جريمة قتل سليمان مريبة: إذا كانت عملية الخطف بدافع السرقة… لماذا قتلوا الرجل؟!

حجبت قضية قتل منسّق منطقة جبيل في “القوات اللبنانية” باسكال سليمان كل الأحداث في لبنان، بما فيها ما يحصل في الجنوب اللبناني، نظراً إلى حساسيّة العمليّة، وانتماء سليمان السياسي والغموض الذي رافق عملية الخطف بين الخاربة وميفوق، حتى العثور عليه مقتولاً في سوريا.

منذ اللحظة الأولى، إتخذت “القوات” موقفاً متوازناً وموزوناً، ولم تبادر إلى إتهام أحد، على الرغم من خصومتها السياسية مع “حزب الله” والممانعة عموماً، إلا أنها إتخذت قراراً على مستوى القيادة بوضع ثقتها بالأجهزة الأمنية بعد اتصالات مع المرجعيات الحكومية والوزارية على أعلى المستويات، وحسناً فعلت لأن الشارع كان معبأ بل يغلي من الغضب وخصوصاً أنه لم يمض عام كامل على اغتيال الياس الحصروني في عين إبل.

مع ذلك، لم تنم “القوات”، وشهدت جبيل تحركات شعبية تزامنت مع زيارة لرئيس “القوات” سمير جعجع وبعض النواب والمسؤولين في الحزب الى منطقة جبيل، إلا أن جعجع فضّل الصمت، فيما بقيت مواقف النواب والمسؤولين مضبوطة بإنتظار التحقيق الذي تتولاه الأجهزة الأمنية، وهذا ما كان مقصوداً حرصاً على سلامة سليمان. لكن ذلك لم ينفع، ويبدو أن المجرمين قتلوا سليمان في لبنان وفرّوا به إلى سوريا، وهنا لا بد من طرح علامات استفهام، فإذا كانت عملية الخطف بدافع السرقة، لماذا قتلوا الرجل؟ وبالتالي قد تكون للمسألة أبعاد أخرى يجب أن تعلنها الأجهزة الأمنية بشفافية كي لا تكثر التأويلات والسجالات.

ولا شك في أن عملية قتل سليمان أثارت غضب “القوات اللبنانية”، وبالتالي ستكون هناك مواقف تصعيدية، لكشف الجهة التي حرّضت وخطّطت للعملية، وسهّلت حصولها، على الرغم من القاء القبض على بعض السوريين المتورطين!

وبالفعل، ضخّ كمّ هائل من المعلومات منذ أمس عن تورّط عصابة سورية بالأمر وتحرير سليمان واعتقال الخاطفين، إلا أن المعلومات بدت غير دقيقة عن تحريره، وسرعان ما انكشف الأمر أمس بأن سليمان أصبح شهيداً جديداً لـ”القوات” ولبنان بعد اغتيال الياس الحصروني منذ بضعة أشهر. وعادة تأخذ “القوات” وقتها لدرس وقائع الجريمة للتأكّد من الرسالة الكامنة خلفها، وهناك من يصوّب نحو فوضى الوجود السوري في لبنان وعلاقته بالجريمة، وينسى غابة السلاح المتفلّت نتيجة فائض القوة لدى “حزب الله” وضعف الدولة وعجزها عن ضبطه، وهناك مخاوف من أن تستمر مثل هذه الجرائم إذا التزم الفريق السيادي الصمت. وتشير مصادر مقرّبة من “القوات” الى أن التصعيد الشعبي والسياسي سيتواصل، بعد تصفية باسكال سليمان وخصوصاً أن “القوات” والفريق السيادي يشعران أنهما مستهدفان.

لا شك في أن قتل سليمان، بصرف النظر عن أنه مسؤول حزبي، أثار الشارع والرأي العام اللبناني عموماً بمختلف فرقائه، لأن الجميع بات يشعر أنه مكشوف أمنياً في ظل السلاح المتفلّت سواء مع “حزب الله” أو مع بعض النازحين السوريين، وبالتالي كسبت “القوات” تعاطف الجميع وخصوصاً أنها تطرح القضية من زاوية وطنية لبنانية لا مذهبية، والتأني في توجيه الاتهامات الذي التزمت به يؤكّد أن قيادتها “حكيمة”، إذ لم ولن تتهم أحداً إلا بعد أن تكوّن فكرة واضحة ومفصّلة عن الجريمة ومن يقف وراءها.

كثر لا يعرفون باسكال سليمان، ففضلاً عن أنه منسّق منطقة جبيل في “القوات”، هو من بلدة ميفوق، متزوّج من المهندسة ميشلين وهبة، ولديه ثلاثة أبناء: صبيّة وشابان، شقيقه الدكتور جيلبير سليمان أستاذ جامعي ورئيس لدائرة أكاديمية الكوادر في جهاز التنشئة السياسية في “القوات”. يعمل باسكال موظّفاً في “بنك بيبلوس”، وقد بدأ نضاله الحزبي في “القوات” عندما كان طالباً، ثم أصبح رئيساً لمركز “القوات” في ميفوق-القطارة قبل أن يتولى مسؤولية منسق لمنطقة جبيل وعضو في المجلس المركزي لـ”القوات”.

من الواضح أنه منذ حصول عملية الاختطاف، ضخّت معلومات من مصادر مجهولة تضع القضية في خانة الدوافع المالية والأكثر خبثاً توجيه البوصلة نحو خلافات حزبية غير موجودة أصلاً والخلافات العائلية والمخدرات، فيما اكّدت عائلته لـ”لبنان الكبير” أن كل هذه المعلومات ليست سوى شائعات فلا باسكال رأسمالي ولا لديه علاقات مشبوهة مع أحد، وسيرته نظيفة، بل علاقاته الانسانية جيدة مع الجميع وحتى مع بعض الفعاليات والمسؤولين من أحزاب مسيحية أخرى.

واستغربت العائلة الكلام عن الخطف بدافع مالي لأن أحداً لم يطالبها بفدية، لافتة إلى أنه في ذروة الحرب اللبنانية لم يُخطف أحد في منطقة جبيل، علماً أن باسكال لم يتلق أي تهديدات، وهي تطرح علامات استفهام حول التفلت الأمني في هذه المنطقة.

وليس سراً أن البيئة السيادية، بفرعيها المسيحي والمسلم، معبأة نتيجة الانتقادات التي وجهها الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله الى “القوات” و”الكتائب” أمس، علماً أن الحزبين حاولا تهدئة قواعدهما وتجنّبا إتّهام “حزب الله” قبل توافر معلومات دقيقة من التحقيق الذي تجريه الأجهزة الأمنية، ومن المتوقع أن يكون لـ”القوات” والمعارضة مواقف من كل ما جرى في اليومين الفائتين منذ اختطاف سليمان وحتى استشهاده.

جورج حايك- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة