلق، لأنه يدفع بالنخب إلى تجنّب ممارسة السياسة، بهدف تفريغ الحياة السياسية من شخصيات متمكّنة ومثقّفة ولها حضور كاريزماتي، فيما تُستبدل بشخصيات سياسية لا تتمتع بقدرات ويُسيطر عليها بسهولة”.
ولا شك في أن جرمانوس وكل الأحرار في هذا البلد متفقون على أن ما نواجهه يشبه ما يحصل في بعض الأنظمة التوتاليتارية الخطرة والعنيفة، وبالتالي على القيّمين الذين لا يزال لديهم حسّ وطني وشعور بالمسؤولية من كل الطوائف أن يتضافروا لوضع حدّ للاغتيال السياسي الذي يدمّر المجتمع بكامله.
جورج حايك- لبنان الكبير