موتك بهذه الطريقة الوحشية وحياتك “ما بيقطع” يا باسكال سليمان!

جعلوه شهيدًا بالقوة والترهيب. قتلوا الرفيق منسق منطقة جبيل، باسكال سليمان. من قال إنه يريد الاستشهاد على يد حفنة مجرمين محتلين وحوش؟ من قال إنه اختار درب “الشهادة” بهذا الأسلوب المتوحش؟ من قال إنه كان ليرضى أن يكون “شهيد” اللا ـ قضية واللاـ وطن واللا ـ انتماء؟!

لا تنسبوا اليه الشهادة إذ ليس شرفًا أن “يستشهد” الأبطال برصاص مجرمين غدارين لا يؤمنون لا بالأرض، ولا بالوطن، ولا بالقيم الإنسانية أصلًا، ولا بلبنان السيد الحرّ. لا تنسبوا اليه الشهادة لأن جسده تلطّخ بعار من عذبه ورماه في المجهول، ونكر معرفته به ورمى كرة النار في موقدة آخرين، وهو وهؤلاء الآخرين واحد موحّد في الجريمة.

“ما تقتلني عندي ولاد” قال باسكال للقتلة. لم يكترثوا لندائه، فقتلوه بدم بارد بارد بارد، وبدأت السخرية منه ومنّا عبر صفحات ملطخة بالحقد الخالص! سخروا منه ومنّا قبل إعلان موته. سخروا من خوفنا عليه ومن غضبنا ومن نزولنا الى الشارع ومن صيحات خوفنا المبللة بالسخط. جعلوا من صفحاتهم منابر حقد غير موصوف وكأنهم كانوا يمهّدون لنا إعلان الخبر المفجع. بدوا وكأنهم علموا بالخبر المفجع قبلنا، وبدل أن يتماهوا معنا في الحزن، حتى ولو تمثيلًا، فرحوا لمقتله ولحزننا عليه وسخروا من غضبنا!

أي بلاد هذه؟ أي دولة تلك التي تترك أبناءها ولائم سائغة للجريمة؟ أي أرض تلك لا ترتوي فعلًا الا من دماء اغتيالنا نحن بالتحديد؟ نحن الأحرار المقاومين الرافضين لسطوة الاحتلال والتفلّت الأمني، وسيطرة الغريب على أرضنا؟! ما هذه الصدفة يا الله، الصدفة المتكررة على مرّ الشهور والأعوام، التي تجعل من مناضلينا تحديدًا شهداء تباعًا، شهيد بعد شهيد بعد شهيد، بالأسلوب إياه وان اختلفت بعض التفاصيل؟!

“إذا كفينا بهالطريقة، باسكال ما رح يكون لا الأول ولا الأخير. رسالتي موجهة لكل القادة والمعنيين إنو الشعب ما بقا يحمل، عم يصطادونا واحد ورا التاني. باسكال فلّ بزمن القيامة ونحنا ولاد الرجا نؤمن بقيامة المسيح، وباسكال هلأ بمحل كتير أفضل أكيد، وتحية لأهل جبيل يللي مش بس وقفوا كرمال باسكال، إنما كرمال كل واحد منا ممكن يكون هوي باسكال سليمان”، بقوة ايمان تتحدى الصخر، قالت ميشلين سليمان، أرملة باسكال.

جعلوها بين ليلة وضحاها أرملة. هي شابة وهو شاب في عز النشاط والحياة. ظنوا أنهم سيقتلوا الروح فيها، وستخرج للعلن مكسورة الجبين والكرامة، تولول وتتوسل رضاهم أن يتوقفوا عن القتل، وإذ بها تجمِد دمعها المالح المرّ، وتعلن إيمانها الجبار على الملأ: “نحنا ولاد الرجا ما منخاف، نحنا ولاد المسيح ما منتراجع”. هزمتهم جميعًا، جعلتهم صغارًا صغارًا في اللا ـ إنسانية، في عار الإرهاب والانتماء للجريمة، وثقافة الموت والغدر والاغتيال. جعلت من زوجها بطلًا في استشهاده، وإن لم يشأ أن يكون شهيدًا على أيدي هؤلاء المجرمين، جعلته ألَقًا مشعًا مع رجاء القيامة في المسيح، بينما انحدر قاتلوه الى حيث هم أساسًا، جحيم الذل والعار.

قالوا لنا تحلّوا بالهدوء حين تكتبون، فلا نريد أن تكون القوات هي المحرِض على الفتن والبلاد لا تحتمل. صحيح مئة في المئة، لكن حين يصطادون رجالنا تباعًا من يكون المحرض على الفتن، القاتل أم المقتول؟! قتلوه ورموا الجثة في عيوننا ثم أعلنوا علينا الحرب! يا دولة لا دولة، يا مزرعة الذئاب لا جمهورية، يا سلطة لا تحكم ولا تتحكّم، بل يتحكّم بها المجرمون الساقطون، لن نسكت.

“ما بتقطع” قال الرفاق، قتل باسكال سليمان “ما رح يقطع” وحين قطع القواتيون أوتوستراد جبيل في الاتجاهين، لم يكن لأجل باسكال سليمان وحسب، بل لأجل كل مواطن هو مشروع باسكال سليمان والياس الحصروني ولقمان سليم وغيرهم مئات اللبنانيين الذي تقطعت بوجههم أوصال الحياة وهم بعد في عز النضال والحياة.

لم نتهم أحدًا بالإصبع بعد، ولكن سنفعل بالتأكيد. من قتل باسكال يتمتع الآن بالسعادة والهناء الموقت، إذ لن يعيش سعادته واكتفاءه التام، قبل أن يقتل كل مناضلينا، والأهم، أن يقتل الروح فينا، ولن يستطيع. ذهب باسكال، من بعده ينبت الالاف، وهم يعرفون ذلك ولذلك يحقدون ويغضبون ويقتلون، ونحن لا نموت، بل نحيا في عيون ونضال من يبقى، وسنبقى.

أما أنت يا رفيقي الذي لا أعرفه شخصيًا، ولكن أعرف ما يعرفه الرفاق وأهل جبيل وكل من رافقك، لك يا “آدمي” كما يصفك الرفاق، لك يا شفاف النضال والقلب والمحبة، لك يا من آمنت فعلًا بدولة ولبنان حلو قوي حرّ، ولذلك استلمت مهام منسقية جبيل وزرعت تلك القرى والبلدات من روحك الحلوة الرائعة، لك باسكال يا من كانت “القوات اللبنانية” بالنسبة اليك أبًا وابنًا وبيتًا ودستور حياة، لك باسكال ليس التحيات، لن تفيدك بشيء، بل الوعد الصادق القاطع، بأن روح النضال فينا لن تموت، وأن نضالنا لأجل العدالة، لأجلك ولأجل لبنان، ستكون أقوى وأعند وأصلب، لأن في اغتيالك زاد الغضب المحق فينا، والغضب وقود الثورة، ولن تستكين ثورتنا المقدسة الا حين نحقق العدالة للبنان وللأبطال، وموتك بهذه الطريقة الوحشية وحياتك “ما بيقطع” باسكال سليمان.​

فيرا بو منصف- موقع القوات

مقالات ذات صلة