ادعاء الإبداع والموهبة ليس كافياً لخداع الجمهور: نادين نجيم وقد صدّقت أنها أنجلينا جولي!
في السنوات القليلة الماضية، واجهت الممثلة اللبنانية نادين نجيم اتهامات متكررة بتقليد النجمة العالمية أنجلينا جولي، ليس فقط في أدوار “الأكشن” التي قدمتها في مسلسلها الحالي “2024” وجزئه الأول “2020”، باستلهام مباشر من شخصيات في أفلام مثل “تومب رايدر” و”سالت” و”مستر أند مسز سميث”، بل حتى في الأدوار الرومانسية مثل مسلسل “نص يوم” المقتبس عن أعمال عديدة، منها فيلم “أوريجنال سين” (2001) الذي كان في نسخته العالمية نسخة أكثر شهوانية وجنسانية بطبيعة الحال وشهد كيمياء مثيرة بين جولي والممثل أنتونيو بانديراس.
ولا يمكن معرفة إن كانت نجيم (40 عاماً) تسعى بنفسها إلى تكريس تلك الصورة واستنساخ ما قدمته جولي التي توصف دائماً بالجمال والإثارة، أم أن الأمر يعود إلى طبيعة الإنتاج وكتابة السيناريو وخيارات المخرجين، خصوصاً أن مجال شهرة نجيم كان مؤطراً بالدراما العربية المشتركة التي ظهرت بعد الربيع العربي وقامت أساساً على التعريب والاقتباس والتقليد لأعمال ناجحة لا تأتي فقط من هوليوود بل من تركيا والمكسيك ودول أوروبية ولاتينية.
وفي الحالتين لا يمكن إنكار التشابه حتى في البوسترات الرسمية للمسلسلات، وفي المشاهد التي يتم نسخها حرفياً من دون المهارة الكافية الموجودة في النسخ الأصلية، على الصعيد التقني من ناحية التصوير والكاميرات والمؤثرات، وعلى صعيد الأداء التمثيلي نفسه، مع “إغفال” الإشارة في كثير من الأحيان إلى اقتباس أو استلهام، بل مع الإيحاء دائماً بعبقرية المواهب التي تقدم تلك الأعمال المشوهة.
وهذا الموسم، كانت لقطة نجيم وهي تضرب شخصاً من الخلف على رقبته وتطرحه أرضاً بسهولة شديدة، مصدراً للنكات في مواقع التواصل الاجتماعي، لأن الجدية المفرطة التي تُقدم بها هذه النوعية من المشاهد، تتعارض بشكل فاقع مع نتيجتها الكوميدية المتولدة حتماً بسبب الرداءة والاستسهال، ما يعني أن هذه النوعية من الأعمال تستخف بعقول الجمهور، وتراهن على أن الغالبية لا تتابع الأعمال العالمية (؟!) ولا تستطيع التمييز بين الجيد والرديء، مع الاستناد طبعاً إلى فئة من المتعصبين والأتباع على طريقة “Minions” في مواقع التواصل، والذين يعتبرون نجيم أيقونة محلية يجب الافتخار بها، لا نقدها، وهي حالة تتمدد إلى الساحة الفنية ككل.
متداول :
مشهد ل نادين نجيم وهي تكسر رقبة عدوها بقسوة يحصد تفاعلاً واسعًا 😅! pic.twitter.com/Ix46Q6nWGD
— WHR (@whrumor) March 31, 2024
وفي الدراما العربية المشتركة، في سوريا ولبنان تحديداً، تركز الاقتباسات إلى حد كبير على سينما مطلع الألفية، ربما لأن كثيراً ممن يكتبون ويخرجون تلك المسلسلات يبدون شباباً ممن كانت ثقافتهم السينمائية مرتبطة بتلك الفترة تحديداً. ويمكن سرد لائحة طويلة من تلك الأعمال مثل “تشيللو” المقتبس عن “Indecent Proposal” للنجمة ديمي مور، و”لو” المقتبس عن فيلم “Unfaithful” للنجمة ديان لين، وغيرها العشرات.
أما في مصر، فتبدو الاقتباسات حالياً أسرع بكثير وتركز على إنتاجات “نتفليكس” و”إتش بي أوه” على سبيل المثال، فمسلسل “فاتن أمل حربي” الذي قدمته الممثلة نيللي كريم العام 2022 مقتبس من مسلسل “Maid” الذي عرضته “نتفليكس” العام 2021 مثلاً. علماً أن الاقتباس المصري يطاول أيضاً أعمالاً قديمة وناجحة، مثل تقليد مسلسل “يوتيرن” لسلسلة أفلام الرعب التي عرضت مطلع الألفية “I know what you did last summer”، ومسلسل عادل إمام “عفاريت عدلي علام” المقتبس عن فيلم “The others” للنجمة نيكول كيدمان.
وكل تلك الأمثلة، وغيرها، كانت حاضرة في الصحافة العربية وفي مواقع التواصل، بشكل يظهر أن ادعاء الإبداع والموهبة ليس كافياً لخداع الجمهور. ربما لهذا السبب بات صناع الدراما أكثر صراحة إلى حد ما، في الحديث عن الاقتباسات من دون خجل. واليوم، حتى عندما يتحدث الممثلون عن طموحاتهم خلال المقابلات، فإن تقديم نسخ عربية من أعمال عالمية بارزة يحضر دائماً، مثل حديث الممثلة جومانة مراد عن رغبتها في تقديم نسخة عربية من سلسلة “How to get away with murder” التي حصلت بفضلها النجمة العالمية فيولا دايفز على جائزة “إيمي” كأفضل ممثلة العام 2015.
ومؤخراً انتشرت سلسلة تعريب المسلسلات التركية، بما في ذلك المسلسلات التي عرضت مدبلجة إلى العربية أصلاً، ومنها “ستيلتو” وكريستال” و”عروس إسطنبول” وكلها أثارت انتقادات واسعة من ناحية ضعف النسخ العربية وهزالتها أمام الأصل التركي. وإن كان الأمر يتعلق هنا باستنساخ شامل وحرفي، فإن مسلسلات أخرى تواجه اتهامات بنسخ ثيمة من هنا أو شخصية من هناك، مثلما يحصل مع مسلسل “تاج” الذي يقدمه الممثل تيم حسن هذا الموسم والمتهم بتقليد أفلام للملاكمة منها Raging Bull (1980) للممثل روبرت دينيرو والمخرج مارتن سكورسيزي، وهي خاصية قديمة في الدراما السورية وتحضر مثلاً في مسلسل “زمن الخوف” (2007) الذي اقتبس شخصيات كاملة من الفيلم الإيطالي “Remember me” (2004) وشاركت فيه الممثلة مونيكا بيلوتشي، فضلاً عن موجة المسلسلات البوليسية السورية مطلع الألفية (خط النهاية، قصص الغموض..) التي كانت تقتبس من مسلسلات أميركية مشابهة.
ومهما كان الموضوع الذي يتناوله المسلسل المقتبس فإنه يبدو باهتاً بالمقارنة مع النسخ الأصلية. ففي حالات استسنساخ أفلام الرعب مثلاً، يتم تجويف الحكايات من الأساطير الشعبية والبعد النفسي والموروث الثقافي الأصلي إلى جانب مؤثرات بصرية مضحكة، كما كان الحال في السلسلة السورية “الرابوص” (2017) التي لم تترك فيلماً شهيراً إلا واقتبست مشهداً منه، وبشكل خاص تقليد الممثلة أمل عرفة لشخصيات في فيلمي “The Grudge” و”The ring”. وفي مجال الأكشن أو الكوميديا أو حتى الأعمال الرومانسية، يتم تقليل الإثارة الجنسية والجسدية لأسباب بصرية وتقنية واجتماعية ودينية، ويغيب الكثير من التفاصيل التي جعلت الأعمال الأصلية ناجحة أصلاً.
وفيما يمكن سرد لائحة لا تنتهي من الاقتباسات هذه الأيام، فإن الأمر يعود ربما إلى الإنترنت الذي أتاح للمشاهد العربي أن يقارن ويتعرف على منتجات فنية لم يكن يمتلك الوصول إليها بسهولة حتى في زمن سيطرة القنوات الفضائية مطلع الألفية، وتبرز هنا سلسلة “مرايا” التي كانت تقتبس من نصوص أدبية وأعمال فنية عالمية على مدى عقود. كما أن مواقع التواصل تجعل الحديث عن تلك الاقتباسات والسرقات الأدبية شائعاً وسهلاً وليس مقتصراً على نقاد قد لا يعرفون أصلاً عما يتحدثون، أو على بعض الصحافة الفنية التي ترتبط أصلاً بدوائر الإنتاج والترويج وتبدو أقرب للصحافة الصفراء والإعلانات المأجورة لا أكثر. ويعني ذلك أن النمط نفسه ربما كان شائعاً في مسلسلات أُنتجت قبل العام 2010 ولم يكن الضوء يُسلط على احتمالية تقديمها للسرقة والاقتباس من أعمال عالمية، إلا بشكل نادر.
