إمبراطورية إيران “العاقلة”… وشعوب الدرجات “الما – دون” إيرانية المنذورة لحروبها
ثلاثة دروس على شعوب المنطقة العربية أن تفهمها جيّداً من درس ليلة 13 نيسان 2024
إمبراطورية إيران “العاقلة”… ونحنُ شعوب الدرجة الثانية المنذورين لحروبها
ردّت إيران على إسرائيل لأنّها قصفت قنصليّتها في سوريا. ردّت بـ”عقل” و”حكمة”. ردّت بتنسيق مع الرئيس الأميركي جو بايدن. لحماية “مصالح إيران”. وقال قادتها إنّهم أعلموا “دول المنطقة” قبل 72 ساعة من الهجوم. وأرسلوا صواريخ وطائرات مسيّرة إلى إسرائيل تحتاج إلى ساعات لتصل. وفي هذا الوقت يكون الإسرائيليون قد رتّبوا أمورهم… وحدَنا، أبناء شعوب المنطقة، لا حاجة لنا إلى “العقل” و”الحكمة”. فنحن محكومون بـ”العزّة” و”الكرامة”… ومصالح بلادنا حكاية خرافية، يستحقّ من يرويها أن يوصم بأنّه “خائن”.
حين أعلنت إيران أنّها ستردّ على قصف قنصليّتها في سوريا، بقصف إسرائيل، انتاب الغضب كثيرين من “شعوب الدرجة الثانية” في المنطقة. هؤلاء الذين ينتمون إلى جنسيّات “ما دون إيرانية”. كأن يكونوا عراقيين أو سوريين أو فلسطينيين أو لبنانيين أو يمنيين. هؤلاء الذين قُتلوا ودُمّرت بيوتهم في الأشهر الستّة الأخيرة، دون أن يرفّ لـ”الإمبراطورية” جفنٌ.
أمّا قتل حاملي الجنسية الإيرانية، وعلى “أراضٍ إيرانية” (القنصلية في سوريا)، فقد اعتبرته الإمبراطورية اعتداءً لا يمكن السكوت عنه. وقرّرت أن تذيق العدوّ الإسرائيلي طعم الانتقام، وأن تلقّنه درساً لن ينساه.
ثلاثة دروس عربيّة
ثلاثة دروس على شعوب المنطقة العربية أن تفهمها جيّداً من درس ليلة 13 نيسان 2024. تلك الليلة التي يحاول الناطقون بألسنة “الإمبراطورية” أن يوحوا لنا أنّها ستغيّر التاريخ.
ثلاثة دروس. ويمكن إيرادها سريعاً:
1- الدرس الأوّل: هو أنّ هناك 4 جنسيّات في محور الممانعة. أي في الإمبراطورية الإيرانية الآخذة في التشكّل والتوسّع والتطوّر:
– هناك الجنسية “الإيرانية”. وهي “باب أوّل” و”درجة أولى”. والاعتداء على أحد حاملي هذه الجنسية يستدعي الويل والثبور وعظائم الأمور.
– وهناك جنسيّات “باب ثانٍ”. من الباب الثاني تأتي الجنسية اللبنانية. من أجلها يأتي وزير خارجية الإمبراطور إلى بيروت ويقول: “أمن لبنان من أمن إيران”.
– وهناك جنسيّة “باب ثالث”. منها اليمنيون مثلاً. هناك تتدخّل إيران بقوارب تابعة للحرس الثوري كي “تدعم” القوّات البحرية الحوثية في تحرّشاتها بالسفن الإسرائيلية.
– وهناك “الباب الرابع”. وهو الفلسطيني. حيث موتُ 35 ألف طفل وامرأة وشيخ ورجل، وجرح 70 ألفاً، وتهجير مليونَي إنسان، لا تستدعي أيّ مسيّرة أو صاروخ.
2- الدرس الثاني: الإمبراطورية لها مصالح. وتحاول الانتظام في “السيستام” الدوليّ. قبل أن تقصف دولة إسرائيل ذكّرت العالم بما أقرّه ميثاق الأمم المتحدة في المادّة 51: “الحقّ بالدفاع عن النفس”. وبالتالي هي دولة تحاول أن تكون “عاقلة”. لهذا تُبلغ دول المنطقة وقياداتها قبل 72 ساعة بأنّها سترمي صواريخ ومسيّرات على إسرائيل. كي تخلي المجال الجوّي. وتطلب الإذن من الأمم المتحدة. وتحتمي بالقوانين الدولية.
هذه المصالح التي تعيبها على من يتحدّثون عنها في بلادهم. فاللبناني إذا تحدّث عن مصالح بلاده واعترض على حرب جنوب لبنان، يتّهمه أزلام الإمبراطورية بأنّه يعاني من نقصٍ في العزّة والكرامة. وبأنّه يريد “ترك غزّة وحيدةً”.
نحن الشعوب، من الدرجات الثانية والثالثة والرابعة والخامسة، دورنا أن نحمي سياسات الإمبراطورية. أن نحارب من أجل مشاريعها. أن ندمّر بلادنا في سبيل خدمتها وإعلاء أعلامِها. أمّا هي فترسل لنا الجنرالات والمستشارين والوزراء ليعلّمونا “العزّة” و”الكرامة”.
3- الدرس الثالث: قصف إسرائيل يستدعي “الحنّيّة”. الهدوء. الحكمة. العقل. التروّي. إبلاغ “الأب الروحي”، أي البيت الأبيض. وأخذ موافقة رئيس بلاد “الشيطان الأكبر”، أي رئيس الولايات المتحدة الأميركية، جو بايدن. أمّا قصف الدول العربية. ميناء في الإمارات، أو أرامكو السعودية، أو اجتياح سوريا، أو انقلاب عسكري ذات 7 أيّار في بيروت، أو أو أو… فهي من أبواب المرح وحرّيّة الحركة العسكرية.
مشهدان مؤلمان…
هناك مشهدان يؤلمان كلّ لبنانيّ أو يمنيّ أو فلسطينيّ:
1- مشهد قادة سياسيين في لبنان، يعزّون أهالي شهداء سقطوا في جنوب لبنان، ويهنّئونهم بأنّهم “سبقونا إلى الشهادة”. وهنا يصير القتل في سبيل “الإمبراطورية” هو تسريع للّقاء مع الخالق. وهو محمودٌ ومطلوبٌ، لا بل هو يستدعي “الحسد”.
2- مشهد الإمبراطورية وهي تغلي لأنّ إسرائيل قتلت أحد قادتها. بدلاً من أن تهنّئ نفسها، تماماً كما هنّأ فلان أهل هذا الشهيد أو ذاك.
إذاً، موتنا، نحن شعوب الدرجات “الما – دون” إيرانية، يستحقّ التهنئة. أمّا موت قادة يحملون الجنسية الإمبراطوريّة، فيستدعي التهويل بحرب عالمية قد لا تُبقي حجراً على حجر في المنطقة.
100 ألف من أهل جنوب لبنان لم يزوروا قراهم في عيد الفطر. 100 ألف بلا بيوت منذ 8 أكتوبر (تشرين الأول 2023). أمّا الإيرانيون فينعمون بالأمن والأمان. وما هي إلّا ساعات، في منتصف ليل 13 نيسان، انهمكوا خلالها في متابعة أخبار هجوم بلادهم على إسرائيل.
نحن شعوب الدرجات السفلى في السلّم الإمبراطوري، علينا أن نفهم ما جرى. وعلينا أن نشكر الإمبراطورية على “حكمتها”… في أنّها ترسلنا إلى جنّات الخلد.
محمد بركات- اساس