إستهداف القنصليّة الإيرانيّة “فخ”… وحزب الله ليس معنياً بالردّ

لا يمكن نفي قسوة نتائج قصف القنصلية الايرانية في دمشق، لكن من المبكر الحديث عن النتائج ومعادلات الربح والخسارة قبل ان تتوقف الحرب، وعندها فقط يمكن الخروج بالخلاصات النهائية. لكن لماذا اقدمت “اسرائيل” على هذه الخطوة؟ هل هي “فخ” لاستدراج ايران الى حرب شاملة؟ ام محاولة للهروب الى الامام من قبل رئيس حكومة العدو بنيامين نتانياهو، في ظل الاخفاقات الميدانية في الشمال والجنوب وارتفاع الضغوط السياسية عليه؟ وهل الرد الايراني حتمي؟

قبل الحديث عن الرد الايراني، ربما يكون الاستنتاج الثاني اقرب الى الواقع، بحسب مصادر دبلوماسية في بيروت قالت امام زوارها، ان نتانياهو يحاول ان يحقق انجازات في ساحات جديدة بعيدا عن لبنان وغزة، حيث تسود مراوحة قاتلة في ساحة المواجهة، وهو يريد ان يظهر بمثابة الرجل الاقوى في “اسرائيل” الذي يقول للرئيس الاميركي جو بايدن “لا” صريحة، ويدير ظهره للنصائح الاميركية. في المقابل يقوم بضرب مباشر للمصالح الايرانية لاظهار انه “يجرؤ” حيث لا “يجرؤ” الآخرون، وهو يتكىء على تقديرات امنية تفيد بان الطرف الآخر لا يرغب بحرب شاملة ولا يريدها، ولهذا كان القرار باستهداف المصالح الديبلوماسية الايرانية في دمشق، لاعتقاده انها “الخاصرة الرخوة” التي يمكن النفاذ من خلالها لتوجيه “رسائل” دموية الى الايرانيين، ظنا منه ان طهران “مردوعة” ومكبلة لانها غير جاهزة او لا تريد الدخول في حرب مباشرة مع الولايات المتحدة الاميركية، التي ستضطر حكما للدفاع عن “اسرائيل” في اي مواجهة شاملة.

افتراضات نتانياهو وحساباته تتسق مع وجهة نظر الاميركيين، الذين يعتقدون ان الايرانيين ليسوا في وارد الذهاب الى تصعيد كبير في المنطقة، ولهذا يمكن “هضم” هذا الهجوم وامتصاص نتائجه، حتى لو جاءت نتائجه على المدى القصير على حسابات التفاهمات الايرانية- الاميركية على قواعد الاشتباك المنخفضة المستوى في المنطقة، والتي حيدت على نحو كبير القواعد الاميركية العسكرية من الاستهداف. ولهذا لا تعتقد تلك الاوساط، بان واشنطن غاضبة كثيرا ازاء هذه الضربة، وان كانت تفضل عدم زيادة منسوب التوتر في المنطقة، لكنها لا تزال تعتقد ان الامور قابلة للاحتواء، حتى لو حصل رد ايراني مباشر على الضربة “الاسرائيلية”.

وفي هذا السياق، تكشف تلك الاوساط بان واشنطن تحركت ديبلوماسيا بعد وقت قصير على الغارة على دمشق، وتواصلت مع الوسيط العماني الذي ابلغ طهران ان الادارة الاميركية غير متورطة بالهجوم، ونقلت رسالة واضحة للايرانيين بضرورة ان يكون اي رد مفترض، ضمن السقوف التي يمكن هضمها ولا تفجر الصراع على نحو واسع.!

في المقابل، لم تكن طهران معنية بتطمين واشنطن حيال طبيعة تعاملها مع الحدث، وابقت على غموض كبير حيال كيفية ردها المرتقب، لكن ما تم تأكيده، وفقا لاوساط مطلعة، انه لا يوجد اي خيار آخر بديل عن الرد المباشر ودون “قفازات” هذه المرة، وسيكون الرد عبر القوات المسلحة الايرانية، وليس من قبل حزب الله او اي فصيل مقاومة في المنطقة، وذلك لاسباب كثيرة اهمها:

– اولا: ان الايرانيين لن يمنحوا “اسرائيل” سابقة يمكنها البناء عليها لتنفيذ استهدافات اخرى تطال مقرات رسمية ايرانية، ولهذا يجب ان يكون الثمن متناسبا مع حجم الاعتداء.

