بين جبيل والجنوب باسيل “يَتموضَع”…ويجد السلّم الذي يحتاجه الحزب للنزول عن شجرة إشتعال الجبهة الجنوبية!!
بين جبيل والجنوب باسيل “يَتموضَع”!
اقتحم النائب جبران باسيل “جبهة الجنوب” من خلال الإعلان عن توجيه “التيار الوطني الحرّ” رسائل إلى سفراء الدول الخمس عشرة في مجلس الأمن ودول اللجنة الخماسية والدول الأساسية في قوات اليونيفيل لـ “المطالبة بتحقيق وقف إطلاق نار في الجنوب بمعزل عن غزة” في خطّ سير عكسي لمسار الحزب ومقاربته للحرب. فما هي تداعيات هذه الخطوة الباسيليّة؟
وفق معلومات “أساس” وَضَع باسيل مُسبقاً رئيس مجلس النواب نبيه بري وقيادة الحزب في “جوّ” خطابه بعد اجتماع المجلس السياسي للتيار. ولم يلقَ ممانعة سلبية من الجانبين، أي محاولة منعه من ذلك.
عمليّاً، يُدرِك باسيل بتقدّم بري، ضمناً، والنائب السابق وليد جنبلاط، علناً، جبهة المؤيّدين لإخراج الجنوب من نفق العمليات العسكرية المستمرّة في غزة بأسرع وقت ممكن، ويتفهّم موقف الحزب أمام جمهوره، كما يقول قريبون منه.
عائلة باسكال قوّاتيّة-عونيّة
كاد باسيل أن يتراجع عن خطوته بعد الإعلان عن مقتل منسّق القوات في جبيل باسكال سليمان كي لا يفسّر ذلك ضمن إطار الضغط المتزايد على الحزب إن على جبهة الجنوب أو في شأن الغموض الذي لا يزال يلفّ بعض جوانب جريمة مقتل سليمان وسط إصرار قوّاتي واضح على تحميل الحزب مسؤولية الجريمة، وإن بشكل غير مباشر.
لكنّ باسيل عدّل أولويّات خطابه من دون التراجع عن خطوته، فبدأ حديثه عن “قضيّة باسكال” وكادت عناوينها تطغى على تحرّكه في شأن وقف إطلاق النار جنوباً “حتى لو اضطرّ الأمر إلى إصدار قرار دولي يكون ملزماً للبنان وإسرائيل انطلاقاً من تنفيذ القرار 1701″، كما قال.
انطلاقاً من معرفة باسيل، بحكم موقعه الحزبي، بأنّ عائلة باسكال سليمان الكبيرة ليست “مغطّسة قوّات”، بل هناك أجنحة ضمن العائلة قريبة أو منتمية إلى التيار الوطني الحر، تعاطى مع ملفّ باسكال كأنّه قضية تعني حزبه أيضاً والبلد برمّته، مشيراً إلى “اتّصال شقيق باسكال به بمحبّة ومسؤولية من أوّل وقوع الحادث طالباً كلّ مساعدة كأخ ومُحبّ”، ثمّ كانت مشاركة وفد واسع من “التيار” برئاسة نائبه ناجي حايك في مراسم التشييع وتقديم الرئيس ميشال عون وباسيل التعزية لأهل الفقيد.
إخفاء أدلّة؟
هنا تفيد المعلومات بأنّ جزءاً من عائلة سليمان اعترض ضمنيّاً على الاستثمار السياسي للقوّات لمقتل باسكال والتعاطي مع القضيّة بوصفها شأناً خاصّاً بمعراب فقط إلى درجة رفع شعار “المواجهة مستمرّة” خلال التشييع بهدف إلباسه ثوب المواجهة المباشرة مع الحزب، وصولاً إلى التشكيك في الوقائع التي وضعها قائد الجيش العماد جوزف عون كاملة بعهدة البطريرك بشارة الراعي والتي لا تزال تزكّي حتى الساعة، بالأدلّة، فرضيّة السرقة. لا يجد هؤلاء أيّ مصلحة للجيش، كمؤسّسة عسكرية، في إخفاء أدلّة للتغطية على أيّ تورّط حزبي في مقتل سليمان.
غرفة عمليّات لبنانيّة-سوريّة
كما أنّ تحقيقات كلّ الأجهزة الأمنيّة تقاطعت عند “واقعة السرقة”، ولا تزال الجهود الأمنيّة تصبّ عند تقديم الأدلّة الثبوتيّة، خصوصاً من خلال كاميرات المراقبة والتحقيق مع من تعرّضوا لمحاولة سرقة سيّاراتهم في اليوم نفسه، وتوقيف متورّطين آخرين.
أمّا الجزء الآخر لخطاب باسيل فتجلّى من خلال إبراز دوره في القضية عبر قوله: “كلّنا اشتغلنا ليل الأحد ونهار الإثنين لنحاول أن نخلّص باسكال ونجنّب البلد الفتنة”.
في معلومات “أساس” أنّ غرفة عمليات موازية لـ “غرفة معراب” تألّفت من باسيل والحاج وفيق صفا والرئيس برّي ومخابرات الجيش وأجهزة أمنيّة وصولاً إلى السراي ومرجعيات في سوريا لمحاولة التقصّي عن مصير باسكال ثمّ الضغط على الجانب السوري لتسليم الجناة الثلاثة الذين فرّوا إلى سوريا في سيارة باسكال، بعد رمي جثّته في بلدة حاويك السورية.
