أقنية اتصال لمنع الانفجار… وانزلاق الساحة الداخلية إلى صدام أهلي!
منذ أيام، واللبنانيون يضعون قلوبهم على أيديهم، خوفاً من انزلاق الساحة الداخلية إلى صدام أهلي، نتيجة التوترات السياسية والطائفية التي تراكمت على مدى سنوات، وجاء خطف باسكال سليمان وتصفيته لِيزيدا مِن تفاقمها إلى حدود خطرة.
يعتقد البعض أن الساحة اللبنانية حالياً تقف على كف عفريت. فلا شيء يمنع تعرّضها لصدمات يُمكن أن تقود إلى كوارث، خصوصاً أن الهواجس الداخلية تتزامن مع الخطر الآخر الخارجي على الحدود الجنوبية.
فحرب غزة لا يبدو أنها ستنتهي قريباً، ما يعني استطراداً أنّ الحرب في الجنوب اللبناني ستستمر أيضاً بلا أي أفق زمني، بكل تداعياتها السياسية والاقتصادية والأمنية. أي، حتى إشعار آخر، لا مجال للنهوض اقتصادياً ولا فرصة لإعادة بناء المؤسسات المفككة والمشلولة. وفوق ذلك، لا شيء يمنع تَمدد المواجهات الجارية في الجنوب لتتحول حرباً شاملة تدمّر ما بقي صامداً من مرافق البلد.
وفي غضون الأشهر الـ6 الفائتة من الحرب، تكبّد لبنان خسائر فادحة في الأرواح، وتعرَّض لخسائر مادية مباشرة بمئات ملايين الدولارات، نتيجة دمار المساكن والبنى التحتية، إضافة إلى خسارة غير مباشرة بمليارات الدولارات، نتيجة تعطيل الحياة الاقتصادية في مناطق واسعة من لبنان، وضياع الفرص والمواسم السياحية التي بقيت هي الرهان الأساسي للحد من شراسة الأزمة المالية.
وإذ يبذل لبنان جهوداً حثيثة، منذ سنوات، للحصول على قروض ببضعة مليارات من الدولارات من صندوق النقد الدولي، يتكبّد اليوم خسائر تفوق بحجمها هذه المساعدات. وفي عبارة أخرى، إن حرب غزة ستمنع خروج لبنان من مأزقه المالي وستزيد في اهترائه الشامل إلى حدود مخيفة.
وفي هذه الأجواء، لا يتحمل البلد إطلاقاً أي مغامرة أمنية داخلية كتلك التي شهدتها جبيل أخيراً، أو تلك التي شهدتها مناطق أخرى في أوقات سابقة، وكادت كل منها أن تفتح الأبواب للمجهول. فالبلد يعيش اليوم حالات تباعد سياسي وطائفي تصل إلى حدود الطلاق النفسي، في ظل انقطاع شبه تام للحوار بين المرجعيات السياسية المعنية.
ولكن، من عوامل الطمأنة في الحادثة الأخيرة خطاب «القوات اللبنانية» الذي يختصر بالآتي: لن ننجرّ إلى ردات فعلٍ ربما يخطط البعض لدفع البلد إليها، لكننا حتماً نريد كشف الجناة، ونعوّل لذلك على شفافية في التحقيق الذي تتولاه أجهزة الدولة.
واستناداً إلى هذا الموقف، كان لافتاً مقدار الهدوء الذي أظهرته عائلة المسؤول «القواتي» والبيئة الحزبية عموماً. فـ«القوات» لم تبادر إلى اتهام أي طرف بالجريمة، ولو أنها حمّلت «حزب الله» المسؤولية عن أجواء الفلتان بالسلاح، وهذا موقفها الثابت، ما دفعَ بعض الأوساط إلى التفكير في إمكان الاستفادة من أجواء المرونة هذه، لبناء شبكة أمان توفّر للبلد ضمانات تمنع أي صدمة قد تتسبب بصدام أهلي.
وفي الساعات الأخيرة، تداولت أوساط نيابية سلسلة أفكار يمكن اعتبارها مفاتيح لتنفيس الوضع الداخلي وتثبيت الضمانات المطلوبة، وأبرزها فتح باب الحوار السياسي مجدداً على مستوى القيادات.
وإذا كان الحوار بشكله الموسّع، كما يدعو إليه الرئيس نبيه بري، يقابَل بتحفظات من جانب بعض القوى المعارضة، ولا سيما «القوات اللبنانية»، فإنّ في الأوساط النيابية من يطرح فكرة إطلاق حوارات بين القيادات على مستويات ثنائية. فهذا يفي بالغرض خلال هذه المرحلة.
وترى هذه الأوساط أنه من الممكن الرهان على تفعيل قناة التواصل ما بين الرئيس بري والدكتور سمير جعجع، كضمانة لمنع أي صدمة محتملة على الأرض، أو لاستيعابها إذا وقعت. وفي الموازاة، يمكن الرهان على ضمانة من نوع آخر من جانب بكركي، بهدف طمأنة الشارع المسيحي القلق، لا سيما لجهة السعي إلى ملء الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية. وفي هذا الشأن يمكن النقاش في العديد من الطروحات التي ترضي بكركي وتؤمن تغطية مسيحية لعملية الانتخاب.
السؤال الذي تطرحه الأوساط النيابية هو: هل ستوافق القوى المسيحية على هذا النوع من الحوار أم تعتبره أيضاً مضيعة للوقت وإشاحة للنظر عن المشكلة الأساسية، كما هو الحوار الشامل الذي يدعو إليه بري؟ وهل من وسطاء يمكن أن يبادروا إلى الاضطلاع بدور لتقريب المسافات وفتح هذه الأقنية؟
أيّاً يكن الأمر، تقول المصادر النيابية، فإن حال الطلاق النفسي بين اللبنانيين باتت تحتّم مد خطوط التواصل، لأنّ تحديات خطرة تبدو في أفق الوضع في الشرق الأوسط، وهي تنعكس على لبنان وقد تهدد بزعزعة استقراره كدولة وكيان.
طوني عيسى- الجمهورية