– ثانيا : لن تقبل طهران ان تتلقى “اهانة” علنية بهذا الحجم دون الرد عليها، وهو امر سيترك اثارا سلبية في الداخل والخارج، علما ان دعوات “الانتقام” الشعبية غير مسبوقة لدى الايرانيين.

– ثالثا: تريد طهران ان تفهم واشنطن انها اذا ارادت ان لا يحصل توسع للصراع، فعليها “كبح” جماح “اسرائيل، لا مطالبة الآخرين “بضبط النفس”، ولهذا يجب ان تتحمل مسؤولية تهورها وحساباتها الخاطئة.

– رابعا: لن تقبل طهران بان يصاب المحور بالاحباط بفعل الضربة، والمسألة المعنوية مهمة جدا في ظل الحرب القاسية التي تحصل على اكثر من جبهة، ولهذا فان الرد آت لا محالة.

في المقابل، يخشى الاميركيون ان تستغل طهران الغارة “الاسرائيلية” لتعزيز اوراقها التفاوضية على “الطاولة”، من خلال ربط حجم الرد بما يمكن ان تقدمه الادارة الاميركية في ساحات الاشتباك وخصوصا في غزة، وثمة اعتقاد في واشنطن بان ما يؤخر الرد مسألتين: الاولى ترتبط بالتوقيت حيث يلعب الايرانيون على “اعصاب اسرائيل” ويضعونها تحت الضغط، والثانية مسألة “الثمن” الذي يمكن ان تجبيه طهران من هذا التطور، وهي ترغب بان تدفع واشنطن مرتين، في الميدان وفي السياسة. يمكن القول بان “الكباش” على اشده، والساعات المقبلة مفصلية لتحديد مسار الامور.

ووفقا لتك الاوساط، لدى طهران خيارات اخرى، وليست بديلة عن الرد المباشر، ومنها التراجع عن الاتفاق الضمني الذي حيد القوات الأميركية في العراق وسوريا، رفع مستوى الضربات النوعية عبر الجبهات المفتوحة على “إسرائيل”، والامر الثالث الذي تخشاه واشنطن فهو تكثيف ايران العمل في البرنامج النووي وتجاوز بعض “الخطوط الحمراء” التي كانت تحافظ عليها، من خلال زيادة نسبة نقاء اليورانيوم لترتفع إلى 90 بالمئة، وهي نسبة صالحة لصنع قنابل.

في الخلاصة، إيران مضطرة للرد، لردع “إسرائيل” عن شن مزيد من تلك الهجمات، وستختار هدفا يجنبها الحرب الشاملة، اي ان الامور ذاهبة للتصعيد دون الانزلاق الى مواجهة مفتوحة. اما حزب الله فهو غير معني بالرد عن ايران، ولم يسبق ان قام بهذه الوظيفة، واي رفع للنسق في المواجهة على الحدود الجنوبية، لن يكون بديلا عن الرد الايراني المباشر، الذي لن يعني تخلي طهران عن سياسة “الصبر الاستراتيجي”، وانما ادخال تعديل مرن على هذه الاستراتيجية يسمح بالخروج عن المألوف في الرد، ضمن ضوابط وحسابات تأخذ في عين الاعتبار الهروب من الاستدراج. وفي الوقت عينه استعادة الردع وافهام “اسرائيل” ان عليها ان تدفع اثمانا باهظة على لعب دور “الصبي الازعر”، اي ان ايران معنية بتلقين “اسرائيل” الدرس، فيما على واشنطن ان تختار بين ترك الامور تنزلق الى فوضى عسكرية شاملة، او وضع حد لتهور كيان الاحتلال الذي يحاول تصدير ازماته، مستغلا الحماية الدولية والتغطية المريبة لجرائمه. لكن لا حديث عن عدم الرد. ويبقى السؤال، كيف؟ ومتى؟

ابراهيم ناصر الدين- الديار

مقالات ذات صلة