الغموض يسيطر على قضية سُليمان: معطيات جديدة حول خطفه وقتله… سردية مشبوهة!

المُعاين والمُراقب للمعطيات الأمنية المُستجدة في قضية خطف وقتل منسق القوات اللبنانية في جبيل، باسكال سُليمان، فإنه حتمًا بحاجة إلى مخيلة إضافية لاستيعاب “الرواية الأمنية” البعيدة عن الواقع أو المنطق. فقضية سُليمان انتقلت من سيناريو الخطف بهدف سلب سيارة سُليمان، إلى رواية أمنية جديدة؛ تفيد أن عملية الخطف نُفذت بناءً لطلب عصابات كبيرة متخصصة بسرقة السيارات بين لبنان وسوريا.

سيناريو موسّع!
وحسب المعطيات الأمنية، فبعد التوسع بالتحقيقات ونتيجة إحداث هذه القضية حالة من الغضب الشعبي والاضطراب السياسي، قام أحد المطلوبين للقضاء اللبناني، الصادرة بحقه مئات مذكرات التوقيف، والمقيم في إحدى القرى الموجودة بين الحدود اللبنانية والسورية، ويدعى أحمد نون، بالتنسيق مع السلطات السورية، و”تطوّع” لتقديم معلومات ميدانية تفيد بأن أحد الخاطفين، الذي شارك في تنفيذ عملية خطف سُليمان وقتله، يتواجد في فندق بالقلمون. فسارعت الأجهزة الأمنية وألقت القبض عليه. وخلال التحقيقات، صرّح أمام مخابرات الجيش عن أسماء باقي أفراد العصابة الذين شاركوه في تنفيذ هذه العملية، وعن مكان تواجدهم في سوريا برفقة سُليمان، ما أدى إلى توقيفهم جميعًا من قبل الأمن السوري (نسبةً لتواجدهم في سوريا) وتسليمهم إلى القضاء اللبناني.

وحسب إفادات الموقوفين، فإن العملية نفذت بناءً لأوامر رئيس عصابة سرقة سيارات يتواجد في سوريا ويدعى قاسم زكريا.

لكن، وانطلاقًا من هذه المعطيات، يبدو لافتًا مخطط العصابة بسلب سيارة سُليمان بقوة السلاح خلال ساعات النهار وأثناء تواجده بداخلها، عوضًا عن سرقتها ليلًا. فحسب إفادتهم أمام مخابرات الجيش، أكدوا أن الهدف كان “الحصول على السيارة فقط”. علمًا أنه وفقًا للقانون اللبناني، فإن عقوبة السلب أقصى من عقوبة السرقة، ذلك لأن عملية السلب تنفذ بقوة السلاح. وحسب مصادر أمنية، فإن عصابات سرقة السيارات تُفضّل السرقة خلال ساعات الليل وتتجنب أساليب السلب بقوة السلاح، لأنها تشكل خطرًا على أفراد العصابة، خصوصًا إن كانت في ساعات النهار وفي مناطق تغصّ بالسكان! ثم إذا كانت تريد الاستيلاء على السيارة، فلماذا كان خطفه؟!

رحلة طويلة..
والجدير بالذكر، أن هكذا معطيات تطرح تساؤلات كثيرة، وعلى رأسها الطريق التي سلكته العصابة برفقة سُليمان، برحلة طويلة! فالعصابة تنقلت من جبيل إلى الشمال ثم نحو البقاع ومن هناك دخلت إلى سوريا، أي أن مسافة هذه الرحلة طويلة جدًا، وإن كان المرجو من هذه العملية هو سرقة أو سلب سيارة لا تتجاوز قيمتها الـ8 آلاف دولار، فلم أصرت المجموعة على نقل سُليمان إلى سوريا، وتخلت عن السيارة الخاصة بها في طرابلس. والأهم كيف تمكنت العصابة من اجتياز جميع الحواجز بين لبنان وسوريا برفقة جثة هامدة؟ ما يعزز فرضية أن هذه الحادثة لم تكن بغرض السلب أو السرقة، وأن الأجهزة الأمنية تقدم رواية غير مقنعة بشكل كافٍ، وأن هناك معطيات لم تُكشف بعد.

تقاعس الأجهزة الأمنية
ومع الغموض المسيطر على قضية سُليمان، فإن بعض المصادر الأمنية أوضحت لـ”المدن” أن هناك جهات أخرى ساعدت العصابة في الدخول من لبنان إلى سوريا، وسهلت لها الممرات الآمنة للدخول إلى سوريا. وقد جرى التداول بأسماء كل من ناجي جعفر وبشار طرديه، وهما من المطلوبين للقضاء اللبناني بجرائم تشكيل عصابة لسرقة السيارات وإدخالها إلى سوريا، إلا أن التحقيقات لا تزال مستمرة للتأكد من مسؤوليتهما في هذه الحادثة.

في المقلب الآخر، فإن إشكالية أخرى تطرح اليوم، حول ضعف الأجهزة الأمنية وعدم قدرتها على ضبط الحدود اللبنانية-السورية، والأهم أن المعطيات الأمنية تكشف تقاعس مكتب مكافحة السرقات الدولية في وحدة الشرطة القضائية عن القيام بواجباته، وغيابه التام عن ملاحقة كبار المطلوبين. فهذا الجهاز الأمني كان معروفًا خلال السنوات الماضية بإنجازاته النوعية في تفكيك أكبر العصابات في مختلف المناطق اللبنانية، وتحديدًا في البقاع الشمالي وصولًا إلى سوريا، وداهم مئات المطلوبين وفكك عصابات متخصصة بسرقة سيارات وسلّمها إلى مالكيها. في جميع الأحوال، تبقى ظروف هذه الجريمة مُلتبسة، إلا أنها أضاءت على خطورة التدهور الأمني في لبنان وتقاعس غالبية الأجهزة الأمنية عن واجباتها!

المدن

مقالات ذات صلة