من عمليّات تهريب الكبتاغون إلى أعمال الشغب الأخيرة.. ماذا يحصل في الأردن؟

العمليات المتكررة خلال العامين الأخيرين لتهريب السلاح من الحدود الغربية والشمالية تحت غطاء الكبتاغون، والحوادث الأمنية الأخيرة التي يشهدها الأردن تحت غطاء تظاهرات تضامنية مع غزة، هي خطوات تكتيكية ضمن استراتيجية عسكرية تعرف باسم “حرب الجيل الرابع” يشنها على المملكة الهاشمية محور الممانعة بقيادة إيران.

حرب الجيل الرابع هي نظرية عسكرية قدمها الباحثان الأميركيان ويليام ليند والعقيد كيث نايتنغيل قبل نحو أربعين عاماً، وتقوم على أن دولة معادية يمكنها السيطرة على دولة أخرى بواسطة مجموعة تحركات منفصلة بعضها عن بعض، ولكن منسقة على فترة من الزمن تهدف إلى إفقاد مؤسساتها العسكرية الحق الحصري في حمل السلاح. واستخدم تعبير حرب الجيل الرابع لإظهار تطور الحروب منذ دخول البنادق كسلاح أساسي للجيوش في القرن السابع عشر.

فبحسب النظرية، حرب الجيل الأول هي حرب تكتيكات الصفوف والطوابير المرصوصة للجيوش المسلحة بالبنادق والتي تتقدم تقدماً منسقاً. بعد تطور سلاح المدفعية بدأت حروب الجيل الثاني حيث كثافة النيران للمدفعية غير المباشرة البعيدة المدى كتكتيك أساسي في المعارك. ومع مكننة الحروب ودخول الآليات والطائرات العسكرية بدأت حروب الجيل الثالث والتي تميزت بالمناورات السريعة والتغلغل في عمق خطوط العدو – الحرب الخاطفة.

حرب الجيل الرابع هي السيطرة على أراضي الخصم من دون الحاجة إلى إرسال قوات عسكرية للقيام بذلك، ولجأت إليها القوى العظمى خلال الحرب الباردة نتيجة الردع النووي الذي أجبر المعسكرين الشرقي والغربي على تجنب المواجهة العسكرية المباشرة. الطريقة المبسطة لوصف تكتيك حرب الجيل الرابع هي استخدام فئات من مكونات شعب الدولة المستهدفة لضرب السلطة المركزية وتقويضها من الداخل، تمهيداً لتعزيز نفوذ الدولة الغازية ثقافياً، واقتصادياً، وسياسياً، وعسكرياً. وكما هو معروف فإن مواصفات الدولة الحديثة أن يكون لجيشها وقواتها الأمنية فقط الحق الحصري والشرعي في حمل السلاح للحفاظ على أمن الوطن والدفاع عنه. فهذه هي الوسيلة للحكومة أو السلطة المركزية للحفاظ على أمن البلد واستقراره. إفقاد السلطات الأمنية الشرعية الحصرية لحمل السلاح يؤدي إلى ظهور قوى وميليشيات مسلحة محلية تتحدى القوى الشرعية وتمنعها من أداء عملها وتضعف السلطة المركزية لمصلحة القوة الخارجية التي موّلت هذه الميليشيات وسلّحتها.

من أهم عناصر حرب الجيل الرابع هي ضرب ثقافة الدولة المستهدفة وهويتها الوطنية بهدف إحداث انشقاقات بين فئات المجتمع الإثنية أو المذهبية أو القبلية، وهذا يتم عبر حملات إعلامية مضللة لتجييش الرأي العام وإشاعة الفرقة بين أفراد الشعب، ولتدمير الثقة داخل المؤسسات وتعطيلها عن العمل. ومن عناصر هذه الحرب أيضاً بناء مجموعات مسلحة تعمل كخلايا تقوم بتنفيذ هجمات إرهابية لتقويض هيبة الدولة وثقة المواطنين بها. ولا تهدف استراتيجية حرب الجيل الرابع إلى نصر سريع من قبل الجهة المعادية، بل هي مجموعة تحركات تأخذ فترة من الزمن لتصل إلى الهدف النهائي المنشود. فهي تنتظر فرصاً وتطورات داخلية أو إقليمية لتجييش الحملات الإعلامية لضرب الوحدة الداخلية وتحريك الخلايا العسكرية التي عادة لا تعلم بأنها تخدم هدفاً كبيراً للدولة المعادية. فهي تترك لخدمة شعارات وأفكار أيديولوجية لفئة من الشعب.