الخطأ الغبيّ
في الشقّ الأمنيّ تقول مصادر مطّلعة على مسار التحقيقات في قضية باسكال سليمان: “لو افترضنا أنّ هناك تورّطاً للحزب في القضية، فكيف نفسّر جهد الحزب ثمّ موافقة الأمن السوري على تسليم الجناة السوريين الثلاثة وسيارة باسكال في مدّة زمنية قصيرة جداً، ومن بينهم بلال دلّو الذي قام بضرب باسكال على رأسه بكعب المسدّس فأفقده الوعي متسبّباً بوفاته، ونحن نعلم أنّ الكثير من الجرائم لم يصل فيها الأمنيّون حتى إلى طرف خيط؟ وكيف يمكن تفسير “الخطأ الغبيّ” الذي وقع به الجناة حين احتفظوا بهاتف باسكال من بلدة الخربة، حيث حصلت عملية السرقة والاختطاف، حتى بلدته ميفوق، فكان الأمر كفيلاً بكشف أرقام الجناة من خلال داتا الاتصالات والتزامن الجغرافي للهواتف”.
باسيل وجعجع
في الشقّ السياسي تقول مصادر معنيّة لـ “أساس”: “بعدما بلغت المواجهة حدّها الأقصى بين باسيل والحزب، قدّمت الظروف السياسية فرصة لرئيس التيار لإثبات وقوفه إلى جانب الحزب من خلال التصدّي لـ “جبهة معراب” التي حاولت الاستثمار مسيحياً في القضية، خصوصاً من خلال محاولة إرجاء مراسم الدفن أربعة أيّام، وتصويب باسيل على ممارسات القوات التي تلت الجريمة بتعزيز واقع الأمن الذاتي وتأجيج الفتنة، مُعيداً القضية إلى جوهرها الأساس، وهو “لعبة خارجية مع تواطؤ داخلي عبر إبقاء ما يزيد على مليونَيْ سوري في لبنان”، الأمر الذي يؤدّي إلى حوادث مماثلة كتلك التي قضت على حياة باسكال سليمان”.
من الواضح، كما تقول المصادر، أنّ باسيل لم يذهب في موجة الاستثمار المسيحي مع أنّ الخطاب المسيحي المتشدّد طَبَع أخيراً لهجته، خصوصاً في ما يتعلّق بموضوع حقوق المسيحيين وممارسات حكومة نجيب ميقاتي.
من جهته، ذهب باسيل إلى حدّ القول: “يرفض سمير جعجع المشاركة في جلسات حوار قد تكون مصيرية بحجّة وضعه الأمنيّ، لكنّه طبّ على مركز القوات الحزبي في جبيل لشدّ العصب والتجييش ولحقن النفوس المشحونة، وأقفل محازبوه الطرقات لنحو 24 ساعة من دون أيّ رادع”.
من باسيل إلى مجلس الأمن
أمّا على خطّ الحرب في الجنوب. فلم تلقَ خطوة باسيل بمخاطبة مجلس الأمن ودول الخماسية واليونيفيل والفاتيكان وبري وميقاتي “من أجل وقف الحرب في الجنوب بمعزل عن تطوّرات حرب غزة” أيّ موقف علني حتى الآن من جانب الحزب.
لكنّ اللافت أنّ كلام باسيل بعد اجتماع المجلس السياسي للتيار أتى أكثر هدوءاً وأقلّ حدّة من خطابه السابق الذي لمّح فيه إلى ربط الحزب حرب الجنوب بـ “مشروع مشبوه وتنفيذه لرغبة نتنياهو فقط باندلاع الحرب”.
سلّم للنزول؟
تقول مصادر التيار لـ “أساس”: “قد يكون هذا الاقتراح السلّم الذي يحتاج إليه الحزب للنزول عن شجرة اشتعال الجبهة الجنوبية. وربّما أيضاً لن يؤدّي إلى مكان، لكنّ باسيل يعلم بأنّ الحزب يتقدّم جبهة “الممانعين” لتوسّع الحرب في لبنان”. مشيرة إلى أنّ “هناك تفهّماً متبادلاً بيننا في شأن مواقفنا حول وحدة الساحات، والحزب يعرف جيّداً دون أن يقولها الكلفة الثقيلة والكبيرة عليه منذ 8 تشرين الأول. وهو يعلم أكثر أنّ باسيل وليس أحد غيره سيكون إلى جانبه في حال شنّت إسرائيل حرباً شاملة علينا حتى لو الحزب صاحب مسؤولية في دفع إسرائيل إلى ذلك”.
في المقابل، تعلّق مصادر مطّلعة على كواليس الداخل قائلة: “هناك ملفّ واحد أبعد من الجنوب والنزوح السوري وملفّات الداخل المتشعّبة سيكون “الفيصل” في العلاقة بين التيار والحزب، وهو اسم رئيس الجمهورية المقبل. وحتى الآن الحزب مُتمترِس خلف سليمان فرنجية، وباسيل معارض شرس لوصوله أو وصول قائد الجيش. بعد هذا الاستحقاق يمكن دفن تفاهم مار مخايل أو “روتشته” بانتظار مرور الستّ سنوات المقبلة”.
ملاك عقيل- اساس