والحال أن هوليوود تصوغ منذ عقود طويلة، المخيلة العالمية عبر الصور والثيمات. وبالتالي فإن استسناخ ممثلة محلية مثل نجيم، لنجمة عالمية مثل جولي قد لا يكون بالأمر المهم، لكنه يحيل إلى معنى الأصالة في التمثيل بالدرجة الأولى، لأن الممثل يحصل على الإلهام من مصادر متنوعة، مثل محيطه الاجتماعي وقراءته الخاصة للشخصية والمزاج العام والثقافة والتدريب والخبرة، وأيضاً من أقرانه وزملائه الممثلين. وبفضل الإنترنت اليوم يمكن لأي ممثل أن يشاهد إبداع أي ممثل آخر كي يستلهم منه. لكن المشكلة تبرز عندما يكون الأداء، خصوصاً في الحالات العربية، متسنسخاً من ناحية الملابس وطريقة المشي واللكنة واللوازم اللغوية وغيرها من تفاصيل تفضح مدى هشاشة ممثلين عديمي المواهب، وصلوا إلى الشهرة بعلاقات مع السلطة كما هي الحال في سوريا، أو لأنهم من ملكات الجمال والمؤثرات كما في لبنان، أو من مشاهير السوشال ميديا كما في مصر.
وفي هوليوود هنالك شروط ومعايير لانتقاء الممثلين وعمليات كاستنغ طويلة، وشهور من التدريب، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالأكشن مثلاً. وبعض الممثلات مثل هيلاري سوانك تدربت على الملاكمة لشهور وكسبت عضلات ضخمة من أجل لعب دور البطولة في فيلم “Million Dollar baby” (2004) الذي حازت بفضله على جائزة “أوسكار” كافضل ممثلة. وذلك كله يغيب في المسلسلات العربية، حيث لا تستطيع الممثلات أن يركضن ولا أن يقمن بحركات رياضية صعبة تتطلب ليونة ومرونة، والأسوأ أن عمليات التصوير والمونتاج تظهر تلك المشاكل بدلاً من أن تخفيها، وتكفي مشاهدة نجيم وهي “تركض” عبر القرية بكامل ماكياجها وجمالها وكعبها العالي، للمقارنة.
ويحيل ظرف الاستنساخ السائد في الدراما العربية، إلى حقيقة غياب مناخ للإبداع وتقديم قصص أصيلة ضمن دول سلطوية، لا على صعيد كتابة السيناريو ولا على صعيد النصوص الأدبية نفسها. خصوصاً في دول عانت من الشمولية لعقود وتعتبر المصدر الأول للدراما، أي سوريا ومصر، حيث يتم استخدام الدراما كوسيلة سهلة من قبل السلطة لتوجيه الرسائل السياسية، وهو ما يبرز في القاهرة بعد انقلاب الرئيس عبد الفتاح السيسي واحتكاره للسلطة العام 2014، عبر سيطرة شركات تابعة للجيش والمخابرات على كافة أنواع الإعلام والإنتاج الفني في البلاد، وتقديم مسلسلات تقتبس من أصول أجنبية ويتم تحويرها لتلميع صورة السلطة التي تكافح الإرهاب الإسلامي.
ويعيد ذلك إلى أصل عملية الإنتاج نفسها وهو السؤال عن الهدف من قص حكاية أصلاً. الربح المادي دائماً يبرز كهدف نهائي للمنتجين، لكن الفنانين من كتّاب وممثلين ومخرجين يملكون في المجتمعات الحرة رؤى شخصية وتراكمات ثقافية وخبرات معرفية ينقلونها كي يعبروا عن ذواتهم. وحتى في أفلام الأكشن التي قد تغيب فيها تلك القصص العميقة، فإن الإثارة البصرية والتشويق هما فن لا يمكن التغاضي عن صعوبة إتقانه بصرياً وجسدياً، وهو ما لا يمكن ملاحظته في أعمال الأكشن المستنسخة محلياً بطبيعة الحال، ومثال نجيم وحده يكفي للإشارة على ذلك التناقض الفاقع بوصفها أبرز الممثلات اللبنانيات في السنوات العشر الأخيرة على الأقل.
والاقتباس نفسه ليس نهاية العالم، ففي هوليوود نفسها يتم اقتباس مسلسلات وأفلام أوروبية وأجنبية ناجحة، لكن نسخها الأميركية تتفوق من الناحية الجماهيرية بسبب القوة التي تمتلكها استديوهات هوليوود مالياً وفكرياً وعلى صعيد الحرية بكل تأكيد، مثلاً كان فيلم “The girl with the dragon tattoo” العام 2011 أنجح بملايين المرات من أصله السويدي، من ناحية المشاهدات والإيرادات. كما أن الاقتباس ليس حكراً على السينما والدراما التلفزيونية، بل يحضر في كل ما له علاقة بالصناعات الإبداعية، كالموسيقى وألعاب الفيديو.
وليد بركسية- المدن