13 نيسان الإقليمي والوظيفة الإيرانية لـ”الإشغال”

دعنا من المسرحية التي أُشبعت تشريحاً ونقداً سينمائياً في الساعات الماضية. ولننتظر ما جناه كل من الممثلين لقاء أدوارهم. المهم ألا يكون لبنان أحد الأثمان لإسرائيل أو لإيران…

في الانتظار، من العبر أنه مثلما حصل كسوف الشمس قبل أيام حين مر القمر بينها وبين الأرض، حجبت بروفة «الميني حرب» ليل السبت بين إسرائيل وأميركا وإيران، حديث التحذيرات من الحرب الأهلية في البلد. 13 نيسان الإيراني – الإسرائيلي- الأميركي عام 2024، حجب 13 نيسان اللبناني 1975، الذكرى 49 لانطلاق الحرب بين اللبنانيين، وما سمي «حروب الآخرين على أرضنا».

وجه التشابه الوحيد بين 13 نيسان 1975 و13 نيسان 2024 هو تعطيل السلطة في البلد لمصلحة أخذه نحو ولاءات خارجية تعمّق انقسام مكوناته. مع انطلاق المسيّرات والصواريخ الإيرانية ليل أول من أمس من إيران نحو إسرائيل، بدا أن ما تشهده المنطقة لا يتسع له المسرح اللبناني على رغم اعتقاد البعض أنّ الصراع في البلد الصغير هو انعكاس لصراعات المنطقة.

واقع الحال أنه إذا كان عنوان الصراع في لبنان يتمحور حول الموازين التي تحكم إعادة تكوين السلطة فيه بعد التغييرات التي طرأت على أحجام اللاعبين المحليين، فإنّ إبقاء السلطة فيه معلّقة تحت عنوان الشغور الرئاسي وتعطيل المؤسسات الدستورية والسياسية، يحصل تحديداً من أجل خدمة أهداف تتعلق باللحظة السياسية الإقليمية كالتي نمر بها.

ثمة دول في المنطقة حيّدت نفسها عن المواجهة الجارية بين إيران وبين إسرائيل، ومعها أميركا. بعضها حليف لطهران، أو صديق لها وفضّل البقاء خارج دائرة تلك المواجهة، مثل سوريا… أما لبنان، الذي لو كان فيه سلطة سياسية شرعية، لكان جنح هو الآخر نحو تحييد نفسه. وليس مجافياً للواقع القول إنّ تفريغ البلد من سلطة مركزية تحكمه، أتاح إقحامه في االلعبة الدائرة، التي سمي جزء منها مسرحية.

بهذا المعنى يمنع الشغور في السلطة، وتعطيل المؤسسات والقرار، تحييد البلد عن المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية – الأميركية الدائرة. لو أنّ هناك سلطة مركزية فيه لكانت اكتفت بإطلاق موقف سياسي يدين اعتداء إسرائيل على القنصلية الإيرانية في دمشق، مثلما فعلت الدول عربية، ولكانت ساندت طهران في المحافل الدولية ضد العدو الإسرائيلي، ولكانت قواته المسلحة امتنعت عن إطلاق صواريخ الكاتيوشا والمسيرات كما حصل قبل يومين، من أجل تجنب قصف إسرائيل جبل الريحان في الجنوب، ومواقع (لـ»حزب الله») في محيط راشيا… باختصار، لما كان أطلق مسيرات وكاتيوشا كتمهيد استباقي للمسيرات والصواريخ الإيرانية قبل انطلاقها بساعات من الأراضي الإيرانية.

فأي سلطة مركزية في لبنان قائمة على قاعدة التوازن بين مكوناته، وعلى احتساب قدراته على تحمل ردة الفعل، وعلى إدراكٍ لتواضع موقعه الإقليمي ومحدودية قدرته على الرقص على حافة الهاوية، كانت لتدرك أن حجم الخسائر التي سيتلقاها لا تتناسب مع تحوّل حرب «إسناد غزة» في مواجهة الهمجية الإسرائيلية، إلى حرب «إسناد إيران» في الصراع الذي تخوضه من أجل موقعها الإقليمي الذي تعمل واشنطن على تحجيمه من دون إلغائه. فليست وظيفة أي سلطة فيه التنطح للاشتراك في رسم الخريطة الإقليمية.

قيل إن إطلاق «حزب الله» مساء الجمعة مسيرات ورشقة كاتيوشا من الجنوب على الجولان المحتل وعلى الجليل هدَف إلى اختبار قدرة القبة الحديدية الإسرائيلية على اعتراض الهجوم الجوي الإيراني، أو إشغال الدفاعات الأميركية والإسرائيلية التي جرى تفعيلها.

قد تساعد المواجهة الحاصلة بين إيران وإسرائيل، وانخراط لبنان الساحة فيها عن طريق «الحزب»، على فهم أهمية هوية الرئيس الذي تريده قوى الممانعة على رأس السلطة، كي لا «يطعن» في مشروعية الظهير اللبناني لطهران في دوره في اللعبة. الرئيس المنشود، مطلوب لمثل هذه اللحظة بالذات. أي ألّا يسأل نفسه إذا كان عليه أن يخوض حرب «إشغال» للجيش الإسرائيلي، عن ضرباته لغزة، ثم ألّا يسأل نفسه كيف يصبح هذا «الإشغال» لتخفيف اعتراض صواريخ إيران.

في ذكرى 13 نيسان المشؤومة، ثمة وجه آخر للتحذيرات من تكرار الحرب الأهلية، في وقت لا يملك أي من الفرقاء المحليين ترف الانغماس فيها. بعض التحذيرات من العودة إلى الاقتتال الداخلي أقرب إلى التهويل.

ما رافق ولحق قتل المسؤول في حزب «القوات اللبنانية» باسكال سليمان من تشنجات، جرى تبديده بمواقف واضحة وسريعة سواء من قبل حزبه، أو من مرجعيات طائفته. وهو ما قطع الطريق على التهويل بالحرب الأهلية، الذي هدفه حصول كسوف يحجب السجال عن حقيقة وأسباب الانقسام السياسي في البلد، وخلفياته الإقليمية.

وليد شقير

مقالات ذات صلة