هي حرب أهلية دائمة التجدد: حرب آفلة واخرى مقبلة!
بين حرب آفلة واخرى مقبلة: الانسحاب من لبنان الكبير
هي حرب أهلية دائمة التجدد يعيشها لبنان بصراعاتها الأهلية الفعلية وليس بالضرورة أن تكون مستندة على عناصر عسكرية أو خطوط تماس. لا يمكن لسردية الحرب أن تختصر ما بين 1975 و1990. بل لها ما قبلها وما بعدها، وما يتجدد اليوم على وقع صراع وجهات وتوجهات وانقسامات في ظل حرب اقليمية ايضاً.
أي حادثة امنية يمكنها أن توقظ في اللبنانيين، الكامنين في حرب النفوس، ذاكرة خطوط التماس والحروب، حروبهم وحروب الآخرين، والتي يشهدون أحد فصولها اليوم. تزامنت ذكرى الحرب الأهلية اليوم مع جملة أحداث آخرها عملية خطف وقتل منسق القوات اللبنانية في جبيل باسكال سليمان، وعملية خطف واغتيال الصراف محمد سرور المتهم بتحويل أموال من الحرس الثوري الإيراني الى حركة حماس.
حزب الله:الجبهة المفتوحة
وما قبل الحادثتين يقبع لبنان في مواجهة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، لا أحد قادر على التحكم بمسارها والتوقع في مآلاتها وكيفية نهايتها. ينقسم اللبنانيون بشأنها أيضاً ويتحاربون سياسياً، بين من لا يعتبر نفسه معنياً بها ويضعها في سياق حرب فلسطينية أو مواجهة ايرانية لتثبيت النفوذ في الشرق الأوسط وتكريسه، وبين من ينظر إليها كحرب دفاعية استباقية في مواجهة اسرائيل ومنعها من التفكير في خوض حرب أوسع منها لاحقاً، وهو ما يفضل حزب الله تسميته بحرب “توازن الردع”. لكن نظرة معارضيه لها مختلفة، إذ يعتبرون أن الردع مفتقد طالما أن اسرائيل تصول وتجول حيث تشاء ولا تزال توجه ضربات قاسية. ويستمر السجال انطلاقاً من ذلك ليطال هوية البلد أو وجهته في المرحلة المقبلة.
الانسحاب من لبنان الكبير
يعتبر معارضو الحزب أن حزب الله يراكم الخسائر بنتيجة هذه المواجهة، وبالتالي يجب أن تفرض عليه موازين قوى سياسية جديدة وإن بعوامل خارجية، اما في حال رفض ذلك وأصر على استمرار المواجهة بدون العودة الى الدولة وكنفها وانتاج تسوية تعيد اعتبارها، فإن هؤلاء يفضلون حينها الذهاب الى ما يسمونه بحلّ الدولتين. أما حزب الله فيعتبر نفسه منتصراً مسبقاً، بالإستناد الى ما قاله أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، والذي تحدث بلغة الواثق بالنصر، متوجهاً الى الحلفاء والخصوم بالقول إن عليهم مراجعة حساباتهم لأن النصر مؤكد. كلام نصر الله انعكس وتجلى في مواقف أطلقها المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، الذي حمل على لبنان الكبير، وتوجه الى المسيحيين بالقول إن المقاومة ترسي قواعد جديدة للبنان يتجاوز ما كان عليه الوضع أيام المارونية السياسية، وبالتالي القطع مع لبنان السابق لتكريس لبنان جديد بمفهوم الشيعية السياسية.
موقف سرعان ما استدعى ردود فعل مسيحية كان آخر على لسان أبرز منظري حزب القوات اللبنانية النائب السابق ايلي كيروز الذي ردا على قبلان قائلاً:” هل يريد المفتي الجعفري الممتاز، وبعد كل هذا الكلام وبعد التجربة الكبيرة لوطن تشاركي تعددي، الإنسحاب من لبنان الكبير وتعويض “الخطأ التاريخي الذي إرتكب،” أم أنه يسعى إلى تبرير محاولات فريقه السياسي السيطرة على لبنان بعيداً من ثقافة لبنان التاريخي ووضعه تحت وصاية السلاح وثقافة السلاح والموت. ويبدو ان سماحة المفتي يريد إلغاء تاريخ لبنان العريق والحديث على السواء، وكأن هذا التاريخ يبدأ مع تاريخ الممانعة والمقاومة الإسلامية”.
أنفاق حزب الله
لا تصعب قراءة مشاهد الحرب الأهلية المستمرة في كل هذه البيانات والمواقف، ما يبقي سردية “الجدل البيزنطي” حية، على وقع مواجهة إقليمية أصبح لبنان منخرطاً فيها، وفي قلبها، لا حيلة لمسؤوليه سوى انتظار ما سيتقرر في الخارج، في ظل زيادة منسوب التهديدات الإسرائيلية، من جهة، او انتظار الآخرين للردّ الإيراني المزود بالصبر الإستراتيجي والحرب النفسية وكل ما يتصل بها من شعارات او مصطلحات تجيد ايران وحلفاؤها ابتكارها. وهو ما يظهر اللبنانيين أقوياء على بعضهم البعض، ضعفاء أمام الخارج، على الرغم من كل سرديات القوة.
في خضم هذا الجدل الذي لا ينتهي، تتفاقم المخاوف من تصعيد اسرائيلي، وسط معطيات خارجية تفيد بأن الحل الديبلوماسي متعثر وغير قابل للتطبيق، وأن توسيع المواجهة قد أصبح حتمياً، والمسألة مرتبطة بالتوقيت، خصوصاً أن اسرائيل تسعى الى تغيير القواعد العسكرية وتعديل موازين القوى بشكل تعتبر نفسها قد حققت انجازاً بأن لا تسمح لحزب الله بمهاجمتها لاحقاً. والى جانب كل التسريبات الإسرائيلية التي ركزت على أوضاع الجبهة ومقاربتها، فهناك تركيز جديد حالياً يتعلق بالأنفاق التي يمتلكها الحزب في الجنوب، ويسوق الإسرائيليون للإنتقال الى مرحلة جديدة من تفجيرها أو تعطيلها وهذا أمر لا يبدو أنه ممكن بالطائرات.
منير الربيع- المدن