تعامل الدولة المعتدية مع مافيات المخدرات والجريمة المنظمة هو من عناصر حرب الجيل الرابع. فهذه العصابات تسهل دخول السلاح للخلايا المسلحة التي تتحول إلى ميليشيات كبيرة في مرحلة لاحقة. فهذه العصابات يناسبها ضعف المؤسسات الأمنية وانتشار الفساد فيها، إذ يمكنها العمل بسهولة أكبر. كما أنها لا تكترث للسياسات الدولية والأيديولوجيا ما دامت لا تؤثر سلباً على أعمالها. ويشكل التعاون معها فرصة لأجهزة الدولة الغازية لتمويل العمليات في البلد المستهدف ولتهريب ما تريده من أشخاص وأسلحة وتسهيل عمليات اغتيال. وفي مراجعة لأحداث جميع الدول التي شهدت ظهور ميليشيات داخلها ضمن تحركات مناهضة للحكم – مجموعات يسارية أو يمينية كانت – ترافق ذلك مع نشاط كبير لتجار المخدرات والسلاح وتهريب البشر.

تعتبر إيران من أنجح الدول استخداماً لحرب الجيل الرابع في الشرق الأوسط. فهي استخدمتها للسيطرة على أربع دول حتى الآن: لبنان، سوريا، العراق، اليمن. ولقد سخّرت إيران حلفاءها في محور الممانعة لتنفيذ تكتيكات واستكمال عناصر حرب الجيل الرابع. ففي العراق استخدمت النظام السوري لتسليح المجموعات العراقية المعارضة للحكومة والقوات الأميركية، ومن ثم استغلت الحرب على “داعش” لإنشاء مجموعاتها في ميليشيات الحشد الشعبي وتسليحها في وقت كانت هناك هجمة كبيرة على ثقافة الشيعة العرب والنجف خدمة لمشروع الولي الفقيه، والنتيجة هي العراق كما هو عليه اليوم. أما في لبنان، فكان إنشاء “حزب الله” تحت راية مقاومة إسرائيل والتغلغل شيئاً فشيئاً ثقافياً واجتماعياً في المجتمع الشيعي واستغلال كل فرصة لتعزيز الشرخ الداخلي بهدف إبقاء لبنان تحت حكومة ضعيفة. ولقد تنامى نفوذ “حزب الله” داخل المؤسسات السياسية اللبنانية ونشر الثقافة الإيرانية عبر مدارس ومؤسسات، ما أدى لظهور ثقافة جديدة تتعارض مع الثقافة التقليدية في لبنان، ووضع هذا البلد هو ما عليه اليوم: حكومة بلا قرار ووطن بهوية تواجه خطر الزوال.

في أي مقارنة للتجارب التي شهدها لبنان والعراق وسوريا مع ما يواجهه الأردن منذ فترة حتى اليوم، تتوافر عناصر حرب الجيل الرابع بقوة وهي على الشكل التالي:

•تصاعد نشاط مافيات تهريب السلاح والمخدرات على الحدود بشكل غير مسبوق في الحجم والشكل. فكميات السلاح التي حاولت تهريبها لافتة للنظر، إذ تضمنت صواريخ مضادة للدرع ومتفجرات، وبالتالي فهي ليست للعمل الإجرامي، بل تصلح لحرب شوارع وعمليات اغتيال. كما أن سبل التهريب باستخدام مسيرات وهجمات بمجموعات كبيرة مدججة بالسلاح تؤشر إلى جهد كبير ومنسق ودعم استخباري من البلد الذي ينطلق منه المهربون.

•شن حملات إعلامية منظمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تستهدف الحكومة والأجهزة الأمنية، لإظهارها ضعيفة وعاجزة عن حماية الشعب وتوفير متطلباته.

•التحريض المباشر على الحكم في المملكة واتهامه بالخيانة والعمالة.

•بث أفكار وشعارات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تستهدف الهوية الأردنية عبر إظهار الشعب على أنه مصطنع ويضم أكثرية تحمل هوية أخرى.

•استغلال تظاهرات سلمية لنصرة غزة والشعب الفلسطيني لإطلاق شعارات معادية للسلطة وافتعال أعمال شغب.

القيادة الأردنية تابعت عبر السنوات الماضية ماذا حدث في العراق وسوريا ولبنان، والملك عبدالله الثاني هو أول من حذر مما بات يعرف بالهلال الشيعي الذي تعمل إيران على إنشائه. ولذلك، كان هناك التحرك السريع للأمن الأردني بدعم عربي خلال الأيام الماضية للقبض على مثيري الشغب في محاولة للسيطرة على الشارع. كما أن الأردن تصدى لعمليات التهريب بقوة صارمة ويعتمد الآن سياسة الضربات الاستباقية ضد مافيات تهريب السلاح والمخدرات في جنوب سوريا، وهي سياسة يجب تطبيقها دائماً. والشعب الأردني شاهد معاناة شعوب الدول الخاضعة لهيمنة إيران من انهيار اقتصادي وفلتان أمني وحروب داخلية بين الحين والآخر، وشلل سياسي ومؤسساتي. وعليه، فإن محاولة إيران، بمساعدة بعض وكلائها في محور الممانعة، إخضاع الأردن عبر وسائل حرب الجيل الرابع ستكون صعبة المنال.

رياض قهوجي- النهار العربي

مقالات ذات صلة