لبنان يعيش على فوهة بركان في انتظار “شرارة “: تحذيرات من أفخاخ الفتنة
إنها الذكرى التاسعة والأربعون لبداية الحرب الأهلية في 13 نيسان/إبريل 1975 وكم أشبه اليوم بالأمس خصوصاً أن لبنان بعد ضمّه إلى «وحدة الساحات» وبعد تحوّل عاصمته بيروت إلى إحدى العواصم العربية الأربع التي تتأثر بالنفوذ الإيراني بات يعيش على فوهة بركان في انتظار شرارة ما كعبور بوسطة عين الرمانة من مكان ما تعيد البلد 49 سنة إلى الوراء.
والواقع أن اتفاق الطائف الذي أقرّ عام 1989 بهدف وضع حد للحرب لم يحقق غايته تماماً بعد ما تم الانقلاب عليه وأبقى السلاح بيد فريق من اللبنانيين هو حزب الله تحت عنوان مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وجاء هذا الاتفاق على حساب المكوّن المسيحي الذي نُفي أحد قادته الجنرال ميشال عون الذي عارض الطائف ورفض تسليم القصر الجمهوري فكانت عملية عسكرية سورية ضده في 13 تشرين الأول/أكتوبر عام 1990 فيما مَن وافق على الطائف وهو رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع سُجن سياسياً 11 عاماً ولم يُطلَق سراحه من وزارة الدفاع إلا بعد خروج جيش النظام السوري من لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005.
واعتقد اللبنانيون أن خروج الجيش السوري وتلاقي اللبنانيين مسلمين ومسيحيين في ساحة الشهداء في 14 آذار/مارس فتح الباب أمام مصالحة كبرى كتلك المصالحة التاريخية التي شهدها الجبل عام 2001 بين البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير والزعيم الدرزي وليد جنبلاط وما زالت راسخة لغاية الآن، خصوصاً أن قيادات 14 آذار انفتحت على الثنائي الشيعي وعقدت معه تحالفاً انتخابياً عُرف بالتحالف الرباعي، لكن هذا التحالف لم يصمد بسبب حرب تموز/يوليو عام 2006 وبسبب الخلاف على المحكمة الدولية التي رفضها حزب الله وأدّت إلى إنسحاب الوزراء الشيعة من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وتنفيذ 7 ايار ضد أهالي بيروت والجبل وإقامة أطول اعتصام شعبي في وسط بيروت أدى إلى ضرب وشل قلب العاصمة حتى تاريخه.
منذ ذلك الوقت وحزب الله يمارس سياسة الاستقواء متكئاً على فائض القوة للهيمنة على قرار الدولة اللبنانية ومحاولة فرض رئيس الجمهورية الذي يريد واختزال قرار الحرب والسلم بيده، وكان شعار «أم الصبي» يدفع تباعاً بالرئيس سعد الحريري وغيره إلى عقد التسويات كما حصل في الدوحة وبعدها وفي تشكيل الحكومات، حتى كانت ثورة 17 تشرين الأول/اكتوبر التي عطّل مفاعيلها حزب الله وصولاً إلى التفجير في مرفأ بيروت ورفض الحزب التحقيق في أسبابه ومَن وراء تخزين نيترات الأمونيوم ثم تهديده المحقق العدلي القاضي طارق البيطار وتنظيم تظاهرة إلى الطيونة انتهت باشتباكات بعد محاولة اقتحام عين الرمانة ما أسفر عن سقوط 7 قتلى للثنائي الشيعي.
