نصرالله والذاكرة المثقوبة عمداً: إنها ممارسات حرب أهلية دائمة!
هذا الثقب في الذاكرة بات من الصعب إصلاحه بعلاج المهدّئات
كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان”:
لم تمحَ مشاهد حرب الأخوة بين حركة أمل وحزب الله، ولا بين القوات اللبنانية والجيش، ولا بين الحزب التقدمي الاشتراكي وحركة أمل (ما سمي حرب العلمين)، ولم تمحَ صورة الحرب بين المردة والكتائب، والكتائب والأحرار، ولم تمحَ صورة الحرب بين حركة أمل وحركة فتح من مخيمات بيروت الى مغدوشة، لكنّها جميعاً جولات تنتمي إلى عصر أراد اللبنانيون أن يشطبوه من الذاكرة، إلّا تلك الاستنسابية التي يتحلّى بها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الذي قاتل حركة أمل وهو لم يكن بعد أميناً عاماً للحزب.
ولو تمّ استحضار ما قاله النائب السابق عقاب صقر عن نصرالله الذي كان شديد الحزم في تلك المعارك، إلى درجة المخاطرة بحياة أخيه المسؤول في حركة أمل في الشياح، لكان ذلك الردّ الأمثل عمن شارك في الحرب الأهلية بجدارة، وعمن يجب أن يستخلص الدروس، وعمن يفترض به أن يتجنّب إعطاء النصائح والتهديدات بخصوص تلك الحرب.
كانت حرباً دفع فيها الجميع الثمن الباهظ، وخرجوا منها إلى حرب باردة، لا تزال تُقاد من حزب مستمرّ بحمل السلاح، تارةً تحت عنوان المقاومة، وطوراً تحت عناوين الدفاع عن غزة وصنعاء وبغداد، والأصحّ أنه سلاح في خدمة مشروع إيراني، لا ينكر الإعلان عن أنه سيطر على أربع عواصم عربية، وأنه بات يغسل رجليه في مياه المتوسط والبحر الأحمر.
الذاكرة المثقوبة عمداً، تتّهم الآخرين بالحرب الأهلية، فيما هي تمتلك السلاح الذي يعيّن رؤساء الجمهورية، ويشكّل الحكومات ويجتاح بيروت والجبل، ويفرض الثلث المعطل، ويعطّل أروع ثورة شعبية سلمية في العام 2019، ويلصق بها تهمة العمالة للسفارات، كلّ ذلك كي يحمي واجهات سياسية نصّبها لتكون متراساً أمامياً، يتلطّى وراءه المشروع الدائم، مقابل استرزاق بالفساد من مستقبل اللبنانيين وحياتهم.
الذاكرة المثقوبة عمداً، تتجاهل ملفات الاغتيال، التي ينام التحقيق فيها في الأدراج، من لقمان سليم إلى الياس الحصروني، إلى العشرات ممن قتلوا من دون السماح بالتحقيق في اغتيالهم، إلى جريمة تفجير مرفأ بيروت، التي من أجلها نظم حزب الله تظاهرة الطيونة، التي كادت هي نفسها تتحول إلى حرب أهلية، لولا تدخل الجيش في الوقت المناسب ولجم مظاهر الغلبة.
إنها ممارسات حرب أهلية دائمة، يجاهر أبطالها باتهام الآخرين بالتسبب بها، في وقت ينكرون على الضحايا حقّ الألم جراء الاستهداف المستمر ترهيباً وكماً للأفواه، واستئساداً على الحدّ الأدنى ممّا يسمّى العيش في وطن واحد.
هذا الثقب في الذاكرة بات من الصعب إصلاحه بعلاج المهدّئات، وهذا لسان حال كل من ينظر إلى ممارسات دعاة الحرب الأهلية، نظرة فيها من التقييم الموضوعي ما يعطي للصورة حقيقتها الأصلية.