وعلى وقع الأزمة الرئاسية والشغور في قصر بعبدا وتفاقم أزمة النازحين السوريين جاءت حرب الإسناد التي أطلقها حزب الله في 8 تشرين الأول/اكتوبر دعماً لغزة والتي أججت الخطاب السياسي مع بكركي وقوى المعارضة التي رفضت توريط لبنان بالحرب ودفع الأثمان بسبب قرار فئة أو حزب، إلى أن جاء خطف ومقتل منسق القوات اللبنانية في منطقة جبيل باسكال سليمان بعد فترة قصيرة على حادثة غامضة تسببت بمقتل مسؤول القوات في عين إبل الياس الحصروني ليتبيّن أنه لم يمت بحادث سير بل كشفت كاميرات مراقبة أنه خُطف من قبل سيارتين رباعيتين وتم تصوير مقتله أنه ناجم عن حادث سير، وهذا ما عزّز الشكوك لدى القوات اللبنانية في الرواية الأمنية حول ظروف مقتل سليمان في قلب مناطق الثقل المسيحي على يد عصابة سرقة سيارات وكيفية عبور 200 كلم وصولاً إلى الأراضي السورية خصوصاً أن إحصاءات قوى الأمن الداخلي أظهرت أن سيارة المغدور وهي من طراز «أودي» ليست مرغوبة لدى عصابات سرقة السيارات وأن عدد عمليات الخطف خلال عمليات «سلب السيارات» هو صفر تقريباً.
وإلى تصفية سليمان والحصروني استحضر القواتيون سيناريو مقتل الناشط رمزي عيراني وحادث انقلاب شاحنة سلاح حزب الله عند كوع الكحالة وما أثاره من توتر وسُخط لدى العديد من شرائح المسيحيين بمن فيهم مناصرو التيار الوطني الحر ما جعل الوضع العام في البلاد يعيش على برميل بارود يذكّر بأجواء الاحتقان التي كانت سائدة قبل انفجار الحرب في 13 نيسان/ابريل.
غير أن بكركي والأحزاب المسيحية وقوى المعارضة أدركوا خطورة الوضع ونوايا البعض المكشوفة بإثارة القلاقل والفتن لتحويل الأنظار عن المواجهات الدائرة في الجنوب وما خلّفته من دمار وقتل وتهجير وذلك عن طريق إحداث فوضى وبلبلة ونشر بيانات مشبوهة تؤسس لفتنة مسيحية مع النازحين السوريين واستطراداً لفتنة مسيحية سنية. من هنا جاءت المواقف من القيادات المسيحية والسنية والدرزية الداعية إلى رفض أي تعديات على النازحين السوريين حفاظاً على تعاضد اللبنانيين المنتمين إلى الفريق السيادي في ما خصّ القضايا الوطنية ورفض السلاح غير الشرعي. وقد تجاوب رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع مع الاتصالات التي دعته إلى التهدئة وعدم التصعيد في خطابه خلال تشييع منسق القوات في جبيل لنزع الذريعة من فريق الممانعة الذي حسب بعض المعلومات كان يستعد لتنفيذ تحرك أمني شبيه بما حصل في الطيونة وأكثر، خصوصاً أن أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله مهّد لذلك بخطابه العالي النبرة ضد حزبي القوات والكتائب واتهامهما بالتحريض وإثارة الفتنة وتهديد السكان الشيعة في جبيل.
كل هذه الوقائع مضافاً إليها شعور المسيحيين بشكل عام بإقصائهم عن الدولة في لبنان في غياب رئيس الجمهورية يولّد الخوف من تراجع دورهم في لبنان الذي يعتبرون أنه نتاج البطريرك الماروني الياس الحويك منذ عام 1920 وأنه لم يعد يشبههم. ولكن على الرغم من هذا الشعور وعلى الرغم من اتهامهم بالسعي إلى حرب أهلية تؤكد مرجعيات مسيحية عبر «القدس العربي» أن «لا رغبة لديها في الانجرار إلى أي حرب في الداخل وأنها تغلّب الحس الوطني وضبط النفس على الحس الغرائزي».
وتبقى العِبرة من الحرب البشعة التي شهدها لبنان في 13 نيسان/ابريل وما أسفرت عنه من قتل ودمار وتهجير لمنع أي كان من الوقوع في فخ بوسطة الفتنة وسرقة أحلام اللبنانيين ببلد يسوده السلام والوئام والازدهار.
سعد الياس- القدس العربي